المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

273

بقي في المقام شيء، وهو: أنّه قد عرفت أنّهم ذكروا في تقريب دلالة التبادر على الوضع، أنّ سبب التبادر أحد أمرين: إمّا الوضع، وإمّا القرينة، فإذا انتفت القرينة كان التبادر دليلاً على الوضع؛ لأنّه عندئذ العلّة الوحيدة له، فيدلّ عليه دلالة المعلول على علّته، إلاّ أنّ هذا التقريب لا يخلو من نقص؛ وذلك لأنّ التبادر في الحقيقة له أحد أسباب ثلاثة: القرينة، والوضع وهو عندنا القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى في ذهن نوع أبناء اللغة، والقرن الأكيد الشخصيّ في ذهن شخص معيّن، فإنّ القرن الأكيد قد يكون نوعيّاً، وهذا هو المقصود بالوضع، وهو الذي يولّد الظهور النوعيّ الذي يكون حجّة عقلائيّاً بين الموالي والعبيد، وقد يكون شخصيّاً يولَد في ذهن شخص معيّن على أساس ظروف خاصّة، وصُدف وخصوصيّات في بيئته، أو كسبه ومهنته، أو عائلته، أو مطالعاته وكتاباته، وما شابه ذلك، وهذا يولّد الظهور الشخصيّ، فمثلاً باعتبار شدّة علاقته بكتاب الألفيّة من بين كتب النحو، واهتمامه بمطالعته ودرسه، وعدم رؤيته لكتاب نحو آخر قد يتبادر إلى ذهنه من كلمة (الكتاب النحويّ) الألفيّة، وباعتبار أنّ ابنه المسمّى بعمران مثلاً يعيش معه ليلاً ونهاراً يتبادر إلى ذهنه من كلمة عمران ابنه، مع أنّ عمران اسم لأشخاص كثيرين، وليس له اختصاص بابنه، وهذا القرن الشخصيّ لا يكون وضعاً، وليس التفاهم العامّ والاحتجاج بالظهورات على أساسه. فكون التبادر علامة على الوضع والحقيقة موقوف على نفي احتمالين: الأوّل احتمال استناده إلى القرينة، والثاني احتمال استناده إلى القرن الشخصيّ.

أمّا الاحتمال الأوّل: فقد يمكن نفيه بالفحص والتفتيش، فإن انتفى الاحتمال بذلك فهو، وإلاّ لم يكن التبادر دليلاً على الحقيقة، ولا يمكن نفي احتمال القرينة هنا بأصالة عدم القرينة؛ لما حقّق في محلّه من أنّ أصالة عدم القرينة أصل عقلائيّ