المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

68

غير منظور وراء تلك الظروف والعوامل المحسوسة.

وهذا ما يصدق تماماً على نبوّة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) والرسالة التي أعلنها على العالم باسم السماء؛ وذلك ضمن الخطوات التالية:

الاُولى: أنّ هذا الشخص الذي أعلن رسالته على العالم باسم السماء ينتسب إلى شبه الجزيرة العربية، التي كانت من أشدّ أجزاء الأرض تخلّفاً في ذلك الحين من الناحية الحضارية والفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وينتمي إلى الحجاز بالذات من أقطار تلك الجزيرة، وهو قطر لم يمرّ حتى تأريخياً بمثل الحضارات التي نشأت قبل ذلك بمئات السنين في مواضع اُخرى محدّدة من تلك الجزيرة، ولم يعرف أيّ تجربة إجتماعية متكاملة.

ولم ينلْ هذا القطر من ثقافة عصره ـ على الرغم من انخفاضها عموماً ـ شيئاً يذكر، ولم ينعكس على أدبه وشعره شيء ملحوظ من أفكار العالم وتيّاراته الثقافية وقتئذ، وكان منغمساً من الناحية العقائدية في فوضى الشرك والوثنية، ومفكّكاً اجتماعياً تسيطر عليه عقلية العشيرة، وتلعب فيه الانتماءات إلى هذه العشيرة أو تلك الدور الأساسي في أكثر أوجه النشاط بكلّ ما يؤدّي إليه ذلك من التناقضات وألوان الغزو والصراع الرخيص.

ولم يكن البلد الذي نشأ فيه هذا الرسول قد عرف أيّ شكل من أشكال الحكم سوى ما يفرضه الولاء للقبيلة من مواضعات.

ولم يكن وضع القوى المنتجة والظروف الاقتصادية في ذلك الجزء من العالم يتميّز عن أكثر بقاع العالم المتخلّف حينذاك.

وحتى القراءة والكتابة ـ بوصفها أبسط أشكال الثقافة ـ كانت حالةً نادرةً نسبياً في تلك البيئة، إذ كان المجتمع اُميّاً على العموم: ﴿ هُوَ الَّذي بَعَثَ في الاُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإنْ