المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

823

لربط الإنسان ومسيرته الحضارية بالمطلق الحقّ، ويسخّرها أداةً لربطه بالمطلقات المزيّفة بالرموز التي تحوّلت بتجريد ذهنيّ كاذب إلى مطلق. وبهذا تصبح العبادة المزيّفة هذه حجاباً بين الإنسان وربّه، بدلا عن أن تكون همزة الوصل بينهما.

وقد شجب الإسلام هذا الاتّجاه؛ لأنّه أدانَ الوثنيةَ بكلّ أشكالها، وحطّم الأصنام وقضى على الآلهة المصطنعة، ورفض أن يُتّخذ من أيّ شيء محدود رمزاً للمطلق الحقّ سبحانه وتجسيداً له. ولكنّه ميّز بعمق بين مفهوم الصنم الذي حطّمه ومفهوم القبلة الذي جاء به، وهو مفهوم لا يعني إلّا أنّ نقطةً مكانيةً معيّنةً اُسبِغ عليها تشريف ربّاني فربطت الصلاة بها إشباعاً للجانب الحسّي من الإنسان العابد، وليست الوثنية في الحقيقة إلّا محاولةً منحرفةً لإشباع هذا الجانب استطاعت الشريعة أن تصحّح انحرافها، وتقدّم الاُسلوبَ السَوِيّ في التوفيق بين عبادة الله بوصفها تعاملا مع المطلق الذي لا حدّ له ولا تمثيل، وبين حاجة الإنسان المؤلّف من حسٍّ وعقل إلى أن يعبد الله بحسّه وعقله معاً.

4 ـ الجانب الاجتماعي في العبادة:

العبادة في الأساس تمثّل علاقة الإنسان بربّه، وتمدّ هذه العلاقة بعناصر البقاء والرسوخ، غير أنّها صِيغَت في الشريعة الإسلامية بطريقة جعلت منها ـ في أكثر الأحيان أيضاً ـ أداةً لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وهذا ما نقصده بالجانب الاجتماعي في العبادة.

ففي العبادات ما يفرض التجمّع بنفسه وإنشاء العلاقات الاجتماعية بين ممارسِي تلك العبادة، كالجهاد فإنّه يتطلّب من المقاتلين الذين يعبدون الله بقتالهم