المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

366

الخلود في الجنّة والنار الاُخرويتين، فهي راجعة إلى عالم البرزخ.

إلّا أنّ هذا بعيد غاية البعد؛ لأنّ الصفات التي ذكرت في صدر الآية كلّها صفات يوم القيامة، وهي أنّه يوم مجموع له الناس، وأنّه يوم مشهود، وأنّ الله تعالى يؤخّره لأجل معدود، وأنّه يأتي في المستقبل فلا تكلّم نفس إلّا بإذنه، ومن الواضح أنّ هذه الصفات لا علاقة لها بعالم البرزخ.

أمّا قوله تعالى: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْض﴾ فلا يشهد لرجوع الأمر إلى عالم البرزخ؛ لأنّ السماوات والأرض موجودتان في يوم القيامة أيضا ولو بعد التبديل كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات﴾(1).

وأمّا الجواب الحقيقي عن أصل الإشكال فهو: أنّ الاستثناء هنا لم يكن بمعنى الاقتطاع الزمنيّ، وإنّما هو مجرّد تعليق على مشيئة الله تعالى والذي هو ثابت في كلّ شيء، والشاهد على ذلك قوله عزّوجلّ بالنسبة لأهل الجنّة بعد الاستثناء المذكور: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ﴾، فلو كان هناك فناء لأهل الجنة أو للجنّة لم يكن العطاء غير مجذوذ.

وهذه القرينة وإن جاءت بعد الاستثناء بلحاظ أهل الجنّة، ولم ترد في الآية المباركة بلحاظ أهل النار قرينة مماثلة ولكن وحدة السياق أبطلت الدلالة على عدم الخلود في الآيتين.

ثُمّ إنّ استثناء المشيئة قد ورد أيضاً في القرآن في مورد آخر بشأن أهل النار، وذلك في سورة الأنعام، قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْض وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ


(1) س 14 إبراهيم، الآية: 48.