المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

323

محضاً، وقد عرفت أنّهم المتيقّن ممّن لهم عذاب البرزخ، كما أنّ الذين محضوا الإيمان محضاً هم المتيقّن ممّن يتنعّمون بثواب البرزخ، وإلّا فأين ذهبت آية عدّ الشهداء أحياءً عند ربّهم يرزقون، أو آية عذاب قوم فرعون في البرزخ؟! وعليه فالظاهر أنّ نظر تلك الآيات الدالّة على حالة السبات في ما قبل البعث ليس إلى عالم البرزخ، بل النظر إلى ما بين النفختين المتعلّقتين بيوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون﴾(1)، والذي يظهر من إطلاق الآية المباركة هو أنّ الصعق الذي يحصل على أساس النفخة الاُولى يشمل كلّ من في السماوات والأرض بما فيهم الذين ماتوا قبلاً وانتقلوا إلى البرزخ، كما روي ذلك عن الاحتجاج للطبرسي عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال السائِل: أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حسّ ولا محسوس، ثُمّ اُعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها، وذلك أربع مئة سنة يسبت فيها الخلق، وذلك بين النفختين»(2).

ويؤيّد فكرة السبات بين النفختين قوله سبحانه وتعالى بشأن الكفّار في يوم القيامة: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِّن سَبِيل﴾(3). فتصوّر أنّ الموتين عبارة عن فقداننا للروح حينما كنّا جماداً وعن موتنا في آخر حياتنا الدنيوية، والحياتين عبارة عن حياتنا في الدنيا وبعثنا يوم القيامة، يبدو أنّه تصوّر ساذج؛ لأنّنا قبل الحياة الدنيا لم نمت وإنّما كنّا عادمين الحياة من أوّل الأمر، وهذا لا يصدق عليه عنوان الإماتة. فالظاهر أنّ


(1) س 39 الزمر، الآية: 68.

(2) كنز الدقائق 11: 337 نقلاً عن الاحتجاج: 350، وانظر البحار 6: 217.

(3) س 40 غافر، الآية: 11.