المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

812

يدخل في نطاق الرقابة الاجتماعية رصده، وبهذا قد يدخل بشكل آخر التحسّب لردّ الفعل الاجتماعي على التخلّف عن أدائه في اتّخاذ الإنسان قراراً بالقيام به.

وأمّا الواجب العباديّ الغيبي الذي لا يعلم مدى مدلوله النفسي إلّا الله سبحانه وتعالى فهو نتيجة للشعور الداخلي بالمسؤولية، ومن خلال الممارسات العبادية ينمو هذا الشعور الداخلي ويعتاد الإنسان على التصرّف بموجبه، وبهذا الشعور يوجد المواطن الصالح، إذ لا يكفي في المواطنة الصالحة أن لا يتخلّف الإنسان عن أداء حقوق الآخرين المشروعة؛ خوفاً من ردّ الفعل الاجتماعي على هذا التخلّف، وإنّما تتحقّق المواطنة الصالحة بأن لا يتخلّف الإنسان عن ذلك بدافع من الشعور الداخلي بالمسؤولية.

وذلك لأنّ الخوف من ردّ الفعل الاجتماعي على التخلّف لو كان وحده هو الأساس لالتزامات المواطنة الصالحة في المجتمع الصالح لأمكن التهرّب من تلك الواجبات في حالات كثيرة حينما يكون بإمكان الفرد أن يخفي تخلّفه، أو يفسّره تفسيراً كاذباً، أو يحمي نفسه من ردّ الفعل الاجتماعي بشكل وآخر، فلا يوجد في هذه الحالات ضمان سوى الشعور الداخلي بالمسؤولية.

ونلاحظ أنّ المرجّح غالباً في العبادات المستحبّة أداؤها سرّاً وبطريقة غير علنية، وهناك عبادات سرّية بطبيعتها، كالصيام فإنّه كَفٌّ نفسيٌّ لا يمكن ضبطه من خارج، وتوجد عبادات اختير لها جوّ من السرّية والابتعاد عن المسرح العامّ، كنافلة الليل (صلاة الليل) التي يُطلب أداؤها بعد نصف الليل، وكلّ ذلك من أجل تعميق الجانب الغيبي من العبادة وربطها أكثر فأكثر بالشعور الداخلي بالمسؤولية. وهكذا يترسّخ هذا الشعور من خلال الممارسات العبادية، ويألف الإنسان العمل على أساسه، ويشكّل ضماناً قوياً لالتزام الفرد الصالح بما عليه من حقوق وواجبات.