484

الرابع الناتج من تنوين التنكير(1).

فالتعرّف الأوّل أخصّ مورداً من التعرّف الثاني، فيقع الكلام في مقامين:

 

التعرّف الأخصّ وما يقابله من التنكّر

المقام الأوّل: في التعرّف الأخصّ وما يقابله من التنكّر، وقد قلنا: إنّ هذا التعرّف ثابت لأمرين: علم الجنس، والمعرّف باللام، فلدينا بحثان:

 

علم الجنس:

البحث الأوّل: في علم الجنس.

المشهور لدى علماء العربيّة: أنّ علم الجنس موضوع للطبيعة بما هي متعيّنة في الذهن، فهو مختلف معنىً عن اسم الجنس، والموضوع له لكلّ منهما مغاير للموضوع له للآخر.

وتوضيح ذلك: أنّ كلّ معنى من المعاني له تعيّن في ذهن المتكلّم والمخاطب، ولولاه لم يحصل التفهيم والتفهّم بذلك، وهذا التعيّن غير مأخوذ في الموضوع له اسم الجنس وإن كان ثابتاً حين استعماله وإنّما هو من الحالات المقارنة، وليس تعيّنه في ذهن المتكلّم حين استعماله إلّا كجوع المتكلّم وسائر صفاته الخارجة



(1) كأنّ هذا اصطلاح من قبله(رحمه الله)؛ إذ يقصد بتنوين التنكير تنوين الوحدة، وأمّا بحسب المصطلح لدى علماء العربيّة ـ بحسب ما أتذكّر ـ فيقصد بتنوين التنكير ما يكون من قبيل: (مررت بزيد وزيد آخر) ونحوه الإضافة التي تنكّر من ناحية إزالتها للعَلميّة وتعرّف تعريفاً بالإضافة من قبيل: (على زيدنا يوم القنا رأس زيدكم).

485

عن الموضوع له، واسم الجنس وضع لنفس المعنى من حيث هو مع قطع النظر عن تعيّنه في الذهن، وأمّا علم الجنس فهو موضوع لذلك المعنى بما هو متعيّن في الذهن فيكون معرفة، ولذا لا يعرّف باللام ولا يقال: (الاُسامة) كما لا يقال (الزيد).

وأورد المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) على ذلك(1) بأنّه لو كان التعيّن الذهنيّ مأخوذاً في الموضوع له اللفظ لكان من قبيل المعقولات الثانويّة ولم يكن استعماله في الفرد الخارجيّ صحيحاً بلا عناية التجريد مع أنّه ليس كذلك، فلا فرق أصلاً في معنى اسم الجنس وعلم الجنس، وأمّا تعرّف علم الجنس فليس إلّا تعرّفاً لفظيّاً كالتأنيث اللفظيّ في (الرقبة) الذي لا فرق بينه وبين (العنق) من حيث المعنى وفي (الدار) الذي لا فرق بينه وبين (البيت) من حيث المعنى.

أقول: إنّ البحث هنا يقع في جهتين:

الاُولى: في أنّ ما ذكره المشهور هل هو ممكن ثبوتاً أو يرد عليه ما أورده المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)؟

والثانية: في أنّه بعد إمكانه ثبوتاً هل يكون عليه دليل إثباتاً أو لا؟

أمّا الجهة الاُولى: فنقول: لا يخفى أنّ هذا الإشكال ـ أعني: إشكال لزوم عدم الانطباق على ما في الخارج بلا عناية ـ بناء على صحّته غير مختصّ بما نحن فيه بل يجري في اسم الإشارة والضمائر؛ إذ هما أيضاً قد اُخذ فيهما التعيّن. نعم، هذا الإشكال إنّما يجري فيهما بناء على مبنانا من أنّ التعيّن مأخوذ في معناهما الموضوع له اللفظ بأن يكون داخلاً في ذلك، وأمّا على مبنى المحقّق



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 378 ـ 379 بحسب الطبعة المشتملة في حواشيها على تعاليق المشكينيّ.

486

الخراسانيّ(قدس سره)القائل بأنّ الواضع أخذه فيهما بنحو الاشتراط فهذا الإشكال غير وارد.

إن قلت: إنّ هذا الإشكال لا يعقل سريانه إلى أسماء الإشارة والضمائر وقياسها بعلم الجنس قياس مع الفارق؛ وذلك لأنّ التعيّن المعتبر في علم الجنس تعيّن ذهنيّ، والتعيّن المعتبر في اسم الإشارة والضمير تعيّن خارجيّ، ومن المعلوم أنّ تقييد المفهوم بقيد ذهنيّ يجعله ذهنيّاً وتقييده بأمر خارجيّ لا يجعله خارجيّاً.

قلنا: بل التعيّن المأخوذ في اسم الإشارة والضمير أيضاً تعيّن ذهنيّ، توضيح ذلك: أنّ الإشارة الحقيقيّة عبارة عن توجّه النفس نحو أمر معيّن بنحو مخصوص، ولها أدوات خارجيّة من قبيل تركيز الاصبع نحو شيء معيّن، فإنّ ذلك أداة للإشارة، والتعيّن المعتبر في طرف الإشارة الحقيقيّة يكون في اُفق نفس تلك الإشارة واُفقها هو النفس، فالتعيّن المعتبر في طرفها هو التعيّن الذهنيّ ـ لا محالة ـ كما هو الحال في جميع الاُمور النفسيّة، فإنّ ما يكون متعلّقاً لما في الذهن من الحبّ والبغض ونحو ذلك من الاُمور الذهنيّة مثلاً أوّلاً وبالذات إنّما هو أمر ذهنيّ منطبق على ما في الخارج.

ولما ذكرنا ترى أنّه تصحّ الإشارة الحقيقيّة إلى ما لا وجود له في الخارج كالماء المتخيّل مثلاً، والتعيّن المعتبر في طرف الأداة للإشارة الخارجيّة خارجيّ لا محالة؛ لأنّه أيضاً لابدّ أن يكون في اُفق نفس الأداة وصقعها وهو الخارج.

فيقع الكلام في أنّ التعيّن المأخوذ في الموضوع له اسم الإشارة هل هو التعيّن المعتبر في طرف الإشارة الحقيقيّة أو التعيّن المعتبر في طرف أداة الإشارة؟ والصحيح هو الأوّل ببرهان صحّة استعمال اسم الإشارة بلا عناية فيما لا وجود له في الخارج كقولنا: (هذا العدم) و(ذاك العدم).

487

نعم، لا نستشكل في أنّ اسم الإشارة في أوّل مراحل وضعه الحاصل من تطوّر المجتمع إنّما وضع للإشارة إلى الخارجيّات، ولكنّه بعد ذلك ترقّى وضعه بحسب تدرّج المجتمع في التصوّرات إلى أن كان استعمال اسم الإشارة فيما ليس له تعيّن خارجيّ حقيقةً وصحيحاً بلا عناية. هذا بالنسبة إلى اسم الإشارة، وكذلك الكلام بالنسبة إلى ضمير الخطاب، فإنّ الخطاب الحقيقيّ عبارة عن قصد إعداد الكلام لفهم الغير وأداته توجيه الصوت نحو ذلك الغير، وكلّ منهما يحتاج إلى تعيّن في اُفقه، فهنا تعيّنان: تعيّن في اُفق النفس، أي: التعيّن الذهنيّ، وتعيّن في اُفق الخارج، والمأخوذ في الموضوع له ضمير الخطاب هو التعيّن الأوّل ببرهان صحّة التخاطب مع مَن ليس له تعيّن خارجيّ بلا عناية كما في قولنا: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين).

وممّا ذكرنا يظهر الحال أيضاً بالنسبة إلى ضمير الغائب، فتحصّل: أ نّا نحتاج إلى جواب مشترك بين ما نحن فيه وأسماء الإشارة والضمائر.

وقد اُجيب عن ذلك بوجوه:

الأوّل: ما ذكره المحقّق العراقيّ(قدس سره) بناءً على مبناه من الحصّة التوأم، وهو: أنّ التعيّن لم يؤخذ في الموضوع له بأن يكون جزءاً له أو بأن يكون قيداً له، وبعبارة اُخرى ليس ذات القيد ـ وهو التعيّن ـ داخلاً في الموضوع له حتّى يكون جزءاً للموضوع له، ولا يكون دخله على نحو دخل التقيّد دون القيد حتّى يكون قيداً للموضوع له، وإنّما وضع اللفظ للطبيعة التوأم مع هذا التعيّن مع خروج القيد والتقيّد معاً عن الموضوع له(1).



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 39، ص 496 ـ 497 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم، ونهاية الأفكار، ج 1 ـ 2، ص 564 ـ 565 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

488

أقول: هذا الوجه باطل مبنىً وهو مبنى الحصّة التوأم، حيث إنّه(قدس سره) تصوّر معنىً في قبال التقيّد، مشتركاً معه في كون المفهوم معه مقصوراً على حصّة خاصّة سمّاها بالتوأم، لكنّا بيّنّا ـ في بحث التعبّديّ والتوصّليّ ـ أنّ ذلك متصوّر في الخارجيّات فقط بالنحو الذي بيّنّاه هناك، وأمّا في المفاهيم فلا يتصوّر ذلك، والوجه فيه: إنّا تصوّرنا الإطلاق الذاتيّ، أعني: أنّ الطبيعة بحدّها الذاتيّ تقتضي السريان في جميع الحصص ولا نتعقّل ما يمنعها عن السريان إلّا التقييد، فعدم التقييد مساوق للسريان، فلا نتصوّر شيئاً ثالثاً في قبال التقييد والإطلاق يسمّى بالحصّة التوأم؛ لأنّ تصويره متوقّف على عدم تصوير الإطلاق الذاتيّ ونحن قد تصوّرناه.

الثاني: ما ذكره المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره)(1)، وهو: أنّ التعيّن المدّعى أخذه في الموضوع له ليس هو التعيّن الذهنيّ وإنّما هو التعيّن الجنسيّ، توضيحه: أنّ كلّما يعتبر مهيّة من المهيّات فهي متعيّنة في قبال غيرها بامتيازها عنه، كما هو الشأن في جميع الاُمور من الموجودات والمفاهيم، وهذا التعيّن من لوازمها ككون الزوجيّة من لوازم الأربعة، والواضع تارة يضع اللفظ بإزاء ذات المهيّة بلا نظر إلى تعيّنها كما فعل ذلك في اسم الجنس، واُخرى يضعه بإزائها بما هي متعيّنة كما هو المدّعى في علم الجنس، نظير أن يضع تارة لفظ الأربعة لذات العدد المخصوص بلا نظر إلى زوجيّته واُخرى له بما هو زوج.

ويرد عليه: أنّ تعيّن المهيّة في قبال غيرها مفهوم انتزاعيّ، فإن اُريد ضمّ هذا المفهوم الانتزاعيّ إلى المعنى في الوضع فمن الواضح أنّ هذا المفهوم حاله حال



(1) ناقلاً له عن الفصول تبعاً للسيّد الشريف. راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 494 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام).

489

أصل المفهوم المنضمّ إليه، وضمّه إليه لا يوجب التعريف الحقيقيّ وإن أوجب التحصيص، ولذا كثيراً مّا يحصّص اسم الجنس بضمّ مفهوم إليه ولا يصير معرفة بذلك.

إلّا أن يقال: إنّ هذا التحصيص بالخصوص اُجريت عليه أحكام التعريف الحقيقيّ تعبّداً. لكن هذا مرجعه إلى ما ذكره المحقّق الخراسانيّ من التعريف اللفظيّ، والمفروض تصوير تعريف علم الجنس بنحو يكون حقيقيّاً لا لفظيّاً.

وإن اُريد من أخذ هذا التعيّن أخذ منشأ انتزاعه فليس منشأ انتزاعه إلّا نفس المهيّة بحدودها الذاتيّة المحفوظة في اسم الجنس أيضاً لا شيء آخر يضمّ إليها ليتحقّق بذلك التعريف.

الثالث: ما ذكره المحقّق العراقيّ(قدس سره) غير الوجه الأوّل، وهو: أنّ التعيّن المدّعى أخذه في علم الجنس ليس هو التعيّن الذهنيّ بل الإشارتيّ، أو قل: إنّ المقصود بالتعيّن المأخوذ في علم الجنس يكون أمراً من الوجودات الخارجيّة لا الوجودات الذهنيّة. توضيح ذلك: أنّ الإشارة عبارة عن توجّه النفس نحو أمر بنحو مخصوص، وهذا التوجّه غير التصوّر، ببرهان أنّه قد يتّفق للشخص أنّه يتصوّر في ذهنه أمرين ولكن يخصّ أحدهما بالإشارة التي هي التوجّه المخصوص، فلو كان ذلك التوجّه عبارة عن التصوّر لكان مشيراً إلى كليهما لا إلى واحد منهما، وذلك التوجّه يكون من الموجودات الخارجيّة في النفس لا من الموجودات بالوجود الذهنيّ، والمأخوذ في علم الجنس هو التعيّن الثابت في اُفق هذا التوجّه لا التعيّن الثابت في اُفق التصوّر(1).



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 39، ص 496 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم.

490

أقول: ما ذكره من كون هذا التوجّه غير التصوّر في غاية المتانة، وكذلك ما ذكره من كون هذا التوجّه من الموجودات بالوجود الخارجيّ في النفس لا من الموجودات بالوجود الذهنيّ، لكن هذا غير مختصّ بما ذكره من التوجّه بل التصوّر أيضاً كذلك كجميع الحالات النفسانيّة من الحبّ والبغض وغيرهما، فإنّ التصوّر ليس بموجود بوجود ذهنيّ بل موجود بوجود خارجيّ في النفس، وإنّما الموجود بالوجود الذهنيّ هو ما طرأ عليه التصوّر، مثلاً: مَن تصوّر زيداً فقد وجد زيد في ذهنه بالوجود الذهنيّ لا الحقيقيّ، وأمّا نفس التصوّر فهو موجود في عالم نفسه حقيقةً وبالوجود الخارجيّ لا الذهنيّ، وكذلك الأمر في التوجّه كما ذكره المحقّق العراقيّ(قدس سره).

ولكن الإشكال لا ينحلّ بذلك، فإنّ الإشكال هو: أنّ التوجّه ـ الذي هو حقيقة الإشارة ـ أمر ذات إضافة ولابدّ لطرفه من تعيّن حتّى يمكن التوجّه إليه، وبما أنّ هذا التوجّه يكون من عالم النفس كذلك التعيّن المعتبر في طرفه يكون من عالم النفس، ولو اُخذ في الموضوع له لزم عدم انطباق المعنى على الخارجيّات؛ لتقيّده بما يكون من عالم النفس، وما يكون من عالم النفس إنّما يكون وجوده في النفس لا في الخارج المقابل لعالم النفس، فإنّ هذا هو المقصود بلزوم صيرورة المعنى أمراً ذهنيّاً ومن المعقولات الثانويّة، وهذا ـ كما ترى ـ لا ينحلّ بما ذكره المحقّق العراقيّ(قدس سره).

والتحقيق في تصوير أخذ التعيّن الذهنيّ بنحو يمكن ثبوتاً هو أن يقال: إنّه مأخوذ بنحو الاتّصاف لا بنحو العروض. توضيح ذلك: أنّ الاُمور النفسانيّة ذات الإضافة ـ من قبيل التصوّر والحبّ والبغض وغير ذلك ـ عارضة على موضوعها في الذهن الذي هو موجود بنفس هذا الأمر النفسانيّ ولا تعرض على

491

الخارجيّات، ولكنّ الخارجيّات تتّصف بها إذا كان عروضها على ما في الذهن باعتبار مرآتيّته لما في الخارج، مثلاً: لو فرضنا أنّ الشخص أحبّ زيداً لم يعرض من ناحية ذاك الشخص أمر على زيد، غاية الأمر أنّ صورة زيد وجدت بالوجود الحبّيّ في ذهن ذلك الشخص، فالحبّ عارض على تلك الصورة وتلك الصورة متّصفة بالحبّ، ويكون وجود تلك الصورة في ذهنه بنفس وجود الحبّ، ويستحيل عروض الحالة النفسانيّة لذاك الشخص ـ وهي الحبّ ـ على زيد الذي هو موجود خارجيّ، إلّا أنّ دائرة الاتّصاف أوسع من دائرة العروض، فزيد يتّصف بكونه محبوباً مع أنّ الحبّ لم يعرض عليه، والسرّ في اتّصافه بذلك هو انطباق تلك الصورة على زيد وكون محبوبيّتها لأجل انطباقها عليه لا لنفسها مستقلّة، فيكون زيد متّصفاً بالعرض والمجاز بالمحبوبيّة وتلك الصورة متّصفة أوّلاً وبالذات بها، بل يمكن أن يقال: إنّ الأمر بحسب النظر الفلسفيّ وإن كان كذلك ولكن بحسب النظر اللغويّ يكون المتّصف بالمحبوبيّة حقيقة هو نفس زيد لا صورته، والسرّ في ذلك أنّ معنى محبوبيّة الشيء بحسب اللغة في الحقيقة هو وجود صورته في الذهن بالوجود الحبّيّ، وهذا المعنى إنّما ينطبق على زيد لا على صورته كما لا يخفى.

هذا كلّه في الحبّ ويأتي عينه في البغض، فمَن بغض شخصاً اتّصف ذلك الشخص بمبغوضيّته له وإن كانت الحالة النفسانيّة إنّما عرضت على صورته، وذلك لما عرفت من أنّ دائرة الاتّصاف أوسع من دائرة العروض.

ونحوه الكلام في التصوّر، فإنّ مَن تصوّر زيداً فقد عرض تصوّره على صورة زيد ومع ذلك يوصَفُ زيد بأنّه متصوَّرٌ؛ لعين ما عرفت من التقريب.

وعليه فلا إشكال بحسب مرحلة الثبوت والإمكان في أن نلتزم بأنّ علم الجنس موضوع للمهيّة بما هي متعيّنة في الذهن، لا بمعنى أنّها معروضة للتعيّن

492

الذهنيّ حتّى لا تنطبق على ما في الخارج، بل بمعنى أنّها متّصفة بذلك فتنطبق على ما في الخارج؛ لأوسعيّة دائرة الاتّصاف من دائرة العروض.

وبكلمة اُخرى: إنّه لا مانع من انطباق المهيّة المتعيّنة في الذهن على ما في الخارج؛ لأنّ معنى كون المهيّة متعيّنة في الذهن هو تعيّن صورتها في الذهن، ومن الواضح أنّ تعيّن صورة مهيّة في الذهن لا يمنع عن انطباق تلك المهيّة على ما في الخارج، فإذا كانت صورة ماهيّة الرجل موجودة في الذهن فماهيّة الرجل الموجودة في ضمن زيد متعيّنة في الذهن، نظير ما عرفت من أنّ معنى محبوبيّة زيد هو وجود صورته في الذهن بالوجود الحبّيّ بدون أن يمنع ذلك عن خارجيّة زيد.

فدائرة العروض وإن كانت هي صورة الماهيّة والصورة لا توجد في الخارج ولكن دائرة الاتّصاف هي نفس الماهيّة وهي توجد في الخارج أيضاً، هذا.

والآن نريد أن نعمّق الأمر أكثر ممّا مضى فنقول: إنّ تعبيرنا إلى الآن بكون المأخوذ في علم الجنس لمعرفيّته هو التعيّن الذهنيّ كان مشياً على تعبير القوم ذكرناه من باب المسامحة في التعبير، ومراد القوم إن كان هو ظاهر هذه العبارة فغير صحيح، توضيح ذلك: أنّ تعيّن المهيّة في وجودها بالوجود الذهنيّ إنّما هو تعيّن فلسفيّ بملاك قانون أنّ كلّ موجود متعيّن، وليس أخذ التعيّن بمعنى الوجود في المفهوم موجباً للتعرّف اللغويّ وليس داع عقلائيّ لأخذه في المفهوم.

ويؤيّد ما ذكرناه: أنّ جماعة من الاُصوليّين ذهبوا إلى أخذ لحاظ الآليّة في مفهوم الحرف، ونقض عليهم المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) بلزوم القول على هذا بأخذ لحاظ الاستقلاليّة في مفهوم الاسم، ولم يقل أحد إلى الآن بأنّ لازم ذلك كلّه كون كلّ اسم وحرف معرفة لأخذ لحاظ الآليّة والاستقلاليّة الذي هو وجود نفسانيّ فيه،

493

فكذلك الأمر في التعيّن بمعنى الوجود في عالم النفس.

كما أنّه لا يصحّ أيضاً ما أفاده المحقّق العراقيّ(قدس سره) من أخذ التعيّن الإشارتيّ، فإنّ هذا أيضاً تعيّن فلسفيّ مساوق للوجود، وعرفت أنّ أخذ الوجود لا يصيّر المعنى معرفة، غاية الأمر أنّ الإشارة أمر فوق التصوّر وحالها حال الإرادة ونحوها، وهذا لا يكون فارقاً فيما نحن فيه.

ويؤيّد ما ذكرناه: أنّه ذهب جماعة إلى كون الإرادة مأخوذة في الوضع، ولذا وقع البحث في الكفاية عن أنّ الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟ ولم يذكر إلى الآن أحد من القائلين بهذا المذهب ولا من المنكرين عليهم: أنّ أخذ الإرادة مستلزم لمعرفيّة المعنى، وأنت ترى أنّه لا فرق بين التعيّن الإرادتيّ والتعيّن الإشارتيّ.

فالذي ينبغي هو تفسير التعيّن الذهنيّ المأخوذ في علم الجنس بالخلطة الذهنيّة والعهد الذهنيّ العامّ.

توضيح ذلك: أنّه تارة: يستعمل اللفظ ويراد منه ذات المهيّة، واُخرى: يستعمل اللفظ ويراد منه التطبيق على ما استأنس به الذهن سابقاً وذلك كما في العهد الذهنيّ والذكريّ، أو على الحاضر خارجاً وذلك كما في العهد الحضوريّ، وقد وضع كلّ من الضمير واسم الإشارة واللام لذلك، وهذا هو الملاك للتعرّف الحقيقيّ للضمير واسم الإشارة والمعرّف باللام، فلو قيل: (جاءني رجل معه زيد) كان الضمير في (معه) معرفة؛ لأنّ الضمير موضوع للتطبيق على مستأنس سابق ـ كما في هذا المثال ـ أو على أمر حاضر، وعليه فالتعيّن الذي يمكن أخذه في علم الجنس كــ (اُسامة) و(ابن آوى) و(أبو بريص) وغير ذلك يجب أن يكون بمعنى التطبيق على المعهود في الذهن بالعهد العامّ، فإنّ كلّ مهيّة من المهيّات الموضوع لها اسم الجنس معهودة في الذهن واستأنس بها الذهن في وقت من الأوقات،

494

واسم الجنس موضوع لنفس تلك المهيّة بما هي بلا نظر إلى التطبيق، وعلم الجنس موضوع للمهيّة لكن لا بما هي بل بعنوان كون هذه الكلمة إرجاعاً إلى ما عهد به الذهن وتطبيقاً على المأنوس في الذهن، فقولنا: (اُسامة) مساوق لقولنا: (الأسد) إذا فرض اللام لام المهيّة، والمحدوس قويّاً هو أنّ علم الجنس بحسب تأريخ اللغة موضوع بعد وضع اسم الجنس.

هذا تمام الكلام في الجهة الاُولى وهي إمكان أخذ التعيّن الذهنيّ في معنى علم الجنس مع التحفّظ على انطباقه على ما في الخارج.

وأمّا الجهة الثانية ـ وهي: أنّه هل يكون لنا دليل على أخذ هذا التعيّن الذهنيّ في علم الجنس أو لا؟ ـ: فنقول: إنّ إقامة الدليل على ذلك في غاية الإشكال؛ وذلك لأنّ طريق استكشافه منحصر في أمرين:

الأوّل: الرجوع إلى علماء العربيّة، وذلك فيما نحن فيه في غاية الإشكال؛ لأنّهم لا ينقلون أخذ التعيّن في علم الجنس عن العرب، فإنّ العاميّ لا يفهم هذه المطالب وإنّما ذلك حدس منهم، حيث إنّهم فتّشوا عن عبائر الفصحاء فرأوا أنّ علم الجنس قد اُجريت عليه في عبائرهم أحكام المعارف فصاروا بصدد بيان النكتة الفنّيّة لذلك، وأدّى حدسهم إلى أخذ التعيّن الذهنيّ في المعنى الموضوع له، وهذا الحدس لا يفيدنا شيئاً كما هو واضح. نعم، لو كانوا ينقلون ذلك عن العرب لأمكن دعوى الاعتماد عليهم إمّا بدعوى حصول الاطمئنان من كلامهم أو بفرض اجتماع شرائط الشهادة أو غير ذلك، لكن ليس الأمر هكذا.

الثاني: الرجوع إلى فهمنا العرفيّ، وذلك أيضاً فيما نحن فيه في غاية الإشكال، فإنّ علم الجنس ليس متعارفاً في زماننا هذا حتّى يمكننا تشخيص مفاده على التحقيق.

495

نعم، قد يمكن دعوى أنّ عربيّ اليوم يحسّ إجمالاً بالفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس، وهذه الدعوى لو تمّت لم تدلّ على ما مضى من أخذ التعيّن الذهنيّ؛ إذ كما يمكن تفسير الفرق بذلك كذلك يمكن تفسيره بوجهين آخرين، بل لعلّه يظهر بالتأمّل إمكان تفسيره بغيرهما أيضاً:

الوجه الأوّل: أن يفرض أخذ الإطلاق الحدّيّ في الموضوع له علم الجنس فاستعماله في المقيّد مجاز، وبذلك تتحقّق له مرتبة من التعيّن يكون بذلك معرفة؛ إذ لا يبقى مجهولاً وقابلاً للانطباق على كلّ واحد من الأفراد، بل يتعيّن في الانطباق على الجميع والسريان في تمام الأفراد، وإن كان ظاهر كلامهم عدم كون أخذ الإطلاق الحدّيّ موجباً للتعريف؛ إذ ذكر المتقدّمون كون الإطلاق الحدّيّ مأخوذاً في الموضوع له اسم الجنس مع أنّهم لم يقولوا بكون اسم الجنس معرفة.

والإنصاف أنّ هذا الاحتمال أقرب جدّاً من احتمال أخذ ذلك المعنى الدقيق، أعني: التعيّن الذهنيّ في الموضوع له.

الوجه الثاني: أن يقال: إنّ علم الجنس كان ابتداءً علماً لشخص واحد من أفراد الجنس ثمّ غلب على الجنس وبقيت عليه أحكام المعرفة، وذلك إمّا بأنّه كان أوّلاً علماً لفرد فرضيّ وخياليّ كانوا يفرضونه جامعاً لتمام خصوصيّات ذلك الجنس على الوجه الكامل، نظير ما يصنع في زماننا من صورة مجسّمة تسمّى بــ (الجنديّ المجهول) وفي الفارسيّة بــ (سرباز گمنام)، أو بأنّه كان علماً لفرد حقيقيّ من ذلك الجنس ثمّ غلب استعماله في الجنس، وهذا وإن لم نجد نظيره في العرب ولكن نظيره ما كان في بعض الطوائف الاُخرى من العبادة الطوطميّة، حيث إنّ كلّ قبيلة منهم كانوا يعيّنون فرداً من أفراد جنس خاصّ من الحيوانات فكانوا يعبدونه وكانوا يسمّونه بالطوطم وكأنّ تقدّسه كان يسري إلى جميع أفراد ذلك الجنس

496

فكانوا يقدّسون جميع أفراده، وإذا مات الطوطم كانوا يخلّفونه فرداً آخر من ذلك الجنس فيسمّى أيضاً بذلك الاسم ويُعبد، وهذه فكرة نظير فكرة ربّ النوع عند الحكماء اليونانيّين.

وهذا الاحتمال أيضاً أقرب ممّا ذكروه ولا استبعاد فيه بل وقع نظيره في زماننا؛ إذ بعد وفات السيّد أبي الحسن الموسويّ ـ رضوان الله عليه ـ دخل أحد الأعراب النجف وكان يَسأل عن أنّه أين السيّد أبو الحسن؟ بتخيّل أنّ كلّ مَن يقوم مقام السيّد في رئاسته وزعامته في الدين والمرجعيّة يسمّى بالسيّد أبي الحسن، فلو كانت تبقى هذه الفكرة وتنتشر في الأذهان كان يصبح هذا الاسم ـ بعد كونه علماً لفرد واحد من الرئيس والمرجع الحوزويّ ـ علم الجنس لذلك بهذا المعنى.

وهذا الوجه الثاني أقرب في النظر من الوجه الأوّل.

 

المعرّف باللام:

البحث الثاني: في المعرّف باللام.

المشهور فيما قبل المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) ـ على ما نسبه هو إليهم ـ أنّ اللام بجميع أقسامها عدا لام العهد الذهنيّ موضوعة للتعيين(1).

وكأنّ الوجه في استثنائهم للام العهد الذهنيّ هو التجنّب عن ورود إشكال صاحب الكفاية عليهم من أنّ أخذ التعيّن الذهنيّ يقتضي عدم الانطباق على ما في الخارج.



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 380 بحسب الطبعة المشتملة في حواشيها على تعاليق المشكينيّ.

497

ومع ذلك أورد صاحب الكفاية إشكاله عليهم وقال: إنّ لام الجنس لو كانت موضوعة للتعيين فالتعيّن المأخوذ في المعرّف بلام الجنس هو التعيّن الذهنيّ ويلزم عدم الانطباق على ما في الخارج.

ومن هنا ذهب(قدس سره) إلى دعوى عجيبة وهي إنكار كون اللام في اللغة العربيّة موضوعة لشيء وأنّ اللام دائماً للتزيين نظير اللام في الحسن والحسين(1).

أقول: كون اللام في أصل المقيس عليه للتزيين بعيد جدّاً، بل المحدوس قويّاً أنّ اللام دخلت عليهما لبقايا معنى الوصفيّة فيهما.

وعلى أيّ حال فقد عرفت في علم الجنس بطلان إشكال المحقّق الخراسانيّ وإمكان أخذ التعيّن الذهنيّ في الموضوع له، وعرفت أنّ المختار في معنى أخذ التعيّن هو كون اللفظ موضوعاً للتطبيق على مُستأنَس سابق، وهذا الأمر في باب علم الجنس كان احتماليّاً ولم يقم عليه دليل في مقام الإثبات، وأمّا فيما نحن فيه فالفهم العرفيّ يدلّنا على ذلك، فإنّا نفهم من اللام التطبيق على ما في الخارج أو مستأنس ذهنيّ، أمّا الأوّل فهو لام العهد الحضوريّ كقولنا: (أكرم هذا الرجل)، وأمّا الثاني فهو لام العهد الذهنيّ وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما اصطلحوا عليه بلام العهد الذهنيّ كقولك: (أكرم الرجل) قاصداً للفرد المعهود في السابق.

والثاني: ما اصطلحوا عليه بلام العهد الذكريّ كقوله: (جاءني رجل فأكرمت الرجل)،

فإنّ العهد الذكريّ أيضاً في الحقيقة مرجعه إلى العهد الذهنيّ؛ إذ اللام



(1) راجع المصدر السابق.

498

اُدخلت على كلمة (رجل) تطبيقاً لها على ما استأنس به الذهن سابقاً بسبب الذكر السابق.

والثالث: لام الجنس، فإنّها في الحقيقة تكون للعهد الذهنيّ العامّ كما مضى آنفاً في علم الجنس.

وذهب المحقّق العراقيّ(قدس سره) إلى عدم إفادة لام الجنس لمعنى، لكن لا لما ذكره المحقّق الخراسانيّ من إشكال أخذ التعيّن الذهنيّ، فإنّه قد أجاب عنه كما مضى ذكره في علم الجنس، بل لوجه آخر وهو: أنّها لو كانت للتعيّن ـ الذي هو عنده عبارة عن التعيّن الإشارتيّ كما مضى ـ لزم عدم صحّة إدخال اسم الإشارة على المعرّف بلام الجنس بأن يقال: (هذا الرجل) مشيراً إلى الجنس؛ لاستلزامه اجتماع إشارتين على شيء واحد، ويستحيل أن تجتمع إشارتان ـ بمعناها الحقيقيّ من التوجّه النفسانيّ الخاصّ ـ في نفس شخص واحد في آن واحد إلى شيء واحد وإنّما له توجّه واحد إليه لا توجّهان(1).

ويرد عليه:

أوّلاً: ما عرفت من أنّ لام الجنس لا تدلّ على الإشارة وإنّما تدلّ على التطبيق على مفهوم عامّ، فلم يلزم اجتماع إشارتين على شيء واحد.



(1) لا يخفى أنّ المحقّق العراقيّ(رحمه الله) فصّل بين اللام الداخلة على اسم الجنس المصدّر بكلمة (هذا) فادّعى أنّها للزينة، وبين غير المصدّر بذلك فوافق على كونها لام التعريف. راجع المقالات، ج 1، ص 500 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، والتفت إلى زيادة كلمة (لا) في السطر 14. وراجع نهاية الأفكار، ج 1 ـ 2، ص 565 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

499

نعم، اسم الإشارة أيضاً يدلّ على التطبيق؛ لما مضى من أنّ السرّ في تعرّفه أيضاً هذا، ولكن هذان التطبيقان ليسا بشكل واحد؛ إذ اللام في (الرجل) تطبِّق مفهوم (الرجل) على معهود استأنس به الذهن سابقاً، وإدخال كلمة (هذا) على كلمة (الرجل) يدلّ على أنّ مفهوم (هذا) الذي هو مفهوم مبهم منطبق على مفهوم (الرجل) الذي يعدّ في قبال مفهوم (هذا) مبيّناً، أي: أنّ كلمة (هذا) موضوعة لمفهوم مبهم بما هو منطبق على مفهوم يكون بالنسبة إليه مبيّناً، في حين أنّ اللام موضوعة لجعل مدخولها منطبقاً على مستأنس سابق، ولا محذور في الجمع بين هذين التطبيقين؛ لاختلافهما سنخاً.

وثانياً: لو سلّمنا دلالة اللام على الإشارة قلنا: إنّ دلالة كلمتين على الإشارة لا تستلزم تعدّد الإشارة واقعاً؛ لإمكان تعدّد الدليل واتّحاد المدلول.

فكلمة (هذا) إمّا تدلّ على ذات الإشارة، ومن الممكن كونها عين الإشارة المستفادة من اللام، أو أنّها ـ كما هو الحقّ ـ ليست دالّة على ذات الإشارة التي هي معنى حرفيّ بل تدلّ على معنى مشار إليه، ولذا يصحّ الإخبار عنه بقولنا مثلاً: (هذا عالم)، وضمّ كلمة (هذا) إلى مدخولها ـ وهو (الرجل) مثلاً ـ يدلّ على أنّ المعنى المشار إليه المستفاد من كلمة (هذا) هو عين المشار إليه بكلمة (الرجل)، وهذا أيضاً ـ كما ترى ـ غير مسألة اجتماع إشارتين على شيء واحد، وليس في الكلام ما يدلّ على وجود إشارتين أصلاً.

نعم، لو كانت كلمة (هذا) تدلّ على ذات الإشارة أو على معنى مشار إليه، وكانت الإشارة إلى (رجل) المعرّف باللام، أي: كانت الإشارة في (هذا) في طول الإشارة المأخوذة في اللام لزم تعدّد الإشارة وثبت ما ذكره من المحذور، ولكنّنا لا نقول كذلك.

500

 

التعرّف الأعمّ وما يقابله من التنكّر

المقام الثاني: في التعرّف الأعمّ وما يقابله من التنكّر، وهذا التعرّف ـ كما مضى ـ شامل لعلم الجنس واسم الجنس المعرّف باللام والمنوّن بتنوين التمكين، وفي قباله التنكّر الثابت في المنوّن بتنوين التنكير(1)، وهذا بخلاف التعرّف الأوّل الذي كان مختصّاً بالقسمين الأوّلين.

وبين هذين التعرّفين فرق، وهو: أنّ التعرّف الأوّل الثابت في علم الجنس احتمالاً وفي المعرّف باللام حتماً يكون ناشئاً عن أخذ خصوصيّة زائدة في اسم الجنس، وأمّا هذا التعرّف فليس ناشئاً عن أخذ خصوصيّة زائدة، وإنّما هو في قبال تنكّر زائد حصل في المنوّن بتنوين التنكير ناش من أخذ خصوصيّة زائدة فيه أوجبت تعمّق الكلمة في النكارة واشتداد النكارة فيها.

فظهر: أنّ مفهوم اسم الجنس إنّما يظهر بطبيعته الأوّليّة بلا أخذ خصوصيّة زائدة في خصوص القسم الثالث.

كما ظهر: أنّ البحث هنا يجب أن يكون في النكرة؛ لأنّها المشتملة على خصوصيّة زائدة فيبحث عن تلك الخصوصيّة:

 

الكلام في النكرة:

إنّ تلك الخصوصيّة جاءت من قِبل التنوين، وأثر التنوين فيها سلخه عن قابليّة التعيّن بقسميه، توضيح ذلك: أنّ اسم الجنس وإن لم يكن في نفسه متعيّناً بالفعل



(1) كأنّه يقصد(رحمه الله) به تنوين الوحدة.

501

لكن يقبل طروّ التعيّن عليه بأخذ خصوصيّة زائدة بنحوين:

الأوّل: أن يتعيّن في الاستغراق بواسطة مقدّمات الحكمة كما في قولنا: (أكرم العالم)، أو بواسطة أداة العموم كما في قولنا: (أكرم كلّ عالم).

الثاني: أن يتعيّن في أقصى مراتب الضيق كما في قولنا: (أكرم هذا العالم) عند الإشارة إلى فرد خاصّ.

وإذا دخل تنوين التنكير على الكلمة أفاد قيد الوحدة ببرهان عدم الاستغراق في قولنا: (أكرم عالماً) مع أنّك عرفت أنّ مقتضى طبع الإطلاق في الموضوع هو الشموليّة لا البدليّة، فالبدليّة تحتاج إلى قيد وليس ذلك إلّا قيد الوحدة، فظهر: أنّ تنوين التنكير يدلّ على قيد الوحدة المعاند للاستغراق والشمول.

ومنه يظهر: أنّ التنوين في قولنا: (أكرم كلّ عالم) تنوين التمكين لا تنوين التنكير؛ لأنّ تنوين التنكير يدلّ على قيد الوحدة المعاند للاستغراق، فالتنوين وإن كان في نفسه مع قطع النظر عن صارف له ظاهراً في تنوين التنكير لكن كلمة (كلّ) قرينة على أنّه تنوين التمكين، كما أنّ الامتنان في قوله تعالى: ﴿أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً﴾ قرينة على أنّ التنوين تنوين التمكين لا التنكير، بأن يكون المراد: أنزلنا من السماء ماءً واحداً طهوراً، ولا فرق بينهما صورةً وإنّما الفرق بينهما بالقصد.

فتنوين التنكير يسلخ اسم الجنس عن قابليّته للتعيّن بالنحو الأوّل من ناحية دلالته على قيد الوحدة، ويسلخه أيضاً عن قابليّته للتعيّن بالنحو الثاني، أعني: التعيّن من ناحية الضيق.

وليس المراد بذلك أنّه لا يجوز أن يكون نظر المتكلّم إلى فرد خاصّ، فإنّ ذلك جائز لا مانع عنه، وذلك كما في قولك: (جاءني رجل)، بل المراد بذلك أنّ

502

تنوين التنكير يمنع عن قابليّة مفهوم اسم الجنس لتضييقه إلى حدّ لا ينطبق إلّا على فرد واحد، فظهر: أنّ ذلك غير منقوض بمثل قولك: (جاءني رجل)، فإنّ مفهوم (رجل) باق على سعته الموجبة لقابليّة الانطباق على أيّ فرد من الأفراد.

والبرهان على ما ذكرناه من أنّ تنوين التنكير يسلخ الاسم عن قابليّته للتعيّن بالنحو الثاني هو: أنّك عرفت أنّ تنوين التنكير يدلّ على قيد الوحدة، ونحن في مورد طروّ التعيّن بالنحو الثاني لا نفهم من الكلام قيد الوحدة، مثلاً لو قال المتكلّم: (أكرم رجلاً جاءك أمس) وقصد التعيين لم يكن المفهوم من كلامه قيد الوحدة، نعم، مفهوم كلمة (رجل) ضُيِّق بسبب قوله: (جاءك أمس) بحيث لا يقبل الانطباق إلّا على فرد واحد والتنوين فيه تنوين التمكين لا التنكير؛ لعدم دلالته على قيد الوحدة.

ولا بأس هنا بإلفات النظر إلى أمر، وهو: أنّه إذا قال المتكلّم: (أكرم رجلاً جاءك أمس) وفرضنا أنّ المخاطب جاءه أمس رجلان أو أزيد لا رجل واحد فمسألة كون التنوين تنوين التمكين أو تنوين التنكير مسألة راجعة إلى قصد المتكلّم، فإن قصد المتكلّم تضييق مفهوم (رجل) وتطبيقه على فرد خاصّ كان قد جاء المخاطب أمس فالتنوين تنوين التمكين بدليل قصد التعيين، وليس الشرط في إرادة هذا الضيق المفهوميّ أن لا يكون الجائي إلّا فرداً واحداً ولا أن يكون المتكلّم معتقداً بذلك، وكان المأمور بإكرامه بناءً على هذا الفرض واحداً معيّناً منهما في نظر المتكلّم، فإن لم يعرفه المخاطب بالقرينة كان له أن يسأل عن أنّ أيّ واحد منهما واجب الإكرام، وإلّا كان التنوين مفيداً لقيد الوحدة فكان تنوين التنكير وكان الواجب إكرام أحدهما تخييراً، وكان هذا الكلام نظير قولك: (أكرم رجلاً جائياً).

503

بقي في المقام ذكر ما أفاده المحقّق العراقيّ(قدس سره) في بحث النكرة وما يرد عليه، فقد أفاد(رحمه الله) في المقام: أنّ كون المأخوذ في النكرة قيد الوحدة غير صحيح، فإنّ الوحدة مفهوم من المفاهيم حاله حال أصل مفهوم اسم الجنس، وضمّه إليه لا يوجب التنكّر وعدم الانطباق إلّا على فرد واحد غير معيّن، بل المأخوذ في النكرة هو التشخّص لكن لا بمعنى تشخّص الفرد في قبال باقي الأفراد بل بمعنى تشخّصه في نفسه(1).

أقول: لا يخفى أنّ الوحدة لها معنيان:

الأوّل: الوحدة في قبال الكثرة، وهذا هو المعنى المراد في قولنا: (العدد مركّب من آحاد)، وقولنا: (الواحد قبل الكثير)، وقولنا: (الواحد موجود في ضمن الكثير). وأخذ مفهوم الوحدة بهذا المعنى لا يوجب التنكّر ولا يكون معانداً للاستغراق، كيف وتدخل كلمة (كلّ) على نفس كلمة (واحد) فيقال: (أكرم كلّ واحد من العلماء).

الثاني: ما هو مقصودنا من قيد الوحدة فيما نحن فيه وهو بمعنى الواحد فقط وبشرط لا(2)، وهذا ـ كما ترى ـ ليس حاله حال مفهوم اسم الجنس، بل اسم الجنس بتقيّده بذلك يخرج عن قابليّة الانطباق على تمام الأفراد على سبيل الاستغراق، فما أورده المحقّق العراقيّ(قدس سره) على كون المأخوذ في النكرة قيد الوحدة غير صحيح.



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 39، ص 497 ـ 499 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم، ونهاية الأفكار، ج 1 ـ 2، ص 565 ـ 566 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(2) يقصد(رحمه الله) بشرط لا من ناحية هذا الكلام، فلا يرد عليه: أنّه يلزم من افتراض بشرط لا أنّه لو قال المولى: (أكرم رجلاً) فأكرم رجلين في آن واحد لم يمتثل.

504

وأمّا ما ذكره من أنّ المأخوذ هو التشخّص والتعيّن للفرد لا في قبال سائر الأفراد بل في نفسه، فيرد عليه: أنّ التعيّن تارة: يراد منه التعيّن المفهوميّ بمعنى تحصّص المفهوم وكونه حصّة خاصّة، واُخرى: يراد منه التعيّن الخارجيّ:

فإن اُريد الأوّل كان مرجعه إلى ما ذكرناه من تحصّص المفهوم وتقيّده بقيد الوحدة بالمعنى الثاني.

وإن اُريد الثاني فالتعيّن الخارجيّ للشيء في نفسه مساوق لتعيّنه في قبال باقي الأفراد، فإنّ تعيّن شيء في نفسه خارجاً عبارة عن وجوده في الخارج، وكلّ فرد موجود في الخارج فهو متعيّن ومتميّز في قبال باقي الأفراد لا محالة، وعندئذ نقول: إن كان مراده بأخذ تعيّن الفرد خارجاً هو تعيّن فرد خاصّ فهو معيّن في قبال باقي الأفراد ولم يتحقّق بذلك الإطلاق البدليّ، بل اختصّ الحكم بفرد واحد مخصوص، وإن كان مراده تعيّن فرد مردّد بين الأفراد(1) فوجود الفرد المردّد في الخارج محال.

هذا تمام الكلام في حالات اسم الجنس.

ثمّ إنّك بعد ما عرفت من أنّ اسم الجنس موضوع لذات المهيّة لا للمطلق الحدّيّ ـ وإلّا فلعلّه كان يعدّ معرفة ـ ظهر: أنّنا نحتاج في اقتناص الإطلاق إلى دالّ آخر، وهو ما يسمّى بمقدّمات الحكمة فلابدّ من الكلام فيها.

 



(1) وهذا ما نفاه(رحمه الله) في عبارته في المقالات.

505

 

الكلام في مقدّمات الحكمة

إنّ البحث في مقدّمات الحكمة يشبه البحث الإنّيّ لا اللمّيّ، بمعنى أنّنا لسنا بصدد إثبات الدلالة الإطلاقيّة ـ فإنّها ثابتة بالوجدان ـ بل بصدد بيان ما هي النكتة وما هو الملاك لما نراه بالوجدان من دلالة مثل قوله: (أكرم العالم) على الإطلاق، حتّى إذا استكشفنا النكتة أو الملاك في ذلك نفعنا هذا الاستكشاف في فهم دائرة الإطلاق سعةً وضيقاً وقد يختلف ذلك باختلاف الملاكات المفترضة.

ومجموع ما ذكروه من المقدّمات أربع: اُولاها ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، ورابعتها ما اختصّ به إبداعاً واختياراً المحقّق الخراسانيّ(قدس سره)، والمتوسّطتان ما ذكرهما جميع المحقّقين المعروفين.

المقدّمة الاُولى: أن يكون التقييد ممكناً، وهذا هو الذي ذكره المحقّق النائينيّ(قدس سره).

والمحقّق النائينيّ(رحمه الله) يؤمن بذلك في مرحلتين: في مرحلة الثبوت، وفي مرحلة الإثبات.

أمّا المرحلة الاُولى: فقد وقع الخلاف بلحاظها في أنّ استحالة التقييد في مرحلة الثبوت هل توجب استحالة الإطلاق كما ذهب إليه المحقّق النائينيّ(رحمه الله)؛ لكون التقابل بينهما عنده تقابل العدم والملكة، أو توجب ضرورة الإطلاق كما ذهب إليه السيّد الاُستاذ دامت بركاته، أو لا توجب شيئاً منهما، بل توجب ضرورة الإطلاق الذاتيّ؛ لكون تقابله مع التقييد تقابل التناقض، أي: أنّ السعة الثابتة في الإطلاق الذاتيّ والمحفوظة في الإطلاق الحدّيّ أيضاً تكون متناقضة للتقييد فتتعيّن باستحالته.

506

وقد مضى بسط الكلام في ذلك في بحث التعبّديّ والتوصّليّ ومضى هناك ما ذكره المحقّق النائينيّ من كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة مع ردّه، ولم يكن هذا هو مقصودنا في المقام.

وأمّا المرحلة الثانية: فهي المقصودة لنا هنا فنقول: لا إشكال ـ كما أفاده المحقّق النائينيّ(رحمه الله) ـ في أنّ من شرائط استفادة الإطلاق إثباتاً كون التقييد في عالم الإثبات ممكناً حتّى يقال: إنّه لو كان هناك قيدٌ لبيّنه فنستكشف من عدم بيانه انتفاء القيد، وأمّا لو فرض عدم إمكان التقييد في عالم الإثبات فمن الواضح أنّ عدم بيانه عندئذ لا يدلّ على عدم القيد؛ إذ المفروض استحالة بيانه، فكيف يقال: إنّه لو كان هناك قيد لبيّنه؟!

ويمثّل لذلك بقصد الامتثال وعدمه وبالعلم والجهل لكونهما من الانقسامات اللاحقة للخطاب، فلا يمكن تقييد الخطاب بها وإنّما يمكن تقييد الخطاب ببعض الأقسام فيما إذا كان الانقسام ثابتاً في المرتبة السابقة على الخطاب لا فيما إذا كان الانقسام إنّما يتحقّق بالنظر إلى الخطاب، كالعلم بالخطاب وعدمه وامتثال الخطاب وعدمه.

وتحقيق ذلك صحّةً وبطلاناً موكول إلى محلّه، وإنّما كان المقصود هنا بيان الكبرى، وهي: أنّه مع فرض عدم إمكان التقييد إثباتاً لا يتمّ الإطلاق في مقام الإثبات. نعم، الكشف عن الإطلاق الثبوتيّ فيما إذا كان التقييد غير ممكن حتّى في عالم الثبوت من نفس عدم إمكان التقييد مطلب آخر غير مربوط بما نحن فيه.

المقدّمة الثانية: أن يكون المولى في مقام البيان، والمشهور المرتكز في الأذهان في معنى هذه المقدمّة هو كون المولى في مقام بيان تمام مراده الجدّيّ.

ولكنّ المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) عدل عن هذا التفسير إلى التفسير بكونه في مقام

507

بيان تمام مراده قانوناً وحجّةً، أي: في مقام بيان أنّ الحجّة على ما ذكره هو تمام مراده الجدّيّ ليأخذ بها العبد مهما شكّ في قيد ولم تكن حجّة أقوى عليه، بتوهّم أنّه لو كان معنى هذه المقدّمة كون المولى في مقام بيان تمام مراده الجدّيّ حقيقة لزم عدم تماميّة الإطلاق وانتفاؤه رأساً بعد الظفر بتقييد واحد؛ لأنّه يستكشف بذلك أنّه لم يكن في مقام بيان تمام المراد فتنثلم بذلك هذه المقدّمة، وهذا بخلاف تفسير هذه المقدّمة بأنّ المولى كان في مقام بيان القاعدة والقانون، أي: أنّه ذكر الكلام الكذائيّ بلا قيد بداعي كونه حجّة للعبد عند الشكّ في القيد، وهذا ـ كما ترى ـ لا ينثلم بورود القيد.

وقد ذكر(رحمه الله) عين ما ذكره هنا تفسيراً لهذه المقدّمة في باب العمومات أيضاً، فقال: إنّ المولى يأتي بالعموم ليكون قاعدة وقانوناً للعبد يرجع إليها عند الشكّ في التخصيص.

أقول: إنّ كلاًّ ممّا اختاره من التفسير لهذه المقدّمة وما أورده على التفسير الأوّل غير صحيح.

أمّا ما ذكره من التفسير: فهذا إنّما يكون معقولاً في باب العموم لا في باب الإطلاق، توضيح ذلك: أنّه في باب العموم يكون الظهور الوضعيّ هو الحجّة، والظهور الوضعيّ لأداة العموم في العموم ثابت في الرتبة السابقة على بيان المولى، فقد يقال: إنّ المولى أتى بأداة العموم بداعي بيان الحجّة والقانون للعبد. وأمّا في باب الإطلاق فليس هناك ظهور وضعيّ حتّى يقال: إنّ المولى أتى به بداعي بيان الحجّة والقانون للعبد، وإنّما الحجّة للعبد هو نفس الظهور الإطلاقيّ الذي هو في طول كون المولى في مقام البيان، وليس هناك شيء في الرتبة السابقة حتّى يقال: إنّ المولى في مقام بيانه بداعي كونه حجّة وقانوناً للعبد عدا المراد الجدّيّ،

508

فالصحيح تفسير هذه المقدمّة بكون المولى في مقام بيان تمام مراده الجدّيّ كما هو المشهور.

وأمّا ما أورده على التفسير المشهور ـ من لزوم انثلام هذه المقدّمة بمجرّد ورود قيد فلا يتمّ بعد ذلك الإطلاق رأساً ـ: فهو إنّما يتمّ لو قلنا بعدم انحلاليّة الظهورات، وليس الأمر كذلك فإنّ الصحيح انحلاليّتها، ولولا ذلك لم يكن العامّ المخصّص بالمنفصل أيضاً حجّة في الباقي.

ثمّ إنّ لاقتناص الإطلاق من هذه المقدّمة مسلكين:

المسلك الأوّل: ما نسمّيه بالمسلك البرهانيّ، وهو: أنّه بعد أن فرض أنّ غرض المولى هو بيان تمام المراد الجدّيّ فلا محالة يثبت عدم دخل قيد لم يذكره المولى، وذلك ببرهان قبح نقض الغرض أو استحالته، والتحقيق هو استحالته.

وهذا المسلك إنّما يتمّ على مبنيين:

الأوّل: المبنى المختار، وهو: أنّه يكفي في توسعة دائرة الحكم ـ بحسب الأفراد ـ الإطلاق الذاتيّ بمعنى السعة الناشئة من نفس الحدود الذاتيّة، ولا نحتاج إلى إثبات الإطلاق الحدّيّ الذي هو في مقابل التقييد.

وبكلمة اُخرى: يكفي في توسعة الحكم كون تمام الموضوع الطبيعة المهملة بحدّها الذاتيّ، فالذي نحتاج إلى إثباته في هذا المقام إنّما هو عدم القيد، ويكفي في إثباته ما هو المفروض من كون المولى في مقام البيان الثابت بالأصل العقلائيّ؛ لما عرفت من استحالة نقض الغرض؛ فإنّه لو كان تمام الموضوع هو الطبيعة المهملة فقد بيّنه في كلامه؛ إذ اللفظ موضوع للطبيعة المهملة فلم يتحقّق نقض للغرض، ولو كان هناك جزء أو قيد للموضوع لم يبيّنه فقد حصل نقض الغرض.

والثاني: مبنى المحقّق العراقيّ(قدس سره)، وهو: أنّ الإطلاق الذي في مقابل التقييد