المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

811

الموضوعية للفرد مهما كانت دقيقةً وشاملةً لا يمكن عادةً أن تضمن الإحاطة بكلّ شيء واستيعاب كلّ واقعة.

والشعورالداخلي بالمسؤولية يحتاج ـ لكي يكون واقعاً عملياً حيّاً في حياة الإنسان ـ إلى إيمانه برقابة لا يعزب عن علمها مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، وإلى مِران عمليّ ينمو من خلاله هذا الشعور ويترسّخ بموجبه الإحساس بتلك الرقابة الشاملة.

والرقابة التي لا يعزب عن علمها مثقال ذرّة تتواجد في حياة الإنسان نتيجةً لارتباطه بالمطلق الحقّ العليم القدير الذي أحاط علمه بكلّ شيء، فإنّ هذا الارتباط بنفسه يوفّر للإنسان هذه الرقابة، ويهّيىء بذلك إمكانية نشوء الشعور الداخليّ بالمسؤولية.

والمِران العملي الذي ينمو من خلاله هذا الشعور الداخليّ بالمسؤولية يتحقّق عن طريق الممارسات العبادية؛ لأنّ العبادة واجب غيبي، ونقصد بكونها واجباً غيبياً: أنّ ضبطها بالمراقبة من خارج أمر مستحيل، فلا يمكن أن تنجح أيّ إجراءات خارجية لغرض الإتيان بها؛ لأنّها متقوّمة بالقصد النفسي والربط الروحي للعمل بالله، وهذا أمر لا يدخل في حساب الرقابة الموضوعية من خارج، ولا يمكن لأيّ إجراء قانونيّ أن يكفل تحقيقه. وإنّما الرقابة الوحيدة الممكنة في هذا المجال هي الرقابة الناتجة عن الارتباط بالمطلق بالغيب، الذي لا يعزب عن علمه شيء. والضمان الوحيد الممكن عن هذا الصعيد هو الشعور الداخلي بالمسؤولية.

وهذا يعني أنّ الإنسان الذي يمارس العبادة يباشر واجباً يختلف عن أيّ واجب أو مشروع اجتماعيّ آخر، فحين يقترض ويوفي الدين، أو حين يعقد صفقةً وينفّذ شروطها، وحين يستعير مالا من غيره ثمّ يعيده إليه يباشر بذلك واجباً