المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

60

قابل له، وليس لمبادئ الإرادة في نفس الإنسان أيّ دخل في الفعل، واقتران الفعل بالإرادة دائماً إنّما هو صدفة متكررّة، فصدور الفعل من الله يقترن صدفةً دائماً بإرادة الإنسان، وهذا مذهب الأشعريّ.

وهذا الاحتمال هو الذي ينبغي أن يكون مقابلاً بالوجدان المدّعى في كلماتهم، حيث قالوا: إنّ هناك فرقاً بالضرورة بين حركة المرتعش وحركة غير المرتعش. وهذا البحث ـ بحسب الحقيقة ـ لا يختصّ بالأفعال الاختياريّة، بل يأتي في كلّ عالم الأسباب والمسبّبات، فقد يقال: الإحراق شغل الله مباشرة يقترن بنحو الصدفة الدائميّة بالنار، والوجدان المبطل لذلك أيضاً عامّ يشمل كلّ عالم الأسباب والمسبّبات، وهو وجدان سليم بالقدر المبيّن في الاُسس المنطقيّة.

3 ـ أن يكون لكلّ من الإنسان والله تعالى نصيب في الفاعليّة، بمعنى كونهما فاعلين طوليّين، أي: أنّ الإنسان هو الفاعل المباشر للفعل بما اُوتي من قدرة وسلطان وعضلات، وتمام القوى التي استطاع بها أن يحرّك لسانه ويديه ورجليه، والله هو الفاعل غير المباشر من باب أنّ هذه القوى مخلوقة حدوثاً وبقاءً له تعالى، ومُفاضةٌ آناً فآناً، ومعطاة من قبل الله.

وهذا أحد الوجوه التي فسّر بها الأمر بين الأمرين.

4 ـ أن يكون الفاعل المباشر هو الله، لكن الإرادة ومبادئها مقدّمات إعداديّة لصدور الفعل من الله تعالى، ومعنى استناده إلى الإنسان إرادته إيّاه.

ففرقه عن الثاني: أنّ اقتران الفعل بالإرادة على الثاني كان مجرّد صدفة، وعلى هذا الوجه يكون من باب كون الإرادة مقدّمة إعداديّة للفعل، وفرقه عن الثالث أيضاً واضح؛ إذ على الثالث يكون الفعل فعل الإنسان مباشرة والله فاعل الفاعل، وأمّا على هذا الوجه فالله هو الفاعل المباشر، والإرادة مقدّمة إعداديّة لقابليّة المحلّ لإفاضة الفعل.