المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

212

الصلح. وثانياً كان من بنود الصلح حرّية نشر الإسلام حتّى من قبل مسلمي مكّة في داخلها. وثالثاً إنّ الصلح صبغ الإسلام بصبغته الواقعيّة وهي عدم كونه دين قتال ونزاع، وأنّه يقبل بصلح عادل ما لم يضطرّ إلى دفع العدوّ بالقوّة، ومن هنا قوي الإسلام فيما بعد صلح الحديبيّة في زمن قصير نسبيّاً إلى أن فتحت مكّة بسهولة. وقد نقل عن الزهري أنّه لم يكن فتح أعظم من فتح الحديبيّة(1).

وممّا يؤيّد أيضاً كون المقصود بالفتح المبين صلح الحديبيّة: التعبير في ذيل الآية بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِين﴾؛ إذ نحن نعلم أنّ إنزال السكينة في قلوب المؤمنين كان في بيعة الرضوان التي وقعت قبيل الصلح حينما صمّم رسول الله(صلى الله عليه وآله)في ظاهر الحال على القتال وأخذ البيعة من المؤمنين، إذ قال الله: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾(2).

إلّا أنّ كلّ هذا يكون شاهداً على كون المقصود بالفتح المبين هو صلح الحديبيّة، ولكن كلامنا الآن في الفتح القريب الوارد في قوله تعالى: ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾ ولم نظفر حتّى الآن بشاهد قويّ على توحّد الفتح القريب مع الفتح المبين.

ثانيهما: ـ وهو أكبر الظنّ ـ أنّ المقصود بالفتح القريب في الآية هو عين الفتح القريب في ما قبلها في الآية: (18)، ومن الواضح من تلك الآية أنّ المقصود بالفتح القريب هو فتح خيبر؛ بدليل أنّه عُطف عليه قوله تعالى: ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾(3)، وهو منصرف إلى المغانم المادّيّة، وهي لم تكن في صلح


(1) تفسير نمونه 22: 17 نقلاً عن تفسير الدرّ المنثور 6: 109.

(2) س 48 الفتح، الآية: 18.

(3) س 48 الفتح، الآية: 19.