المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

61

وهذا أحد وجوه الأمر بين الأمرين.

5 ـ ما ذهب إليه عرفاء الفلاسفة ومتصوّفوهم، وهو: أنّ الفعل له فاعلان: الله والعبد، ولكنّهما لا طوليّان كما على الثالث، ولا عرضيّان كما على الرابع، بل هي ـ بحسب الحقيقة ـ فاعليّة واحدة تنسب بنظر إلى العبد، وبنظر آخر إلى الله تعالى مبنيّاً منهم على تصوّر عرفانيّ يقول: إنّ نسبة العبد إلى الله نسبة الربط والفناء، والمعنى الحرفيّ إلى المعنى الاسميّ، فبالنظر الاندكاكيّ تعتبر هذه الفاعليّة فعل الله، وبالنظر غير الاندكاكيّ تعتبر فعل العبد(1).



(1) لا بأس بشيء من بسط الكلام في هذا الوجه ولو مختصراً، فنقول ومن الله التوفيق:

تعارف القول بأنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي، وأنّها في مرتبة ذاتها ليست وجوداً ولا عدماً وإن كان لابدّ أن يحمل عليها: إمّا الوجود، وإمّا العدم، فهي: إمّا موجودة، وإمّا معدومة.

ولكن لا يخفى: أنّ هذا النوع من التصوّر يشتمل على شائبة أصالة الماهيّة، وعروض الوجود على الماهيّة شاء صاحبه أم أبى، ويفترض: أنّ للماهيّة ثبوتاً في عالم التقرّر، وتتلبّس: إمّا بثوب الوجود، أو بثوب العدم، في حين أنّ من الواضح: أنّه لا يتصوّر قبل الوجود شيء يلبس ثوب الوجود.

وبهذا ينهار البيان الفلسفيّ القائل: إنّ العالم مركّب من وجود وماهيّة، وإنّ الماهيّة إن كان ينبع من ذاتها الوجود كانت واجبة الوجود، وإلّا كانت ممكنة الوجود، أو ممتنعة الوجود، وبما أنّ العالم لا ينبع من ذاته الوجود؛ لأنّه متغيّر، والمتغيّر حادث، إذن فلابدّ له من علّة، ولابدّ من انتهاء العلّة إلى واجب الوجود.

والبيان الصحيح الذي يحلّ محلّ هذا البيان هو: أنّه لا شيء في العالم إلّا الوجود، وأمّا الماهيّة فليست إلّا عبارة عن حدّ الوجود وانتهاء الوجود، أي: أنّ الماهيّة عدم صِرف،