المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

104

كما هو المختار في تعميق المسلك الثالث وتكميله، فكلّ هذا لا يعطي للّفظ الدلالة التصديقيّة، فإنّ مجرّد اعتبار اللفظ معنىً، أو اعتباره على المعنى، أو دالاًّ عليه بعد فرض كفايته لانتقال الذهن إلى المعنى لا ربط له بالتصديق بإرادة المتكلّم لذلك المعنى، وكذلك الإيجاد الواقعي للسببيّة في اللفظ لانتقال الذهن إلى المعنى، فإنّ هذا لا علاقة له بالكشف عن إرادة المتكلّم له، وعمليّة القرن أيضاً إنّما توجب انتقال الذهن من أحد المتقارنين إلى الآخر، لا الكشف عن شيء.

وقد ذكر السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ: أنّ الدلالة التصوّريّة في اللفظ المسموع من الجدار لا يصحّ فرضها دلالة وضعيّة؛ لأنّ الهدف من الوضع إنّما هو التفهيم والتفاهم بين العقلاء، وأمّا الجدار الذي لا يعقل ولا يريد شيئاً، فمدّ الوضع إلى ما يسمع منه لغو ولا فائدة فيه، ويكون خلاف حكمة الواضع(1).

وأنت ترى: أنّ هذا البيان لا موضوع له بناءً على ما بيّناه من أنّ الوضع هو أن يوجد الواضع في اللفظ ما هو سبب ذاتاً للدلالة، وهو الاقتران، وسببيّة الاقتران للدلالة تكوينيّة، ولا تفكيك فيها بين مورد يوجد فيه هدف الواضع ومورد لا يوجد فيه هدفه، فالواضع حينما قرن اللفظ بالمعنى تمّت الدلالة مطلقاً شاء أو أبى، ولا يمكنه أن يفكّك بين ما يُسمع من إنسان فيكون دالاًّ وما يسمع من جدار فلا يكون دالاًّ(2).

 


(1) راجع المحاضرات للشيخ الفيّاض حفظه الله، ج 1، ص 49 و 104 ـ 105.

وقد أتى في الموضع الثاني ـ أعني: ص 104 ـ 105 ـ بهذا البيان لإثبات عدم إطلاق الوضع للّفظ الصادر من لافظ غير ذي شعور حتّى على مسلك الاعتبار، أمّا على مسلك التعهّد فهو ليس بحاجة إلى هذا البيان، أعني: بيان لزوم اللغويّة؛ وذلك لأنّ التعهّد من اللافظ غير ذي شعور لا معنى له.

(2) هذا بناءً على المسلك المختار، وهو مسلك القرن الأكيد. والواقع: أنّنا حتّى لو