المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

307

 

بقاء النفس بعد الموت

 

يقع البحث عن أنّ موت الجسم بمعنى فناء الروح النباتية فيه ممّا يوجب فساده وتعفّنه وتفسّخه، هل يوجب فناء تلك النفس، أو أنّها تبقى حيّة بعد موت الجسم؟

القرآن صريح في الثاني كما مضى من قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا...﴾(1)، والمفروض بنا حين نتحدث عمّا بعد الموت أنّنا فرغنا عن إثبات التوحيد والنبوّة والقرآن.

والاعتبار العقلي أيضا يدعم بقاء النفس؛ لأنّ الله تعالى خلق الغرائز الأصيلة في الإنسان لتسييره في الطريق الذي اُريد له، أو للتوفيق بين غرائزه وبين ما اُريد له. فمثلاً من الغرائز الأصيلة في الإنسان: شهوة الأكل والشرب لتسييره إلى حفظ بقائه بهما، وشهوة الجنس الملحّة لتسييره إلى ما اُريد له من التوالد وحفظ جنسه من الانقراض ما دامت الدنيا باقية؛ ولعلّ أشدّ الغرائز الأصيلة على الإطلاق في الإنسان ـ أو من أشدّها ـ هي غريزة حبّ البقاء، فلولا أنّ الإنسان خلق للبقاء لا للفناء لما اُودعت فيه هذه الغريزة.

أضف إلى ذلك دليلاً آخر على البقاء وهو مجموع حكم العقل بضرورة عالم الآخرة والجزاء من ناحية، وحكمه باستحالة إعادة المعدوم من ناحية اُخرى، فلو فرضنا فناء النفس بموت البدن وبانعدام الروح النباتية فيه ـ وهي روح النموّ وتوالد الخلايا والتغذّي ـ لما أمكن إرجاعها، ولو لم يمكن إرجاعها استحال له


(1) س 39 الزمر، الآية: 42.