المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

123

من الحروف حينما تستعمل وحدها.

وقد أوردوا عليه: أنّ هذا يستبطن شبه التناقض، فمن ناحية يفرض أنّ الحرف لا معنى له، ومن ناحية اُخرى يفرض أنّه دخيل في الدلالة، وهذا تناقض. فنحن نقول: هل إنّ قولنا: «سرت من البصرة إلى الكوفة» لو حذفت منه الحروف يبقى المعنى المتحصّل من الكلام على حاله، أو لا؟ فإن قيل: نعم، فهو خلاف الوجدان. وإن قيل: لا، قلنا: إنّ الخصوصيّات الموجودة في هذا الكلام التي تفقد عند حذف الحروف هل هي مستفادة من الحروف، أو من «السير» و «البصرة» و «الكوفة» مثلاً التي هي أسماء؟ فإن قيل بالأوّل، فهذا معناه أنّ الحروف ذات معنىً. وإن قيل بالثاني، قلنا: إنّ «السير» و «البصرة» و «الكوفة» بذاتها لا تدلّ على هذه الخصوصيّات؛ ولذا لا تدلّ عليها عند التجرّد من الحروف، ففهم هذه الخصوصيّات يحتاج إلى قرينة. فإن كانت القرينة هي الحروف، رجعنا مرّة اُخرى إلى القول بكون الحروف ذات معنىً، وإلاّ فليست هناك قرينة اُخرى، إذن فهذا المسلك يستبطن المحال.

أقول: إنّ هذا المسلك بناءً على الرأي المشهور في حقيقة الوضع من إرجاعه إلى الإنشاء بأحد الوجوه الماضية يمكن تفسيره بنحو لا يستبطن تناقضاً، ولا استحالة، وذلك بأن يدّعى: أنّ لكلمة «السير» مثلاً أوضاعاً عديدة بعدد حالاتها من حيث اكتنافها بالحروف وعدمه، فمثلاً كلمة «السير» حينما لا تكون مكتنفة بحرف تكون موضوعةً لطبيعيّ السير، وحينما تكون مكتنفة بـ «من» و «إلى» تكون موضوعةً لحصّة خاصّة من السير، وهي: السير من كذا إلى كذا. فنفس «من» و «إلى» لا تدلاّن على معنىً، وإنّما الخصوصيّة تستفاد من نفس السير؛ لأنّها موضوعة بوضع آخر حينما تكون مكتنفة بـ «من» و «إلى»، فلا يكون