المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

817

هذا الجانب الغيبي من العبادة والمطالبة بتفسيره وتحديد المصلحة فيه يعني تفريغ العبادة من حقيقتها، كتعبير عمليّ عن الاستسلام والانقياد، وقياسها بمقاييس المصلحة والمنفعة كأيّ عمل آخر.

ونلاحظ أنّ هذه الغيبية لا أثر لها تقريباً في العبادات التي تمثّل مصلحةً اجتماعيةً كبيرة، تتعارض مع مصلحة الإنسان ـ العابد ـ الشخصية، كما في الجهاد الذي يمثّل مصلحةً اجتماعيةً كبيرةً تتعارض مع حرص الإنسان المجاهد على حياته ودمه، وكما في الزكاة التي تمثّل مصلحةً اجتماعيةً كبيرةً تتعارض مع حرص الإنسان المزكّي على ماله وثروته. فإنّ عملية الجهاد مفهومة للمجاهد تماماً، وعملية الزكاة مفهومة عموماً للمزكّي، ولا يفقد الجهاد والزكاة بذلك شيئاً من عنصر الاستسلام والانقياد؛ لأنّ صعوبة التضحية بالنفس وبالمال هي التي تجعل من إقدام الإنسان على عبادة يضحّي فيها بنفسه أو ماله، استسلاماً وانقياداً بدرجة كبيرة جداً.

إضافةً إلى أنّ الجهاد والزكاة وما يشبههما من العبادات لا يراد بها الجانب التربويّ للفرد فحسب، بل تحقيق المصالح الاجتماعية التي تتكفّل بها تلك العبادات، وعلى هذا الأساس نلاحظ أن الغيبية إنّما تبرز أكثر فأكثر في العبادات التي يغلب عليها الجانب التربويّ للفرد، كالصلاة والصيام.

وهكذا نستخلص: أنّ الغيبية في العبادة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدورها التربويّ في شدّ الفرد إلى ربّه وترسيخ صلته بمطلقه.

2 ـ الشمول في العبادة:

حين نلاحظ العبادات المختلفة في الإسلام نجد فيها عنصر الشمول لجوانب الحياة المتنوّعة، فلم تختص العبادات بأشكال معيّنة من الشعائر،