المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

272

وقد يقاس المقام على سائر موارد الملازمات، فكما أنّه في الملازمة بين النار والحرارة مثلاً لا ينتقل ذهننا بحسب عالم التصديق من النار إلى الحرارة، إلاّ إذا كنّا عالمين بالملازمة، كذلك في المقام لا يكفي مجرّد القرن الواقعيّ بين اللفظ والمعنى والملازمة بينهما للانتقال من اللفظ إلى المعنى ما لم نعلم بهذه الملازمة.

وهذا جوابه واضح، وهو: أنّ الملازمة تارة تكون بين المُدرَكين، واُخرى بين نفس الإدراكين، ففي الأوّل إنّما ينتقل الذهن من الإدراك التصديقيّ لأحدهما إلى الإدراك التصديقيّ للآخر إذا كان عالماً بالملازمة، وأمّا في الثاني، وهو ما إذا كانت الملازمة بين الإدراكين والتصوّرين، فهي تؤثّر أثرها علم الإنسان بها أو لا؛ فإنّ أحد المتلازمين يستحيل أن ينفكّ عن ملازمة الآخر. ومحلّ الكلام من هذا القبيل، فإنّ الانتقال ليس باعتبار الملازمة خارجاً بين لفظ «أسد» ووجود الحيوان المفترس خارجاً، وإنّما هو باعتبار الملازمة بين الإدراكين والتصوّرين الناشئة من القرن الأكيد بينهما ذهناً، فهذا من قبيل الملازمة بين حبّ الشيء وحبّ مقدّمته، فإذا كانت هذه الملازمة ثابتة، فلا محالة ينتقل الإنسان حبّاً من الشيء إلى مقدّمته، سواء علم بالملازمة أو لا، وكذلك في المقام إذا ثبتت الملازمة بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى للقرن الأكيد، فلا محالة ينتقل تصوّراً من اللفظ إلى المعنى، سواء علم بالملازمة أو لا، فليس التبادر موقوفاً على العلم حتّى يلزم الدور.

هذا كلّه فيما إذا جعلنا التبادر عند شخص علامة للحقيقة لنفس ذلك الشخص، وأمّا إذا قلنا: إنّ المقصود هو استعانة الجاهل بالوضع بالتبادر عند العالم به، فهذا أجنبيّ عن إشكال الدور، ويجب أن يرجع إلى الاطّراد في التبادر بالمعنى الذي سوف يأتي إن شاء الله.