المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

20

أن يقدّم دعماً جديداً وباهراً للإيمان بالله سبحانه وتعالى؛ بسبب ما يكشفه من ألوان الاتّساق ودلائل الحكمة التي تشير إلى الصانع الحكيم، غير أنّ العلماء الطبيعيّين ـ بوصفهم علماء طبيعة ـ لم يكونوا معنيّين بتجلية هذه القضية التي كانت لا تزال مسألةً فلسفيةً حسب التصنيف السائد لمسائل المعرفة البشرية وقضاياها.

وسرعان ما نشأت على الصعيد الفلسفي وخارج نطاق العلم وما يجري فيه نزعات فلسفية ومنطقية حاولت أن تفلسف أو تمنطق هذا الاتّجاه الحسي، فأعلنت أنّ الوسيلة الوحيدة للمعرفة هو الحسّ، وحيث ينتهي الحسّ تنتهي معرفة الإنسان، فكلّ ما لا يكون محسوساً ولا يمكن تسليط التجربة عليه بشكل وآخر فلا يملك الإنسان وسيلةً لإثباته.

وبهذا استخدم الاتّجاه الحسّي والتجريبي لضرب فكرة الإيمان بالله تعالى، فما دام الله سبحانه ليس كائناً محسوساً بالإمكان رؤيته والإحساس بوجوده فلا سبيل إذن إلى إثباته، ولم يكن هذا الاستخدام على يد العلماء الذين مارسوا الاتّجاه التجريبيّ بنجاح، بل على يد مجموعة من الفلاسفة ذوي النزعات الفلسفية والمنطقية التي فسّرت هذا الاتّجاه الحسّي تفسيراً فلسفياً أو منطقياً خاطئاً.

وقد وقعت هذه النزعات المتطرّفة تدريجاً في تناقض:

فمن الناحية الفلسفية وجدت هذه النزعات نفسها مضطرّةً إلى إنكار الواقع الموضوعي، أي إنكار الكون الذي نعيش فيه جملةً وتفصيلا؛ لأنّنا لا نملك سوى الحسّ، والحسّ إنّما يعرّفنا على الأشياء كما نحسها ونراها لا كما هي، فحين نحسّ بشيء يمكننا أن نؤكّد وجوده في إحساسنا، وأمّا وجوده خارج نطاق وعينا وبصورة مستقلّة وموضوعية ومسبقة على الإحساس فلا سبيل إلى إثباته، فحينما ترى القمر في السماء تستطيع أن تؤكّد فقط رؤيتك للقمر وإحساسك به في