المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

59

أيدي الناس، فمذهب التفويض يقول: إنّ الفاعل محضاً هو الإنسان وليس لله نصيب في هذه الفاعليّة، ومذهب الجبر يقول: إنّ الفاعل محضاً هو الله تعالى، ومذهب الشيعة يقول بأنّ لكلّ منهما نصيباً في الفاعليّة بالنحو المناسب له.

الثانية: هي المسألة الفلسفيّة، وروحها يرجع إلى أنّ فاعل هذه الأفعال ـ سواء فرضناه في المسألة الاُولى الإنسان أو ربّ الإنسان ـ هل يفعله اختياراً، أو بلا اختيار؟

ومن هنا يعرف أنّ المسألة الاُولى وهي الكلاميّة وحدها لا تكفي لحسم النزاع في بحث الجبر والاختيار، فلنفرض: أنّنا قلنا: إنّ الفاعل هو الإنسان وحده، لكن يبقى احتمال كونه فاعلاً بلا اختيار، من قبيل فاعليّة النار للإحراق التي قد يقال فيها أيضاً بأنّ الإحراق فعل للنار محضاً.

المسألة الكلاميّة:

أمّا المسألة الاُولى: فيوجد فيها بدواً خمسة احتمالات:

1 ـ أن يكون الفاعل محضاً هو الإنسان، ولا نصيب لربّ العباد في الفاعليّة، وهذا مذهب التفويض، وهو مذهب المعتزلة.

وهذا يرجع ـ بحسب الحقيقة ـ إلى دعوى: استغناء المعلول عن العلّة بقاءً؛ إذ لو فرضت حاجة الإنسان في وجوده البقائيّ إلى الله تعالى، ووجوده البقائيّ هو علّة أفعاله، إذن لم يعقل إنكار ثبوت نصيب لله في الفعل عرضيّاً وطوليّاً. وحيث إنّ هذا المبنى ساقط ـ كما حقّق في موضعه من الكلام والفلسفة؛ إذ برهن على أنّ المعلول بحاجة إلى العلّة بقاءً أيضاً ـ يثبت بطلان التفويض، وليس هنا موضع البحث عن تلك البراهين.

2 ـ أن يكون الفاعل محضاً هو الله تعالى، وإنّما الإنسان محلّ قابل لذلك الفعل من قبيل ما يفعله النجّار في الخشب، حيث إنّ الخشب ليس فاعلاً للفعل وإنّما هو