المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

83

محلّ البحث، فلا برهان عليها، بل ينحصر الأمر في إثبات ذلك بالشرع أو بالوجدان، بأن يقال مثلاً: إنّنا ندرك مباشرة بالوجدان ثبوت السلطنة فينا، وإنّنا حينما يتمّ الشوق الأكيد في أنفسنا نحو عمل لا نقدم عليه قهراً، ولا يدفعنا إليه أحد، بل نقدم عليه بالسلطنة بناءً على دعوى: أنّ حالة السلطنة من الاُمور الموجودة لدى النفس بالعلم الحضوريّ من قبيل حالة الجوع أو العطش، أو حالة الحبّ أو البغض، أو بأن يقال: إنّنا كثيراً ما نرى: أنّنا نرجّح بلا مرجّح كما يقال في (رغيفي الجائع) و(طريقي الهارب)، فلو كان الفعل لا يصدر إلّا بقانون الوجوب بالعلّة، إذن لبقي جائعاً إلى أن يموت؛ لعدم المرجّح لأحدهما، بينما بناءً على قاعدة السلطنة يرجّح أحدهما بلا مرجّح. وإن عرض هذا الكلام على الحكماء، لقالوا: إنّ المرجّح موجود في علم المولى، أو بعض الملائكة المدبّرين للاُمور، إلّا أن يقال في مقابل ذلك: إنّ الوجدان يحكم بعدم دخل المرجّح دائماً في تصميماتنا وما يصدر منّا من الأفعال في مقابل بدائله، فرجع الأمر أيضاً مرّة اُخرى إلى الوجدان(1).



(1) الواقع: أنّ الاستشهاد بــ (رغيفي الجائع) و(طريقي الهارب) لو قصدت به البرهنة على الاختيار، لأمكن ردّه باحتمال وجود المرجّح في علم المولى، أو بعض الملائكة المدبّرين للاُمور، أو قل: إنّ في الموارد المتعارفة التي اتّفقت في العالم حتّى يومنا هذا من أمثال (رغيفي الجائع) و(طريقي الهارب) إنّما لم نرَ شخصاً يقف حائراً أمام الأمرين، بل رأينا دائماً اختياره لأحد الأمرين؛ لأنّ المرجّح في الواقع كان موجوداً وإن خفي علينا. أمّا لو فرض عدم المرجّح صدفة، فمن الذي أخبرنا بأنّه سوف لن يقف حائراً بين الأمرين؟!

أمّا لو قصد به تنبيه الوجدان على الاختيار، فهذا الردّ غير وارد، فإنّ المقصود بمثل هذه الأمثلة عندئذ دعوى: أنّ الوجدان حاكم بأنّه حتّى لو لم يكن في الواقع، وفي علم الله، وفي علم الملائكة ترجيح لأحد الأمرين، سوف لن يقف الشخص حائراً بين الأمرين، ومتحمّلاً الجوع، أو افتراس الأسد، أو نحو ذلك.