المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

231

تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾(1) يعبّر عن هذا الخطاب الذي يجسّد مفهوم الرحمة بأجمل صورها.

والسبب في هذا العطف وهذا القبول للتوبة واضح، وهو أنّ الله تعالى خلق عباده لكي يرحمهم كما يظهر من قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾(2)، وخير رحمة للربّ هو تمكينهم من التكامل ومساعدتهم لذلك، والتوبة عبارة عن بداية الرجوع إلى خطّ التكامل وسدّها سدّ لباب التكامل؛ فلهذا فتح الله هذا الباب على عباده ولو كانت ذنوبهم كالجبال الرواسي.

إلّا أن انفتاح هذا الباب موقّت، وينتهي بمعاينة اُمور الآخرة لدى الموت وحضور السكرات كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَة ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيب فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾(3).

والسرّ في انغلاق باب التوبة بالمعاينة واضح أيضاً؛ لأنّ هكذا توبة ليست طريقاً للتكامل، فهلمّ بنا لولوج الباب قبل انسداده: «إلهي، أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَابَاً إِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوبَة، فَقُلْتَ: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾ فَمَا عُذر مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبَابَ بَعْدَ فَتْحِه؟»(4) .

 


(1) س 39 الزمر، الآية: 53.

(2) س 11 هود، الآية: 118 ـ 119.

(3) س 4 النساء، الآية: 17 ـ 18.

(4) مناجاة التائبين.