المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

373

العذاب الدائم من دون فرق في ذلك بين القول بتجسّم الأعمال ـ كما قد يستفاد ذلك من مثل قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَه﴾(1) وغير ذلك من الآيات ـ والقول بأنّ نسبة العقاب إلى العمل نسبة المعلول إلى العلّة.

الثاني: أن يكون العذاب أمراً استحقاقياً لظلمة النفس ورَينها الناتجين من المعاصي، وكان بالإمكان علاج ذلك في الدنيا بماء التوبة وبالخضوع للغيب، فإنّ الندم عن غيب يغسل النكتة السوداء التي ظهرت في القلب، وأمّا الندم الناتج من تحوّل الغيب إلى الشهود فلا يخلق تحوّلاً في النفس: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون﴾(2).

ولعلّه يشير إلى هذا المعنى الحديث الذي ورد عن الصادق(عليه السلام) معلّلاً الخلود بقوله(عليه السلام): «إنّما خلّد أهل النار في النار؛ لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة؛ لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا لو بقوا أن يُطيعوا الله أبداً ما بقوا، فالنيّات تخلّد هؤلاء وهؤلاء». ثُمّ تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه﴾(3). قال: «على نيّته»(4).

نعم الذين بقي في قلوبهم بصيص من النور: فإمّا أنّ نفس احتراقهم بالنار يصقل أنفسهم ويطهّرها، أو أنّه تدركهم الشفاعة آخر الأمر فيتحوّلون إلى الجنّة، أمّا لو لم يبق بصيص من النور في القلب فالظلمة والرَين لا ينفصلان عن الشخص، وماداما موجودين في القلب يستحق صاحبه العذاب، ولا يمكن


(1) س 99 الزلزلة، الآية: 7 ـ 8.

(2) س 6 الأنعام، الآية: 28.

(3) س 17 الإسراء، الآية: 84.

(4) البحار 8: 347، الباب 26 من أبواب المعاد، الحديث 5.