367

 

فصل في الموصَى له:

(مسألة: 1) لا تصحّ الوصيّة للمعدوم(1) وإن كان متوقّع الوجود في المستقبل، مثل أن يوصي لأولاد ولده الذين لم يولدوا، ولا تصحّ للحمل إلّا إذا انفصل حيّاً (2)، وتصحّ للذمّيّ وللحربيّ.

(مسألة: 2) إذا أوصى لجماعة ذكوراً أو إناثاً أو ذكوراً وإناثاً بمال اشتركوا فيه على السويّة، وكذا إذا أوصى لأبنائه وبناته، أو لأعمامه وعمّاته، أو أخواله وخالاته، أو أعمامه وأخواله، فإنّ الحكم في الجميع التسوية، إلّا أن تقوم القرينة على التفصيل، مثل أن يقول: على كتاب الله، أو نحو ذلك، فيعطى للذكر مثل حظّ الاُنثيين.



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «إذا كانت الوصيّة تمليكيّة اعتبر فيها وجود الموصى له عند موت الموصي وإن كان معدوماً عند الوصيّة، وإذا كانت عهديّة صحّت مطلقاً، فإذا لم يوجد الموصى له صرف المال في وجوه البرّ التي تنفع الميّت». وهذا كلام متين(1).

(2) الوصيّة للحمل ظاهرة في الوصيّة التمليكيّة، فإن انفصل حيّاً ملكه، وإن مات قبل وفاة الموصي فلا إشكال في بطلان الوصيّة، وهذا غير داخل في مقصود المصنّف، وإن مات بعد وفاة الموصي انتفى موضوع التمليك.


(1) أمّا الوصيّة التمليكيّة، فمن الواضح أنّها تتطلّب عقلائيّاً وجود المملّك له عند موت الموصي، وأمّا حين حياة الموصي فالمال لا زال ملكاً للموصي. وأمّا الوصيّة العهديّة فلا نكتة فيها لشرط وجود الموصى له عند موت الموصي، فتنفذ الوصيّة، ويستثنى المال من الإرث، ويبقى في ملك الموصي الميّت، فلو لم يتحقّق للموصى له وجودٌ صُرِف في وجوه البرّ التي تنفع الميّت.

368

 

فصل في الوصيّ:

(مسألة: 1) يجوز للموصِي أن يعيّن شخصاً لتنفيذ وصاياه، ويقال له: الوصيّ. ويشترط فيه اُمور (1):

الأوّل: البلوغ (2)، فلا تصحّ الوصاية إلى الصبيّ منفرداً إذا أراد منه التصرّف في حال صباه مستقلاًّ، أمّا لو أراد أن يكون تصرّفه بعد البلوغ أو مع إذن الوليّ فالمشهور بطلان الوصيّة، ولا يخلو من نظر (3). وتجوز الوصاية إليه منضمّاً إلى الكامل، سواء أراد أن لا يتصرّف الكامل إلّا بعد بلوغ الصبي، أم أراد أن يتصرّفمنفرداً قبل بلوغ الصبيّ، لكن في الصورة الاُولى إذا كان عليه تصرّفات فوريّة



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ما يشترط من تلك الاُمور يعتبر توفّره في ظرف فعليّة الوصاية الذي يترقّب فيه من الوصيّ ممارسة وصايته، لا حين إنشاء الوصيّة» وما أفاده(قدس سره) واضح لا غبار عليه.

(2) الأحوط إن لم يكن الأقوى أن يخصّص وصيّته بمن هو بالغ حين التنفيذ(1).

(3) والأقرب عدم البطلان فيما لو أراد تصرّفه بعد البلوغ. وأمّا لو أراد تصرّفه مع إذن الوليّ ففيه إشكال(2).


(1) لصحيح الصفّار «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا، وفيهم صغار: أيجوز للكبار أن ينفّذوا وصيّته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقّع(عليه السلام): نعم، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 50 من الوصايا، ح 1، ص 375، فإنّه يمكن أن يستظهر من ذلك أنّ تصرّف الصغار حتّى في أداء الدين موجّل إلى حين الإدراك، فضلاً عن تنفيذ الوصيّة.

(2) لما مضى من صحيح الصفّار.

369

كوفاء دين ونحوه(1) يتولّى ذلك الحاكم الشرعيّ، وإذا أطلق الوصايةإلى الصبيّ مع البالغ فالظاهر أنّه يجوز للبالغ التصرّف قبل بلوغ الصبيّ (2)،وليس له الاعتراض عليه فيما أمضاه البالغ إلّا أن يكون على خلاف ما أوصى به الميّت.

الثاني: العقل، فلا تصحّ الوصيّة إلى المجنون في حال جنونه، سواء أكان مطبقاً أم أدواريّاً، وإذا أوصى إليه في حال العقل ثمّ جُنَّ بطلت الوصاية إليه، وإذا أفاق بعد ذلك لم تَعُدْ(3) إلّا إذا نصّ الموصِي على عودها حينئذ.

الثالث: الإسلام، إذا كان الموصِي مسلماً (4).

(مسألة: 2) الظاهر عدم اعتبار العدالة في الوصيّ، بل يكفي الوثوق والأمانة. هذا في الحقوق الراجعة إلى غيره كأداء الحقوق الواجبة والتصرّف في مال الأيتام ونحو ذلك، أمّا ما يرجع إلى نفسه كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات والقربات ففي اعتبار الوثوق به إشكال وإن كان هو الأظهر (5).

(مسألة: 3) إذا ارتدّ الوصيّ بطلت وصايته (6)، ولا تعود إليه إذا أسلم إلّا



(1) من الواجبات كالصلاة والصوم.

(2) إن قصد بذلك «أو احتُمِل كون قصده بذلك» تخصيص وصاية البالغ بصورة موافقة الصبيّ، ولم يقدر البالغ على جلب موافقة الصبيّ، فقد سقطت وصايته.

(3) إن كان الوصيّ مسبوقاً بالإفاقة من جنون سابق حين الإيصاء إليه، وكان الموصي ملتفتاً إلى ذلك، فالظاهر أنّ إطلاق وصيّة الموصي شامل لحالة إفاقته، وإلّا ففي ثبوت الإطلاق لكلام الموصي وعدمه إشكال، إلّا إذا نصّ الموصي بذلك.

(4) في شرط الإسلام تأمّل، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره)؛ لعدم دليل واضح عليه.

(5) بل لا ظهور فيه، كما أفاده اُستاذنا(قدس سره).

(6) مضى التأمّل في شرط الإسلام.

370

إذا نصّ الموصِي على عودها.

(مسألة: 4) إذا أوصى إلى عادل ففسق: فإن ظهر من القرينة التقييد بالعدالة بطلت الوصيّة، ولن تعود بعود العدالة(1) إلّا إذا نصّ الموصي على عودها، وإن لم يظهر من القرينة التقييد بالعدالة لم تبطل، وكذا الحكم إذا أوصى إلى الثقة.

(مسألة: 5) تجوز الوصاية إلى المرأة على كراهة (2)، والأعمى، والوارث.

(مسألة: 6) إذا أوصى إلى الصبيّ والبالغ فمات الصبيّ قبل بلوغه، أو بلغ مجنوناً ففي جواز انفراد البالغ بالوصيّة قولان، أقربهما ذلك (3)، وأحوطهما



(1) المرجع في كلّ هذا هو الظهور العرفيّ، فقد يكون الظهور في قيد العدالة بمعنى عدم حدوث الفسق، فبحدوث الفسق تنتهي الوصاية، وقد يكون الظهور في قيد العدالة الفعليّة، بمعنى الظهور في عود الوصاية بعود العدالة، وقد يكون الأمر مجملاً، فلا يثبت رجوع الوصاية برجوع العدالة.

(2) مقتضى حمل كلام الماتن على الصحّة أن يكون المقصود الاحتياط الاستحبابيّ(1).

(3) إن كان إيصاؤه للبالغ قبل بلوغ الصبيّ قرينة على جواز انفراد البالغ بالوصاية قبل بلوغ الصبيّ، فلا يبعد أن يكون هذا قرينة أيضاً على أنّه لو مات بعد بلوغه استقلّ الأوّل بالوصاية.

نعم، لو لم يكن لأحدهما استقلال في زمان، لزم الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ ليضمّ إليه آخر.


(1) فإنّ مصدر هذا الكلام ليس إلّا خبر السكونيّ عن الصادق(عليه السلام) عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) عن عليّ(عليه السلام) قال: «المرأة لا يوصى إليها؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَلاَ تُؤتُوا السُفَهَاءَ أمْوَالَكُم﴾». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 53 من الوصايا، ح 1، ص 379. ونحوه خبر آخر، وهو الحديث 2 من نفس المصدر، وأنت ترى ما في الاستدلال بذلك من أكثر من إشكال.

371

الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ فيضمّ إليه آخر.

(مسألة: 7) يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو الانضمام وعلى نحو الاستقلال، فإن نصّ على الأوّل فليس لأحدهما الاستقلال بالتصرّف، لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه، وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه ضمّ الحاكم آخر إلى الآخر، وإن نصّ على الثاني جاز لأحدهما الاستقلال، وأيّهما سبق نفذ تصرّفه، وإن اقترنا في التصرّف مع تنافي التصرّفين بأن باع أحدهما على زيد والآخر على عمرو في زمان واحد بطلا معاً، ولهما أن يقتسما الثلث بالسويّة وبغير السويّة، وإذا سقط أحدهما عن الوصاية انفرد الآخر ولم يضمّ إليه الحاكم آخر، وإذا أطلق الوصاية إليهما ولم ينصَّ على الانضمام والاستقلال جرى حكم الانضمام، إلّا إذا كانت قرينة على الانفراد، كما إذا قال: « وصيّي فلان وفلان، فإذا ماتا كان الوصيّ فلان »، فإنّه إذا مات أحدهما استقلّ الباقي ولم يحتج إلى أن يضمّ إليه آخر، وكذا الحكم في ولاية الوقف.

(مسألة: 8) إذا قال: « زيد وصيّي، فإن مات فعمرو وصيّي » صحّ ويكونان وصيّين مترتّبين، وكذا يصحّ إذا قال: «وصيّي زيد، فإن بلغ ولدي فهو الوصيّ».

(مسألة: 9) يجوز أن يوصي إلى وصيّين أو أكثر ويجعل الوصاية إلى كلّ واحد في أمر بعينه لا يشاركه فيه الآخر.

(مسألة: 10) إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام فتشاحّا لاختلاف نظرهما: فإن لم يكن مانع لأحدهما بعينه من الانضمام إلى الآخر أجبره الحاكم على ذلك، وإن لم يكن مانع لكلٍّ منهما من الانضمام أجبرهما عليه، وإن كان لكلٍّ منهما مانع انضمّ الحاكم إلى أحدهما ونفذ تصرّفه دون الآخر (1).



(1) كأنّ المقصود: أنّه إن أمكن لحاكم الشرع إجبار أحدهما المعيّن على التنازل في

372

(مسألة: 11) إذا قال: « أوصيت بكذا وكذا وجعلت الوصيّ فلان إن استمرّ على طلب العلم مثلا » صحّ، وكان فلان وصيّاً إذا استمرّ على طلب العلم، فإن انصرف عنه بطلت وصايته، وتولّى تنفيذ وصيّته الحاكم الشرعيّ.

(مسألة: 12) إذا عجز الوصيّ عن تنفيذ الوصيّة ضمّ إليه الحاكم من يساعده، وإذا ظهرت منه الخيانة ضمّ إليه أميناً يمنعه عن الخيانة (1)، فإن لم يمكن ذلك عزله ونصب غيره.

(مسألة: 13) إذا مات الوصيّ قبل تنجيز تمام ما أوصى إليه به نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً لتنفيذه، وكذا إذا مات في حياة الموصِي ولم يعلم بذلك، أو علم ولم ينصب غيره ولم يكن ما يدلّ على عدوله عن أصل الوصيّة، وليس للوصيّ أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصى إليه به إلّا أن يكون مأذوناً من الموصي في الإيصاء إلى غيره.



التنفيد للآخر، فعل ذلك، وإن أمكن له إجبار كلّ واحد منهما على التنازل للآخر في التنفيذ، أجبرهما على تنازل أحدهما للآخر في التنفيذ، فيتمّ العمل بهدف الموصي من الانضمام، وإن لم يمكن لا هذا ولا ذاك، فالأمر دائر بين سقوطهما لفقدان شرط الانضمام، وبين استظهار أنّه مع عدم الجمع يريد الموصي أحدهما على سبيل البدل، فعلى الأوّل يجب على الحاكم تنفيذ الوصيّة، وعلى الثاني يجب على أحدهما على سبيل البدل تنفيذ الوصيّة، فجمعاً بين كلا الاحتمالين احتياطاً يضمّ الحاكم نفسه أو شخصاً آخر يعيّنه إلى أحدهما في التنفيذ.

(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «إلّا إذا استظهر من الوصيّة كون الإيصاء إليه مقيّداً بأمانته، ففي هذه الحالة لا يكون للوصيّة إطلاق، وعليه يخرج عن كونه وصيّاً بالخيانة، وللحاكم الشرعيّ أن يعيّن شخصاً آخر وصيّاً».

أقول: ويبدو لي صحّة ما أفاده.

373

(مسألة: 14) الوصيّ أمين لا يضمن إلّا بالتعدّي أو التفريط، ويكفي في الضمان حصول الخيانة بالإضافة إلى ضمان موردها، أمّا الضمان بالنسبة إلى الموارد الاُخر ممّا لم يتحقّق فيها الخيانة ففيه إشكال (1)، بل الأظهر العدم.

(مسألة: 15) إذا عيّن الموصِي للوصيّ عملا خاصّاً أو قدراً خاصّاً أو كيفيّة خاصّةً وجب الاقتصار على ما عيّن، ولم يجز له التعدّي، فإن تعدّى كان خائناً، وإذا أطلق له التصرّف بأن قال له: « أخرج ثلثي وأنفقه » عمل بنظره، ولابدّ من ملاحظة مصلحة الميّت (2)، فلا يجوز له أن يتصرّف كيف شاء وإن لم يكن صلاحاً للميّت، أو كان غيره أصلح مع تيسّر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربّما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطيّة عنه، وربّما يكون الأصلح أداء الحقوق الماليّة الاحتياطيّة، وربّما يكون الأصلح أداء حقٍّ بعينه احتياطيٍّ دون غيره، أو أداء الصلاة عنه دون الصوم، وربّما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات وكسوة العراة ومداواة المرضى ونحو ذلك. هذا إذا لم يكن تعارف يكون قرينةً على تعيين مصرف بعينه، وإلّا كان عليه العمل.

(مسألة: 16) إذا قال: « أنت وصيّي » ولم يعيّن شيئاً، ولم يعرف المراد منه وأنّه تجهيزه، أو صرف ثلثه، أو شؤون اُخرى كان لغواً (3)، إلّا إذا كان تعارف



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «أظهره الضمان فيما إذا استظهر من الوصيّة كون الإيصاء إليه على أساس أمانته؛ إذ يخرج بالخيانة عن كونه وصيّاً، فإذا أبقى يده على الموارد الاُخرى والحالة هذه، كانت يده يد ضمان».

وهنا أيضاً يبدو لي صحّة ما أفاده.

(2) لعلّ هذا على أساس دعوى انصراف الوصيّة إلى ذلك.

(3) قد يتشكّل علم إجماليّ منجّز يوجب الاحتياط، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

374

يكون قرينةً على تعيين المراد، كما يتعارف في كثير من بلدان العراق أنّه وصيّفي إخراج الثلث، وصرفه في مصلحة الموصي، وأداء الحقوق التي عليه، وأخذ الحقوق التي له، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها. نعم، في شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط أن لا يتصدّى لاُمورهم إلّا بعد مراجعة الحاكم الشرعيّ، وعدم نصب الحاكم الشرعيّ غيره إلّا بإذن منه (1).

(مسألة: 17) يجوز للموصَى إليه أن يردّ الوصيّة في حال حياة الموصي بشرط أن يبلغه الردّ، بل الأحوط اعتبار إمكان نصب غيره له أيضاً (2)، ولا يجوز له الردّ بعد موت الوصيّ، سواء قبلها قبل الردّ أم لم يقبلها، والردّ السابق على الوصيّة لا أثر له، فلو قال زيد لعمرو: « لا أقبل أن توصي إليَّ » فأوصى عمرو إليه لزمته



ومثاله: ما إذا تردّد الأمر بين أن يكون وصيّاً في التجهيز أو وصيّاً على الثلث الموصى به، فعلم إجمالاً بسقوط الوارث عن الولاية على التجهيز أو سقوط الحاكم الشرعيّ عن الولاية على الثلث، وبالتالي حصل العلم الإجماليّ للوصيّ: إمّا بحرمة التجهيز عليه إلّا بإذن الوارث، أو بحرمة التصرّف بالثلث الموصى به عليه إلّا بإذن الحاكم، وعند ذلك يحتاط الوصيّ بالاتّفاق مع الوارث في التجهيز، ومع الحاكم في الثلث الموصى به.

(1) الأولى أن يقال: «والأحوط أن لا يتصدّى لاُمورهم إلّا بعد مراجعة من هو الوليّ لولا هذه الوصاية، وعدم نصب ذاك الوليّ إلّا بإذن منه» حتّى يشمل غير الحاكم الشرعيّ ممّن قد نفتي بولايته على أموال صغار أولاده من عدول المؤمنين أو ثقاتهم.

(2) بل هذا هو ما دلّ عليه النصّ، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب، فليس له أن يردّ عليه وصيّته؛ لأنّه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره»(1).


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من الوصايا، ح 3، ص 320.

375

الوصيّة، إلّا أن يردّها بعد ذلك، ولو أوصى إليه فردّ الوصيّة، فأوصى إليه ثانياً ولم يردّها ثانياً لجهله بها، ففي لزومها له قول، ولكنّه لا يخلو من إشكال، بل الأظهر خلافه.

(مسألة: 18) إذا رأى الوصيّ أنّ تفويض الأمر إلى شخص في بعض الاُمور الموصَى بها أصلح للميّت جاز له تفويض الأمر إليه، كأن يفوّض أمر العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في الاستنابة في العبادات، ويفوّض أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة فيها، ويفوّض أمر الكفّارات التي أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء وكيفيّة القسمة عليهم، وهكذا، وربّما يفوّض الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كان له خبرة في جميعها، وقد لا يكون الموصي قد أوصى باُمور معيّنة، بل أوصى بصرف ثلثه في مصالحه وأوكل تعيين المصرف كمّاً وكيفاً إلى نظره، فيرى الوصيّ من هو أعرف منه في تعيين جهات المصرف وكيفيّتها، فيوكل الأمر إليه، فيدفع الثلث إليه بتمامه، ويفوّض إليه تعيين الجهات كمّاً وكيفاً، كما يتعارف ذلك عند كثير من الأوصياء حيث يدفعون الثلث الموصَى به إلى المجتهد الموثوق به عندهم. فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرّف ولو بواسطة التفويض إلى الغير، فلا بأس أن يفوّض الوصيّ أمر الوصيّة إلى غيره إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الموصي منه بالمباشرة، فلا يجوز له حينئذ التفويض، كما أنّه لا يجوز تفويض الوصاية إلى غيره بمعنى عزل نفسه عن الوصاية وجعلها له فيكون غيره وصيّاً عن الميّت بجعل منه.

(مسألة: 19) إذا بطلت وصاية الوصيّ لفوات شرطها كخيانة(1) أو جنون أو



(1) مضى منه(قدس سره) في المسألة (12): أنّه إذا ظهرت من الوصيّ الخيانة ضمّ إليه الحاكم أميناً يمنعه عن الخيانة في حين أنّه هنا فرض موضوع بطلان الوصاية بفوات شرطها بالخيانة، فلعلّه كان مفروضه(قدس سره) هنا فرض كون عدم الخيانة شرطاً في الوصاية، ومفروضه هناك عدم كون ذلك شرطاً فيها.

376

كفر أو غير ذلك نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً مكانه، أو تولّى الصرف بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعيّن وصيّاً أصلا.

(مسألة: 20) إذا نسي الوصيّ مصرف المال الموصَى به وعجز عن معرفته صرفه في وجوه البرّ إذا كان التردّد بين غير المحصور، أمّا إذا تردّد بين محصور ففيه إشكال، ولا يبعد الرجوع إلى القرعة في تعيينه (1).

(مسألة: 21) يجوز للموصِي أن يجعل ناظراً على الوصيّ مشرفاً ومطّلعاً على عمله بحيث لا يجوز للوصيّ أن يعمل بالوصيّة إلّا باطّلاع الناظر وإشرافه عليه، فإذا عمل بدون إشرافه كان بدون إذن من الموصِي وخيانة له، وإذا عمل باطّلاعه كان مأذوناً فيه وأداءً لوظيفته، ولا يجب على الوصيّ متابعة مثل هذا الناظر في

(1) إن كانت الوصيّة عهديّة يكون المال باقياً على ملك الميّت بحساب ثلثه، ولايجوز التصرّف فيه إلّا في حدود ما طابت به نفسه.

فإذا تردّد المصرف بين غير المحصور، فإن كان الاحتمال في بعض الأطراف غير موهون، يبدو لنا وجوب الصرف فيه؛ لأنّ ضآلة الاحتمال التي تُسقط طرف العلم الإجماليّ في غير المحصور عن التنجيز لم تسقط هذا الطرف عن التنجيز.

وإن تعدّدت الأطراف المحتملة بهذه الدرجة، يرجع إلى القرعة بين تلك الأطراف.

وإن كانت الأطراف كلّها محتملة بدرجة موهونة غير معتنىً بها، فلا تنجيز عقلائيّ لواحدة من هذه المحتملات بالخصوص، فلا يبقى إلّا صرف المال في وجوه البرّ التي لا تخرج عن دائرة تلك الأطراف.

وإن كانت الوصيّة تمليكيّة، فيكون المال فعلاً ملكاً للموصى إليه، فمع فرض تردّده في محصور، وتساوي الاحتمالات، فالذي كنّا قد اخترناه في كتابنا في القضاء ص 638 هو: أنّ المرجع في فرض جهل نفس الأطراف بالحال في باب الأموال هو التقسيم بقاعدة العدل والإنصاف، والله العالم.

ومع قوّة الاحتمال في بعض الأطراف يصرف المال على المحتمل الأقوى تقديماً للامتثال الظنّيّ على الامتثال الاحتماليّ.

ومع تردّده بين أشخاص غير محصورين يطبّق على المال حكم مجهول المالك.

377

رأيه ونظره، فإذا أوصى الموصي باستنابة من يصلّي عنه فاستناب الوصيّ زيداً وكان الناظر يريد استنابة عمرو ويراها أرجح لم يقدح ذلك في صحّة استنابة زيد، وليس للناظر الاعتراض عليه في ذلك. نعم، لو جعل على الوصيّ ناظراً له بمعنى أن يكون عمل الوصيّ بنظره ففي المثال المذكور لا تصحّ استنابة زيد، وتجب استنابة عمرو، لكنّ هذا المعنى خلاف ظاهر جعل الناظر على الوصيّ، وتختلف أيضاً الصورتان بأنّه إذا خان الوصيّ وجب على الناظر مدافعته في الصورة الاُولى (1)، ولو قصّر في ذلك كان ضامناً (2)، وليس كذلك في الصورة الثانية، وربّما تقوم القرائن على خلاف ذلك، وفي الصورتين إذا مات الناظر لزم الوصيّ الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ.

