المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

70



فأوصل المولى القوّة إليها بواسطة سلك يكون أحد طرفيه بيد المولى، فذهب العبد باختياره إلى قتل نفس والمولى يعلم بذلك، فالفعل بما أنّه صادر من العبد باختياره فهو اختياريّ له، وليس بمقهور عليه، وبما أنّ السلك بيد المولى وهو الذي يعطي القوّة للعبد آناً فآناً فالفعل مستند إليه، وكلّ من الإسنادين حقيقيّ من دون أن يكون هناك تكلّف أو عناية، وهذا واقع الأمر بين الأمرين، فالأفعال الصادرة من المخلوقين بما أنّها تصدر منهم بالإرادة والاختيار فهم مختارون في أفعالهم من دون أن تكون هناك شائبة القهر والإجبار، وبما أنّ فيض الوجود والقدرة والشعور وغيرها من مبادئ الفعل يجري عليهم من قبل الله تعالى آناً فآناً بحيث لو انقطع عنهم الفيض آناً واحداً لما تمكّن العبد فيه من فعل أبداً، فالأفعال الاختياريّة بين الجبر والتفويض، ومنتسبة إلى المخلوقين من جهة وإلى الخالق من جهة اُخرى(1).

وهذا هو الاحتمال الثالث من الاحتمالات الخمسة المذكورة في المتن.

وقد علّق على هذا الكلام الشيخ السبحانيّ (حفظه الله) بما يلي:

هذا التمثيل مع كونه رفيع المنزلة في تبيين المقصود، إلّا أنّ الفلاسفة الإلهيّين لا يرضون بالقول بأنّ النفس تستخدم قواها كمن يستخدم كاتباً أو نقّاشاً، قائلين بأنّ مقام النفس بالنسبة إلى قواها أرفع من ذلك؛ لأنّ مستخدم البنّاء لا يلزم أن يكون بنّاءً، ومستخدم الكاتب لا يكون كاتباً، فلو كانت النفس بالنسبة لاستخدام قواها كذلك لم يجب أن يكون المستخدم سميعاً وبصيراً لدى استخدام السامعة والباصرة، في حين أنّ النفس هي السميعة البصيرة، فإذا كانت نسبة النفس إلى قواها فوق التسبيب والاستخدام، فكيف


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، المشتمل على تعاليق السيّد الخوئيّ (رحمه الله)، ص 90، وراجع المحاضرات، ج 2، ص 87 ـ 89 بحسب طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.