المولفات

المؤلفات > فقه العقود ج1

368

الكفار عادة وغالباً لانّهم في غير ما شذّ وندر قاصرون وليسوا مقصرين، من دون فرق في ذلك بين عوامهم وعلمائهم، أمّا عوامهم فلعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب نظير عوام المسلمين، وأمّا علماؤهم فالغالب فيهم أنّه بواسطة التلقينات من أوّل الطفولة والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة بحيث كل ما ورد على خلافها ردّوه بعقولهم المجبولة على خلاف الحق من بدو نشوئهم.

أقول: لو سلّمنا قصورهم رغم انحشارهم مع المسلمين في بلادهم آنذاك فهذا لا يدفع النقض وذلك لانّ العقل لو حكم بقبح تهيئة مقدمة المعصية علينا إلى حدّ الإلزام. فهذا ليس على أساس حقّ ذاك العاصي علينا، أي حق أن لا نسبّب لدخوله نار جهنم مثلا. فانّنا بتهيئة المقدّمة لا نسلب منه الاختيار في التورط في المعصية وعدمه. ولا يكون له بذلك حجة علينا كي يقال: إنّ هذا الحق ينتفي حينما ينتفي تنجز الحكم عليه بقصوره، وانّما كان حكم العقل بذلك علينا على أساس حق المولى تعالى علينا في تقريبه إلى أغراضه المولوية وإخلاء الساحة عمّـا يبغضه وهذا ثابت في المثال المذكور لانّ القصور وعدم التنجز لا يفني الغرض المولوي، فإذا كان الغرض المولوي لا زال ثابتاً في حق القاصر فعليَّ أن لا أورطه فيما يبغض المولى ولا اُهيّىء له أسباب ذلك وحتى إذا قلنا إن نفس جرأة الفاعل على المولى ما يغيظ المولى وقد انتفت بالقصور وعدم التنجز فالهدف الآخر للمولى وهو الهدف الكامن في متعلق الحكم لا زال موجوداً لعدم سقوط الحكم بالقصور. ولئن كان الفاعل غافلا عن ذلك فانّي غير غافل عنه فيجب عليّ الحفاظ عليه بحكم العقل المفروض في المقام.