المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

308

الدخول في الآخرة، واستحالة ذلك توجب محذورين عقليين يبدو من القرآن الكريم الإصرار على التنبيه عليهما:

المحذور الأوّل: أن يكون خلق الإنسان عبثاً؛ فإنّ المفروض بنا أنّنا قد فرغنا من إثبات وجود الله وعلمه وحكمته، وعندئذ نقول: كلّ من تقدّم في السنّ في هذه الدنيا يعلم بالتجربة أنّ الحياة الدنيا ـ وبغضّ النظر عن عالم الآخرة ـ إن هي إلّا مجموعة آمال تتبخَّر، وآلام تغلب على اللذائذ، وفجائع تؤلم القلب وشيء من اللهو واللعب:﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور﴾(1).

ولو قايس كلّ واحد منّا في ساعة وفاته بين أن يكون لم يولد ولم يمض عليه كلّ ما مضى، أو يكون قد ولد ومضى عليه كلّ ما كان وها هو الآن يفنى وينعدم وينهدم كلّ ما بنى وقد تحطّمت أكثر آماله، وسيبقى أولاده يعانون في حياتهم شبيها بما عانى هو، وينتهون إلى ما انتهى إليه هو وافترضنا عدم الإيمان بعالم آخر، لرجّح أغلب الناس ـ إن لم يكن جميعهم ـ الأوّل على الثاني ولو كانوا في ملكهم كسليمان بن داود، فكيف بالناس الاعتياديين والمحرومين الذين أدركوا بالحسّ والوجدان وبشكل واسع مغزى كلمة ﴿فَتَشْقَى﴾(2) التي أوحاها الله تعالى في أوّل يوم إلى أبينا آدم؟! أفلا يعني كلّ هذا أنّ خلقنا في أوّل يوم كان عبثاً؟

ولو طالعنا حياة حيوان قصير العمر يلتهي بتنفّس أيام وانتاج عدد من بني جنسه ثُمّ يموت وينعدم ألا نحسّ بتفاهة حياته ودناءة عالَمه؟ أو ليست حياتنا


(1) س 3 آل عمران، الآية: 185.

(2) إشارة إلي قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾. س 20 طه، الآية: 117.