المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

304

تتحوّل وتتبدّل بالتدريج، في حين أنّ الإحساس بوحدة الأنا إحساس وجداني لا يقبل الشك، ولهذا نرى أنّ من قطعت يده أو رجله مثلاً لم ينقص عنده شيء من الأنا إطلاقا، في حين أنّه نقص شيء من جسمه، وممّا كان يحمل الروح النباتية والنموّ والتغذّي وتوليد المثل من الخلايا. وممّا يوُضّح إدراك الإنسان بوجدانه وحدة الأنا بالرغم من تبدّل المادّة الجسمية عنده بمرّات عديدة هو أنّ الإنسان يُدين بوجدانه الخائن والمجرم حتّى بعد مضيّ مئة سنة أو أكثر أو أقلّ على زمان الخيانة والجريمة، ويحكم عليه بحقّ القصاص والمجازاة، وهذا لا يكون إلّا بسبب إدراك الوجدان لوحدة النفس، ولولا النفس لم يكن معنى للحكم بحقّ القصاص والمجازاة بعد تبدل الجسم بكامل خلاياه لمرّات عديدة، فيجب علينا إمّا أن ننكر كلّ الوجدانيات ونصبح مجرّد شكّاكين سوفسطائيّين، أو نعترف باستقلال الأنا عن كامل البدن.

 

الثاني ـ تجرّد العلم والعواطف والإرادة:

نحن نحسّ بالوجدان بتجرّد علمنا وإرادتنا وعواطفنا كالحبّ والبغض، ولا ينافي ذلك تلازماً بين هذه الاُمور ونقوش أو تموّجات أو نحو ذلك في المخّ المادّي نتيجةً للتفاعل الموجود بين النفس والجسم مادامت العلاقة بينهما موجودة والارتباط بينهما محفوظاً، فتلك التبدّلات المخّية إمّا هي مقدّمات لتحقّق العلم والعواطف والإرادة في النفس، وإمّا هي نتائج لتلك، ولا ينافي ذلك تجرّد العلم والعواطف والإرادة، وعندئذ نقول: من الواضح أنّ هذه الاُمور بحاجة إلى مصبّ مجرّد، ولا يمكن أن يكون مصبّها الجسم الذي لا مسانخة بينه وبينها، وهذا ما يجعلنا نجد بوضوح نفسنا المجرّدة عن الموادّ، وأعني بذلك الأنا.