المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

49

وهو لمّا يزل في المرحلة الثالثة من الدراسة الابتدائيّة. وقد زاد في اطمئناني عند ما راح يشرح لي أنّه كان يأتي على مناقشة كلّ رأي على حدة مناقشة العالم المتبحِّر في العلم، فاطمأننت بأنّه لم يتأثّر بالماركسيّة مطلقاً، وأنّه كان يقرؤها كناقد لاكدارس لها.

وحدّثني عنه مدرّس اللّغة فقال: والله لو لاالأنظمة والقوانين ولو كانت هناك حكومة تقدّر النبوغ والكفاءة، لمنحته الشهادة الثانويّة بأعلى الدرجات، وفتحت له أبواب الكلّيات، ليختار منها ما يشاء، وكفيته أمر الذهاب إلى المدرسة والعودة منها إلى البيت. إنّ إلمامه بعلوم اللّغة العربيّة يفوق حدّ التصوّر لطفل في سنّه، وكم من مرّة جعلني أقف أمامه محرجاً لاأحير جواباً، فأضطر أن اُؤجّل الجواب على سؤاله إلى يوم آخر؛ لئلاّ أكون في موضع العاجز عن الجواب أمام تلامذتي. وقال هذا الشيء عينه مدرّس الدين وأضاف: أنّه يصلح أن يكون مدرّساً للدين واُصوله.

وقال كذلك مدرّسو العلوم الاُخرى، مُبدِين دهشتهم وحيرتهم في نبوغ هذا الطفل ومستواه خائفين أن يقتله ذكاؤه.

كان(رحمه الله) أوّل من يدخل الصفّ، وآخر من يخرج منه، وكان كلّه إصغاءً وانتباهاً إلى ما يقوله المدرّس، وكأنّ ما يتلى شيء جديد بالنسبة له، وكأنّه لم يحفظ في ذاكرته أضعاف ما يتلى عليه في الصفّ. وما وجدته يوماً وقد ركبه الغرور، أو طغى عليه العجب بنفسه، أو تعالى على زملائه التلاميذ ممّا عنده من علم ومعرفة. كان مؤدّباً جدّاً يحترم معلّميه وزملاءه، ويفرض احترامه على الجميع، وكثيراً ما كنّا نفتقده متغيّباً لشهر أو حواليه من المدرسة، ثُمَّ إذا به