المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

128

أنّ الآليّة والاستقلاليّة قيد للوضع فالأمر أحسن؛ لعدم تصرّف في الموضوع له، فهذا استعمال مجازيّ جائز أيضاً؛ فإنّه في المجازات المتعارفة يستعمل اللفظ في معنىً مباين للمعنى الموضوع له، ويقال بجواز ذلك. وفيما نحن فيه يستعمل اللفظ في نفس المعنى الموضوع له مع مخالفة قيد الوضع، ولئن جاز استعمال اللفظ في المباين فكيف لا يجوز استعماله في نفس المعنى مع رفض القيد؟!

أقول: إنّنا لو مشينا حسب مسالك القوم، كان هذا الإشكال أيضاً قابلاً للردّ؛ وذلك لأنّ المعنى المجازيّ إنّما يصحّ في طول وجود معنى حقيقيّ للّفظ بالوضع، فالواضع ينشئ وضع اللفظ لمعنىً ثُمّ تتمّ له الدلالة على معنىً آخر مجازيّ بالعلاقة والشبه والذوق؛ فكلمة «أسد» إنّما تدلّ على الرجل الشجاع؛ لأنّها موضوعة للحيوان المفترس، فلو فرض نسخ هذا الوضع مثلاً لم تبقَ لها دلالة على الرجل الشجاع، والمدّعى للمحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) في المقام هو: أنّ وضع «مِن» مقيّدٌ باللحاظ الآليّ، أي: أنّ دائرة الوضع مضيّقة، فالواضع إنّما وضع لفظة «من» للابتداء حينما يلحظ آليّاً، فلو لوحظ استقلاليّاً لم يكن هناك وضع أصلاً، من قبيل أن يفرض أنّ الواضع إنّما جعل لفظة أسد دالّةً على الحيوان المفترس في الليل، ففي النهار لا تدلّ على ذلك، إذن فحينما يلحظ المعنى استقلاليّاً لا تبقى لكلمة «من» دلالة ووضع حتّى يصحّ استعمالها مجازاً.

الإشكال الثالث: ما ذكره السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ في تعليقته من أنّه لو كان امتياز المعنى الحرفيّ عن المعنى الاسميّ إنّما هو باللحاظ الآليّ والاستقلاليّ والفناء وعدم الفناء، إذن لكانت الأسماء حينما تقع في قضايا ناظرة إلى الخارج حروفاً، فمثلاً حينما يقال: «النار محرقة» يكون مفهوم النار معنىً حرفيّاً؛ لأنّه لوحظ آليّاً وفانياً في واقع النار، فإنّ مفهوم النار الموجود في الذهن حينما يلحظ