المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

134

مستقلاّن، بدليل: أنّ مفهوم الابتداء قابل لأن يوجد بوجود استقلاليّ في الذهن، وكلّ إنسان يستطيع أن يتصوّر مفهوم الابتداء دون أن يتصوّر أطرافه، وبحسب القائمة المعروفة للمقولات العشر يمكن إدخاله في مقولة الإضافة من قبيل الاُبوّة والبنوّة. وأمّا حاقّ النسبة بين السير والبصرة، فلا يمكن وجودها في الذهن مستقلاًّ؛ لما سوف نبرهن عليه من أنّها بذاتها فقيرة ومتعلّقة بالغير، فلا يمكن لحاظها مستقلاًّ، فهي أمر تعلّقيّ ماهيةً ووجوداً. فمن يقول بأنّ معنى «من» ومعنى الابتداء واحد هل يقصد أنّ معنى الابتداء هو النسبة كَمِنْ، أو يجرّد كلمة «من» من معنى النسبة، ويقول: إنّ معناها هو الابتداء؟ فإن قصد الثاني وقال: إنّ «من» والابتداء كلاهما بمعنى الابتداء، إلاّ أنّه حينما يلحظ الابتداء لحاظاً مستقلاًّ سمّي بالابتداء، وحينما يلحظ فانياً وحالة في غيره سمّي بمن، قلنا: إنّ الابتداء وإن كان قابلاً للّحاظين، بمعنى: أنّه تارةً يلحظ بما هو هو، واُخرى بما هو حالة وطور لغيره، لكنّه حينما يلحظ بما هو حالة وطور لغيره لا محالة يشتمل على نسبة بين الابتداء وبين ما كان طوراً له؛ لأنّ كلاّ منهما مفهوم استقلاليّ، وكلّ مفهوم استقلاليّ إذا اُريد ربطه بمفهوم استقلاليّ آخر فلا محالة لابدّ من ربط ونسبة بينهما، ففي مورد لحاظ الابتداء طوراً وحالة في غيره يوجد ابتداء وتوجد نسبة، فإن كان «من» للابتداء كما فرض احتجنا إلى دالّ آخر على النسبة، وليس ما يدلّ على النسبة إلاّ الحرف بمعنىً يشمل الهيئات، فرجعنا إلى أنّ معنى الحرف هو النسبة، وهو مباين لمعنى الاسم. فكلمة «مِن» في «سرت من البصرة» ليس معناها الابتداء، وإلاّ لاحتاج إلى النسبة، وليس معناها النسبة بين الابتداء والبصرة؛ إذ لا ابتداء عندئذ في الكلام. وعليه، فيجب أن يكون معناها النسبة بين السير والبصرة.