المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

82

مفهوم الإمكان، إذن فالسلطنة لو وجدت، فلابدّ من الالتزام بكفايتها.

وهي تشترك مع الوجوب في الكفاية لوجود شيء بلا حاجة إلى ضمّ ضميمة، وتمتاز عنه بأنّ صدور الفعل من الوجوب ضروريّ، ولكن صدوره عن السلطنة ليس ضروريّاً؛ إذ لو كان ضروريّاً لكان خلف السلطنة، وفرق بين حالة (له أن يفعل) وحالة (عليه أن يفعل)، وقد فرضنا أنّنا وجدنا مصداقاً للسلطنة، وأنّ له أن يفعل، وينتزع العقل من السلطنة ـ باعتبار وجدانها لهذه النكات ـ مفهوم الاختيار، لا من الوجوب ولا من الصدفة.

وقد تحصّل: أنّ المطلوب في هذه النقطة الثانية أنّه لو كانت هناك سلطنة في العالم، لكانت مساوقة للاختيار، وكفت في صدور الفعل.

الثالثة: أنّ هذه السلطنة هل هي موجودة، أم لا؟

يمكن البرهان على إثباتها في الجملة، وتعيينها في الله(1). وهذا خارج عمّا نحن بصدده، ويرجع إلى بحث قدرة الله. وأمّا في الإنسان الذي هو الداخل في



(1) كأن يقال: لو لم يكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ فاعلاً مختاراً، أو كان علّة تكوينيّة، لانتهت الحركة في العالم منذ زمان قديم؛ لأنّ الحركة الجوهريّة في الموادّ والأشياء تعني خروج ما بقوّتها إلى الفعل، وما بقوّتها محدودة، وخروجها إلى الفعل محدود ويحتاج إلى زمان محدود، وأيّ مقدار من الزمان نفترض الحاجة إليه لانتهاء ما بقوّة المخلوقات إلى الفعل فقد مضى على ذلك أكثر من ذلك الزمان؛ لأنّ الخالق قديم، وهو ـ بحسب الفرض ـ علّة لتلك المخلوقات، والمعلول لاينفكّ عن علّته، إذن فهو قديم، فكيف لم تنتهِ حركة تلك المخلوقات حتّى يومنا هذا؟! ولو فرضنا: أنّه انتهت الحركة في المخلوقات الاُولى، ثُمّ بدأ الخالق بخلق جديد، لكان هذا أيضاً دليلاً على الخلق بالسلطنة لا بالعلّيّة؛ لأنّه لو كان بالعلّيّة لكان هذا الخلق أيضاً قديماً بقدم علّته، وكان حاله حال الخلق الأوّل في انتهاء حركته.