المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

21

هذه اللحظة، وأمّا هل أنّ القمر موجود في السماء حقّاً ؟ وهل كان له وجود قبل أن تفتح عينك وتراه ؟ فهذا ما وجد أصحاب تلك النزعات أنفسهم غير قادرين على تأكيده وإثباته، تماماً كالأحول الذي يرى أشياء لا وجود لها، فهو يؤكّد رؤيته لتلك الأشياء، ولكنّه لا يؤكّد وجود تلك الأشياء في الواقع.

وبهذا قضت النزعة الحسّية الفلسفية في النهاية على الحسّ نفسه كوسيلة للمعرفة، وأصبح هو الحدّ النهائي لها بدلا عن أن يكون وسيلة، وعادت المعرفة الحسّية كلّها مجرّد ظاهرة لا وجود لها بصورة مستقلّة عن وعينا وإدراكنا.

ومن الناحية المنطقية اتّجهت النزعة الحسّية في أحدث تيّار من تيّاراتها إلى الوضعية القائلة بأنّ كلّ جملة لا يمكن التأكّد من صدق مدلولها أو كذبه بالحسّ والتجربة فهي كلام فارغ من المعنى، شأنها شأن حروف هجائية مبعثرة تردّدها على غير هدى. وأمّا الجملة التي يمكن التأكّد من صدق مفادها وكذبه فهي كلام له معنى، فإن أكّد الحسّ تطابق مدلولها مع الواقع فهي جملة صادقة، وإن أكّد العكس فهي كاذبة.

فإن قلت: المطر ينزل من السماء في الشتاء، فهي جملة لها معنى وصادقة في مدلولها.

وإن قلت: المطر ينزل في الصيف، فهي جملة لها معنى وكاذبة في مدلولها.

وإن قلت: إنّ شيئاً لا يمكن أن يُرى أو يحسّ به ينزل في ليلة القدر، فهذه جملة ليس لها معنىً فضلا عن أن تكون صادقةً أو كاذبةً؛ إذ لا يمكن التأكّد من صدق المدلول وكذبه بالحسّ والتجربة، فهي تماماً كما نقول: ديز ينزل في ليلة القدر(1)، فكما لا معنى لهذه الجملة كذلك لا معنى لتلك.



(1) ديز: كلمة مهملة لا معنى لها، تقال عادةً كمثال للكلمة الفارغة من المعنى. «منه (رحمه الله)».