المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

22

وعلى هذا الأساس لو قلت: الله موجود، لكان بمثابة أن تقول: ديز موجود، فكما لا معنى لهذه الجملة كذلك تلك؛ لأنّ وجود الله تعالى لا يمكن التعرّف عليه بالحسّ والتجربة.

وتواجه هذه النزعة المنطقية تناقضاً أيضاً؛ بسبب أنّ قولها هذا وما فيه من تعميم هو نفسه شيء لا يمكن التعرّف عليه بالحسّ والمباشرة، فهو كلام فارغ من المعنى بحكم ما يحمل من قرار، فهذه النزعة المنطقية التي تدّعي أنّ كلّ جملة لا يتاح للحسّ والتجربة اختبار مدلولها فهي فارغة من المعنى تصدر بهذا الادّعاء تعميماً، وكلّ تعميم فهو يتجاوز نطاق الحسّ؛ لأنّ الحسّ لا يقع إلّا على حالات جزئية محدودة، وهكذا تنتهي هذه النزعة إلى تناقض مع نفسها إضافةً إلى تناقضها مع كلّ التعميمات العلمية التي يفسّر بها العلماء ظواهر الكون تفسيراً شاملا؛ لأنّ التعميم ـ أيّ تعميم ـ لا يمكن الإحساس به مباشرةً، وإنّما يستنتج ويستدّل عليه بدلالة ظواهر حسّية محدودة(1).

ومن حسن الحظّ أنّ العلم لم يعبأ في مسيرته وتطوّره المستمرّ بهذه النزعات، فكان يمارس عمله الاكتشافي للكون دائماً مبتدئاً بالحسّ والتجربة، ومتجاوزاً بعد ذلك الحدود الضيّقة التي فرضتها تلك النزعات الفلسفية والمنطقية؛ ليبذل جهداً عقلياً في تنسيق الظواهر ووضعها في اُطر قانونية عامّة، والتعرّف على ما بينها من روابط وعلاقات.

وقد تضاءل النفوذ الفلسفي والمنطقي لهذه النزعات المتطرّفة حتّى على صعيد المذاهب الفلسفية المادية، فالفلسفة المادية الحديثة ـ التي يمثّلها بصورة



(1) إذا اُريد التوسّع في استعراض موقف المنطق الوضعي ونقده فليراجع كتابنا الاُسس المنطقية للاستقراء.« منه (رحمه الله) ».