المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

98

الضمنيّة لا السببيّة التامّة، فلا دور ولا تهافت(1).

إلاّ أنّ هذا الكلام أيضاً لا يعدو أن يكون مجرّد عبارة فارغة كالمسلك السابق، فإنّنا نقول: ماذا يقصد بدعوى: جعل الواضع اللفظ سبباً للانتقال إلى المعنى؟ هل يقصد بذلك خلقه للسببيّة الذاتيّة في اللفظ، أي: جعل اللفظ سبباً ذاتيّاً للانتقال إلى المعنى على حدّ سببيّة النار للحرارة؟ أو يقصد بذلك جعل السببيّة العرضيّة للّفظ، بمعنى: أنّه يوجد في اللفظ ما هو سبب ذاتاً للانتقال إلى المعنى، من قبيل جعل الماء سبباً عرضيّاً للحرارة، بمعنى: أن يوجد فيه ما هو سبب للحرارة، وذلك بجعل الماء على النار مثلاً لكي يكسب الحرارة، ويكون سبباً بالعرض للحرارة، والسبب الحقيقيّ لها هو الحرارة التي أُوجدت في الماء، حيث إنّ الحرارة تولّد الحرارة؟

فإن قصد الأوّل، قلنا: من الواضح أنّ السببيّة في ذات الأسباب لا تقبل الجعل، وإنّما هي ذاتيّة لها تنبع من حاقّ ذاتها، ولا يمكنك أن تجعل الماء مثلاً سبباً للحرارة على حدّ سببيّة النار للحرارة(2)، وإن قصد الثاني، أي: أنّ الواضع يجعل السببيّة العرضيّة للّفظ، أي: أنّه يوجد في اللفظ شيئاً يكون ذلك الشيء سبباً ذاتيّاً للانتقال إلى المعنى، قلنا: إنّ الذي كان ينبغي بيانه ـ لكي ينكشف سرّ اللغة ـ هو: أنّه ما هو ذلك الشيء الذي يمتلك السببيّة الذاتيّة للانتقال إلى المعنى والذي


(1) وهذا الجواب غير الجواب الذي يذكر في مسألة أخذ العلم بالحكم في موضوع ذلك الحكم من التفكيك بين الجعل والمجعول مثلاً، وأخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول، فلو اُسري ذاك الجواب إلى ما نحن فيه ثبت جوابان على هذا الإشكال.

(2) هذا على المسلك المعروف من ذاتيّة السببيّات للأسباب، أمّا على المسلك القائل بأنّه جرت حكمة الله تعالى ومشيئته على إيجاد المسبّبات متى ما توجد ما تسمّى بالأسباب، فالأمر أيضاً كذلك، فإنّ الواضع لا يستطيع أن يوجِد مشيئة الله في ترتّب انتقال الذهن إلى المعنى على ما لم يكن قبلاً مترتّباً عليه في مشيئة الله، وهو اللفظ.