المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

228

ابتداءً، لا بالملازمة كما في التقريبين الماضيين، وذلك بأن يقال: إنّ النفسيّة والغيريّة خصوصيّتان في الوجوب، إحداهما عدميّة والاُخرى وجوديّة، فالنفسيّة خصوصيّة عدميّة؛ لأنّ النفسيّ هو الوجوب الذي لم ينشأ من وجوب آخر، والغيريّة خصوصيّة وجوديّة؛ لأنّ الغيريّ هو الوجوب الذي نشأ من وجوب آخر، وكلّما دار الأمر في مدلول كلام المتكلّم بين أن يكون هذا المدلول متخصّصاً بخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة تعيّن الثاني، وكان عدم بيان الخصوصيّة الوجوديّة بياناً عرفاً للخصوصيّة العدميّة، ولهذا كان عدم بيان التقييد في اسم الجنس كما في (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) مثلا بياناً للإطلاق.

أقول: إنّ الصحيح في الإطلاق في أسماء الأجناس ـ على ما حقّقناه في محلّه ـ: أنّ مقدّمات الحكمة ليست وظيفتها إثبات الإطلاق اللحاظيّ في مقابل التقييد اللحاظيّ، بل وظيفتها إثبات الحكم للجامع بين المطلق والمقيّد المسمّى بالمطلق الذاتيّ، فالأمر دائر بين الخصوصيّة واللاخصوصيّة، لا بين خصوصيّة وجوديّة أو خصوصيّة عدميّة، فلا يمكن جعل هذا قانوناً في بحث مقدّمات الحكمة.

وعلى أيّ حال، فكبرى تعيّن الخصوصيّة العدميّة في مقابل الوجوديّة متى ما دار الأمر بينهما ليست صحيحة على إطلاقها. نعم، سوف نشير إلى أنّنا نقبل هذه الكبرى في الجملة، لكن لا بهذا العنوان، بل بعنوان آخر، وسيأتي توضيح ذلك في التقريب الرابع.

وأمّا تطبيق هذه الكبرى على المقام صغرويّاً، فهو غير صحيح؛ لأنّ النفسيّة والغيريّة كلتاهما خصوصيّتان وجوديّتان، فالوجوب إن كان ناشئاً من ملاك في غيره، فهذا ما لا يحكم العقل باستحقاق العقاب عليه مستقلاًّ، وهو معنى الغيريّة، وإن كان ناشئاً من ملاك في نفسه، فهذا ما يحكم العقل باستحقاق العقاب عليه مستقلاًّ، وهو معنى النفسيّة، فالنفسيّة أيضاً خصوصيّة وجوديّة لا عدميّة، فإنّها متقوّمة بكون وجوب الشيء ناشئاً من ملاك في نفسه الذي هو أمر وجوديّ.