المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

493

وثالثاً: لو سلّم ذلك أيضاً، وافترضنا الواجب الغيريّ كالواجب النفسيّ، مع ذلك نقول: يكفي في اختياريّة الفعل ـ بنحو يكون هو الشرط في التكليف والبعث إليه ـ أن يكون صادراً عن قدرة العبد والتفاته، بمعنى: عدم غفلته، ولا جهله المركّب، فلو ضرب المكلّف شخصاً وهو ملتفت إلى أنّه يؤدّي إلى قتله، كان القتل الصادر اختياريّاً ولو فرض عدم قصده له، بل كان قصده عنواناً آخر، فلا يشترط قصد المسبّب في اختياريّته.

ورابعاً: لو سلّم اشتراط قصد الفعل وإرادته في وقوعه اختياريّاً، قلنا: يكفي في انطباق التكليف وكون الفعل مصداقاً للواجب أن يكون المعنون صادراً عن اختيار المكلف وقصده وإن لم يقصد العنوان ولم يختره(1)، ما لم يكن العنوان الواجب من العناوين القصديّة كالاحترام والتعظيم، وكان عنواناً ينطبق على الفعل قهراً، فلو صدرت المقدّمة من المكلّف لا بقصد الإيصال، ولكنّها كانت موصلة واقعاً، كانت مصداقاً للواجب؛ لكونها مصداقاً للموصل ـ لا محالة ـ ولو لم يكن عنوان الموصل باختياره وقصده، ولذلك لا يستشكل أحد في وقوع الواجب التوصّليّ لو جيء به بغير العنوان الذي به وجب إذا لم يكن من العناوين القصديّة، كما إذا أزال النجاسة بعنوان التجميل لا التطهير.

وخامساً: لو سلّمنا جميع ما يتوقّف عليه التقريب المذكور، فمع ذلك لا تثبت مقالة الشيخ الأعظم (رحمه الله)، وإنّما تثبت مقالة اُخرى، هي القول باختصاص الوجوب الغيريّ بالمقدّمة الموصلة مع قصد التوصّل بها، وهذا جمع بين مقالتي الشيخ الأعظم وصاحب الفصول(قدس سرهما)، وليس هو مدّعى الشيخ من وجوب المقدّمة التي قصد بها التوصّل ولو لم تكن موصلة.



(1) التفت الشيخ الإصفهانيّ (رحمه الله) إلى هذا الجواب في تعليقه على نهاية الدراية. راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 134، تحت الخطّ بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت.