المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

46

كانت معلّقة أمامه، وهو يصدر الآهة إثر الآهة، ويجذب الحسرة تلو الحسرة، وبين كلّ لحظة واُخرى تنحدر من عينيه دمعتان كان يكفكفهما بمنديل يحمله بيده، كان يبكي ويتألّم بصمت، وقد لفت نظري كثيراً رغم أنّ كلّ من كانوا في الحفل أغرقتهم فاجعة الذكرى بآلامها وأشجانها، وربّما علا صوت نحيب من هنا أو هناك لبيت شعر من قصيدة شاعر، أو لعبارة من كلمة خطيب تثير في النفوس شجاها، وتحرّك عواطفها وأحاسيسها، إلاّ هذا، فما سمعت منه إلاّ الآهات، والتنهّدات، والأ نّات الخفيّة.

إنّ كلّ الذين كانوا في الحفل أو جلّهم يعرفون الصدر، إمّا عن كثب، أو من خلال جهاده في سبيل إعلاء كلمة الحقّ، إذن لابدّ أن يكون لهذا شأن آخر، هكذا قدّرت، وقد أصاب تقديري، فسألته، وقطعت عليه وجومه، وشرود فكره، وقد جاء سؤالي كمتنفّس له وداع إلى بثّ ما في جنبيه من ألم دفين، وحزن كمين، ويبدو أنّه عرفني، واطمأنّ إلىّ، فراح يحدّثني وبنبرات تقطّعها الآهات والحسرات.

قال بعد تنهُّدة عميقة: إنّ علاقتي بالفقيد علاقة الأخ الكبير بأخيه الصغير الوحيد، كان ذلك في السنوات الأخيرة من الأربعينات يوم كان طالباً في المراحل الاُولى من الدراسة الابتدائيّة، وكنت معلّماً في المدرسة التي كان يتعلّم بها، وهي مدرسة منتدى النشر الدينيّة الابتدائيّة في الكاظميّة، وقد رأيت أنّ هذا التلميذ يوليه المدير عناية خاصّة، ويرعاه رعاية يشوبها الاحترام والتقدير، فعحبت في بادئ