المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

23

رئيسية الماديون الجدليون ـ ترفض تلك النزعات بكلّ وضوح، وتعطي لنفسها الحقّ في أن تتجاوز نطاق الحسّ والتجربة التي يبدأ العالِم بها بحثه، وتتجاوز أيضاً المرحلة الثانية التي يختم بها العالِم بحثه؛ وذلك لكي تقارن بين معطيات العلم المختلفة وتضع لها تفسيراً نظرياً عامّاً، وتعيّن أوجُه العلاقات والروابط التي يمكن افتراضها بين تلك المعطيات.

وبهذا فإنّ المادية الجدلية التي هي الوريث الحديث للفكر المادي على مرّ التاريخ، أصبحت بنفسها غيبيةً من وجهة نظر تلك النزعات الحسّية المتطرّفة حين خرجت بتفسير شامل للكون ضمن إطار ديالكتيكي.

وهذا يعني أنّ المادية والإلهية معاً قد اتّفقتا على تجاوز النطاق الحسّي الذي دعت تلك النزعات المادية المتطرّفة إلى التقيّد به، وأصبح من المعقول أن تتّخذ المعرفة مرحلتين: مرحلة لتجميع معطيات الحسّ والتجربة، ومرحلة لتفسيرها نظرياً وعقلياً، وإنّما الخلاف بين المادّية والإلهية على نوع التفسير الذي تستنتجه عقلياً في المرحلة الثانية من معطيات العلم المتنوّعة، فالماديّة تفترض تفسيراً ينفي وجود صانع حكيم، والإلهية ترى أنّ تفسير تلك المعطيات لا يمكن أن يكون مقنعاً ما لم يشتمل على الإقرار بوجود صانع حكيم.

وسنعرض في ما يلي نمطين من الاستدلال على وجود الصانع الحكيم سبحانه، يتمثّل في كلّ منهما معطيات الحسّ والتجربة من ناحية، وتنظيمها عقلياً واستنتاج أنّ للكون صانعاً حكيماً من خلال ذلك.

والنمط الأوّل نطلق عليه اسم الدليل العلميّ أو الاستقرائي، والنمط الثاني نطلق عليه اسم الدليل الفلسفي.

وسنبدأ فيما يلي بالدليل العلمي، ولكن قبل هذا يجب أن نوضّح ما نقصده بالدليل العلمي.