المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

40



أمّا الفرض الأوّل، وهو فرض الاندفاع وراء اللذائذ والفرار من الآلام قهراً، فهذا يساوق الجبر وإنكار الاختيار، وهذا خلف موضوع علم الأخلاق بعد فرض كون الحسن والقبح أمرين واقعيّين مدركين بالعقل، لا أمرين اعتباريّين مجعولين من قبل العقلاء أو الشريعة، وقد كان هذا هو فرض بحثنا في المقام، فنحن وإن كنّا لا نمانع عن كون بعض القضايا الأخلاقيّة اجتماعيّة أو شرعيّة، لكن لو لم نؤمن بقضايا أخلاقيّة واقعيّة وبالحسن والقبح الذاتيّين والعقليّين، لم يبقَ موضوع لبحثنا هذا.

وأمّا الفرض الثاني، وهو دخل اللذّة والألم في القدرة، فهذا يعني: أن لا يقدر الإنسان إلّا على الفعل الذي يلتذّ منه، ولا يقدر الفرار إلّا من الفعل الذي يكون مبغوضاً له، ومن المعلوم أنّ فرض تعلّق القدرة بأحد النقيضين دون الآخر هو عين الجبر تماماً، فإنّ القدرة لابدّ أن تتعلّق بطرفي النقيض سواء بسواء.

وأمّا الفرض الثالث، وهو عدم تحقّق الإرادة نحو الشيء إلّا بفرض الالتذاذ به أو التأ لّم من فقده برغم انحفاظ اختياره وقدرته لولا اللذّة والألم، وبرغم فرض حبّه أو بغضه للمتعلّق في المرتبة السابقة على اللذّة والألم، فهذا أيضاً أمر غير معقول، سواء فسّرنا الإرادة بمعنى الشوق الأكيد كما هو المعروف، أو فسّرناها بما يشابه أن يقال بأمر وسط بين الشوق الأكيد والفعل، وهو حملة النفس، بدعوى: أنّها هي مركز القدرة والسلطنة:

أمّا على الأوّل، فلوضوح: أنّ الشوق الأكيد هو الحبّ الأكيد الذي هو في الرتبة السابقة على اللذّة.

وأمّا على الثاني، فلوضوح: أنّ توقّف حملة النفس على اللذّة والألم مع انحفاظ كامل القدرة والاختيار في المرتبة السابقة عليهما، وتماميّة الحبّ والشوق أمر غير معقول، إلّا بمعنى: أنّ الغاية المحبوبة كانت عبارة عن نفس اللذّة والألم، وهذا رجوع إلى الشقّ الأوّل الذي أبطلناه.