المولفات

المؤلفات > فقه العقود ج2

31

والموضوع من أدلّة حرمة الكذب انّها تنظر إلى هذا الجانب فحسب، فانّ الكذب كما يحمل حرمة شرعية كذلك يحمل حرمة عقلائية مرتكزة في أذهان العقلاء، ومن الواضح انّه لا قيمة للإرادة الاستعمالية نفياً وإثباتاً في حساب هذا الأمر الارتكازي، وانّما المهم فيه كون الحكاية مضللة للمخاطب وحكايةً لأمر مخالف للواقع، والارتكازات العقلائية لها تأثيرها الكبير على مداليل الألفاظ في الأدلّة اللفظية، فالمنصرف من أدلّة حرمة الكذب انّما هو النظر إلى جانب الإرادة الحكائية فحسب، سواء فرض انّ المدلول اللغوي للكذب يشمل التورية أو لا.

نعم التضليل عن غير طريق الحكاية حينما لا يكون مضرّاً بالأهداف المحلَّلة للآخرين لا يحمل حرمة في ارتكاز العقلاء من قبيل الإنشاء كما لو قال: (بعت) بقصد إبراز الإنشاء في حين انّه لم يكن يقصد الجدّ في ذلك، وكما لو أشعل الكهرباء في بيته الذي سيتركه فارغاً كي تكون لوجود النور في البيت دلالة طبعية لا حكائية على وجود إنسان في البيت كي يؤدّي ذلك إلى امتناع السرّاق عن التخطيط لسرقة ما في البيت، فثبوت مثل هذه الدلالة لغير السرّاق أيضاً لا يكون حراماً في مرتكز العقلاء ما دامت الدلالة طبعية لا حكائية، لا انّه يكون حراماً عقلائياً في ذاته وترتفع الحرمة بالتزاحم مع مصلحة دفع السرّاق مثلا.

والحاصل انّ مقتضى القواعد انّه لا فرق بين التورية والكذب، إمّا لدخول التورية في الكذب موضوعاً كما مضى في الوجه الأول، أو لالتحاقها به حكماً كما عرفته في الوجه الثاني.

نعم لا نمنع عن رجحان الالتزام بالتورية في كل مورد جاز فيه الكذب على أساس أمر تربوي، وهو بقاء ملكة التحرّز عن الكذب في النفس وعدم تعوّد النفس على التهاون بالكذب، فصحيح انّ التورية هي كذب في واقعها حقيقة أو