المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

807

واُخرى، ومهما اختلفت نوعية هذه المصالح وطريقة تحقيقها من عصر إلى عصر ومن فترة إلى اُخرى فهي دائماً بالإمكان تقسيمها إلى نوعين من المصالح:

أحدهما: مصالح تعود مكاسبها وإيجابيّاتها المادية إلى نفس الفرد الذي يتوقّف تحقيق تلك المصلحة على عمله وسعيه.

والآخر: مصالح تعود مكاسبها إلى غير العامل المباشر، أو إلى الجماعة الذين ينتسب اليهم هذا العامل. ويدخل في نطاق النوع الثاني كلّ ألوان العمل التي تنشد هدفاً أكبرَ من وجود العامل نفسه، فإنّ كلّ هدف كبير لا يمكن عادةً أن يتحقّق إلّا عن طريق تظافر جهود وأعمال على مدىً طويل.

والنوع الأوّل من المصالح يضمن الدافع الذاتي لدى الفرد ـ في الغالب ـ توفيره والعمل في سبيله، فما دام العامل هو الذي يقطف ثمار المصلحة وينعم بها مباشرةً فمن الطبيعي أن يتواجد لديه القصد اليها والدافع للعمل من أجلها.

وأمّا النوع الثاني من المصالح فلا يكفي الدافع الشخصي لضمان تلك المصالح؛ لأنّ المصالح هنا لا تخصّ الفرد العامل، وكثيراً ما تكون نسبة ما يصيبه من جهد وعناء أكبر كثيراً من نسبة ما يصيبه من تلك المصلحة الكبيرة.

ومن هنا كان الإنسان بحاجة إلى تربية على الموضوعية في القصد وتجاوز للذات في الدوافع، أي على أن يعمل من أجل غيره من أجل الجماعة.

وبتعبير آخر: من أجل هدف أكبر من وجوده ومصالحه المادية الخاصة. وهذه تربية ضرورية لإنسان عصر الذرّة والكهرباء، كما هي ضرورية للإنسان الذي كان يحارب بالسيف ويسافر على البعير على السواء؛ لأنّهما معاً يواجهان هموم البناء والأهداف الكبيرة، والمواقف التي تتطلّب تناسي الذات والعمل من أجل الآخرين، وبذر البذور التي قد لا يشهد الباذر ثمارها. فلابدّ إذن من تربية كلّ فرد على أن يؤدّيَ قسطاً من جهده وعمله ـ لا من أجل ذاته ومصالحها المادية