المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

73

مَا أتَاهُمْ مِنْ نَذِير مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾(1).

وممّا يبهر الملاحظ أنّ القصص الحقّ في القرآن لا يمكن أن تكون مجرّد استنساخ لما جاء في كتب العهدين، حتى لو افترضنا أن أفكار هذه الكتب كانت شائعةً ومنتشرةً في الوسط الذي ظهر فيه النبي؛ لأنّ الاستنساخ يمثّل دوراً سلبياً فقط، دور الأخذ والعطاء، بينما دور القرآن في عرض القصّة إيجابي، فإنّه يصحّح ويعدّل ويفصّل القصة عمّا اُلصقت بها من ملابسات لا تتّفق مع فطرة التوحيد والعقل المستنير والرؤية الدينية السليمة.

ومنها: أنّ القرآن بلغ في روعة بيانه وبلاغته وتجديده في أساليب البيان إلى درجة جعلت منه ـ حتى من وجهة نظر غير المؤمنين بربّانيته ـ حدّاً فاصلا بين مرحلتين من تاريخ اللغة العربية، وأساساً لتحوّل هائل في هذه اللغة وأساليبها.

وقد أحسّ العرب الذين حدّثهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالقرآن بأنّه لا يشبه إطلاقاً ما ألِفوه من أساليب البيان، وما نشأوا عليه وأتقنوه من طرائق التعبير، حتى قال قائلهم حين استمع إلى القرآن: « والله لقد سمعت كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجنّ، وإنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو وما يُعلى، وإنّه ليحطم ما تحته »(2).

وكانوا لا يسمحون لأنفسهم بالاستماع إلى القرآن؛ إحساساً منهم بأثره الهائل، وخوفاً من قدرته الفائقة على تغيير نفوسهم، وهذا دليل على التميّز الهائل للبيان القرآني، وعدم كونه استمراراً متطوّراً لِمَا ألِفوه.

 


(1) القصص: 44 ـ 46.(2) القائل هو الوليد بن المغيرة. اُنظر أسباب النزول: 295 في سورة المدّثّر، وإعلام الورى 1: 42. (لجنة التحقيق).