المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

75

وهنا يأتي دور الخطوة الثالثة لتؤكّد على أساس الاستقراء العلمي في تاريخ المجتمعات أنّ هذه الرسالة بتلك الخصائص التي درسناها في الخطوة الثانية هي أكبر بدرجة هائلة من الظروف والعوامل التي مرّ استعراضها في الخطوة الاُولى، فإنّ تاريخ المجتمعات وإن كان قد شهد في حالات كثيرة إنساناً يبرز على صعيد مجتمعه فيقوده ويسير به خطوةً إلى الامام غير أنّنا هنا لا نواجه حالةً من تلك الحالات؛ لوجود فوارق كبيرة.

فمن ناحية نحن نواجه هنا طفرةً هائلةً وتطوّراً شاملا في كلّ جوانب الحياة، وانقلاباً في القيم والمفاهيم التي تتّصل بمختلف مجالات الحياة إلى الأفضل، بدلا عن مجرّد خطوة إلى الأمام.

إنّ مجتمع القبيلة طفر رأساً على يد النبي إلى الإيمان بفكرة المجتمع العالمي الواحد. وإنّ المجتمع الوثني طفر رأساً إلى دين التوحيد الخالص، الذي صحّح كلّ أديان التوحيد الاُخرى، وأزال عنها ماعلق بها من زيف وأساطير. وإنّ المجتمع الفارغ تماماً تحوّل إلى مجتمع ممتلئ تماماً، بل إلى مجتمع قائد يشكّل الطليعة لحضارة أنارت الدنيا كلّها.

ومن ناحية اُخرى أنّ أيّ تطوّر شامل في مجتمع إذا كان وليد الظروف والمؤثّرات المحسوسة فلا يمكن أن يكون مرتجلا ومفاجئاً ومنقطع الصلة عن مراحل تمهّد له، وعن تيار يسبقه ويظلّ ينمو ويمتدّ فكرياً وروحياً حتى تنضج في داخله القيادة الكفوءة لتزعّمه، وللعمل من أجل تطوير المجتمع على أساسه.

إنّ دراسةً مقارنةً لتاريخ عمليات التطوّر في مختلف المجتمعات يوضّح أنّ كلّ مجتمع يبدأ فيه هذا التطوّر فكرياً على شكل بذور متفرّقة في أرضية ذلك المجتمع، وتتلاقى هذه البذور فتكوّن تياراً فكرياً، وتتحدّد بالتدريج معالم هذا التيار، وتنضج في داخله القيادة التي تتزعّمه؛ حتّى يبرز على المسرح كواجهة