المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

69



وإنّما يكون الأمر بين الأمرين بهذا المعنى وسطاً بين الجبر بمعنى كون الفعل فعل الله وحده، وكون الإنسان محلاًّ لذلك الفعل كما هو الحال في فعل النجّار في الخشب حينما يصنع منه سريراً مثلاً، والتفويض بمعنى كون الفعل فعلاً للعبد وحده.

وعليه، فقد تحصّل: أنّ للأمر بين الأمرين معاني ثلاثة:

الأوّل: كون الفاعل المباشر هو الله تعالى، مع افتراض: أنّ الإرادة ومبادئها في العبد مقدّمات إعداديّة لصدور الفعل من الله، وهذا هو الاحتمال الرابع من الاحتمالات الخمسة المذكورة في المتن.

وهذا الوجه باطل بالوجدان المثبت لانتساب الفعل المباشر للإنسان.

والثاني: كون الفاعل المباشر هو الإنسان، والفاعل الطوليّ هو الله سبحانه بإفاضته آناً فآناً الوجود والقدرة للفاعل المباشر.

وقد أفاد السيّد الخوئيّ (رحمه الله) لتشريح فكرة الأمر بين الأمرين بهذا المعنى، مع فكرتي الجبر والتفويض في مقابل هذه الفكرة مثالاً عرفيّاً يفترق به كلّ من المذاهب الثلاثة عن الآخرين، فقال: إذا فرضنا أنّ المولى أعطى لعبده سيفاً مع علمه بأنّه يقتل به نفساً، فالقتل إذا صدر منه باختياره لا يكون مستنداً إلى المولى بوجه؛ فإنّه حين صدوره يكون أجنبيّاً عنه بالكلّيّة، غاية الأمر: أنّه هيّأ بإعطائه السيف مقدّمة إعداديّة من مقدّمات القتل، وبعد ذلك قد خرج أمر القتل عن اختياره بحيث لو شاء أن لا يقع في الخارج لما تمكّن منه، وهذا هو واقع التفويض وحقيقته، كما أنّه إذا شدّ آلة الجرح بيد العبد مع فرض ارتعاش اليد بغير اختيار العبد فأصابت الآلة من جهة الارتعاش نفساً فجرحته، فالجرح لا يكون صادراً من العبد بإرادته واختياره، بل هو مقهور عليه في صدوره منه لا محالة، وهذا هو واقع الجبر وحقيقته، وإذا فرضنا أنّ يد العبد مشلولة لا يتمكّن من تحريكها إلّا مع إيصال الحرارة إليها بالقوّة الكهربائيّة أو بغيرها،