(مسألة: 22) الوصيّة جائزة من طرف الموصِي، فإذا أوصى بشيء جاز له العدول إلى غيره، وإذا أوصى إلى أحد جاز له العدول إلى غيره، وإذا أوصى بأشياء جاز له العدول عن جميعها وعن بعضها، كما يجوز له تبديل جميعها وتبديل بعضها ما دام فيه الروح إذا وجدت فيه الشرائط المتقدّمة من العقل والاختيار وغيرهما، وإذا أوصى إلى شخص ثمّ أوصى إلى آخر ولم يخبر الوصيّ الأوّل بالعدول عنه إلى غيره فمات، فعمل الوصيّ الأوّل بالوصيّة ثمّ علم، كانت الغرامة على الميّت تخرج من أصل التركة (3)، ثمّ يخرج الثلث للوصيّ الثاني. هذا إذا لم يكن العدول عن الأوّل لسبب ظاهر، أمّا إذا كان لسبب ظاهر كما إذا هاجر الوصيّ الأوّل إلى بلاد بعيدة، أو حدث بينه وبين الوصيّ عداوة ومقاطعة فعدل عنه، كان ما صرفه الوصيّ الأوّل من مال نفسه.



(1) كأنّ المفروض عنده(قدس سره) أنّ الوصيّ لم يسقط بالخيانة عن الوصاية ولكن ظاهر جعل الناظر بالمعنى الأوّل أنّه أراد مدافعته لدى الخيانة كي يرجعه إلى الصواب، ولا يرى(قدس سره) ظهوراً كهذا في جعل الناظر بالمعنى الثاني.

(2) لم نعرف سبباً لضمان الناظر. نعم، لا شكّ في ضمان نفس الوصيّ.

(3) يعني: أنّه أصبح هذا ديناً على الميّت فيخرج من الأصل.

378

(مسألة: 23) يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول، مثل أن يقول: «رجعت عن وصيّتي إلى زيد»، وبالفعل، مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثمّ يوصي بوقفه، ومثل أن يوصي بوقف عين ثمّ يبيعها أو يهبها.

(مسألة: 24) لا يعتبر في وجوب العمل بالوصيّة مرور مدّة طويلة أو قصيرة، فإذا أوصى ثمّ مات بلا فصل وجب العمل بها، وكذا إذا مات بعد مرور سنين. نعم، يعتبر عدم الرجوع عنها، وإذا شكّ في الرجوع بنى على عدمه.

(مسألة: 25) إذا قال: إذا متّ في هذا السفر فوصيّي فلان، ووصيّتي كذا وكذا، فإذا لم يمت في ذلك السفر ومات في غيره لم يجب العمل بوصيّته ولم يكن له وصيّ. أمّا إذا كان الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيّته وإن لم يمت في ذلك السفر (1)، ولأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحجّاج عند العزم على الحجّ، ومثلهم زوّار الرضا(عليه السلام) والمسافرون أسفاراً بعيدة، فإنّ الظاهر أنّ هؤلاء وأمثالهم لم يقيّدوا الوصيّة بالموت في ذلك السفر، وإنّما كان الداعي على الوصيّة خوف الموت في ذلك السفر، فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقّق الرجوع عنها.

(مسألة: 26) يجوز للوصي أن يأخذ اُجرةً مثل عمله إذا كان له اُجرة (2)، إلّا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجّاناً، كما لو صرّح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه، فلا يجوز له أخذ الاُجرة حينئذ، ويجب عليه العمل بالوصيّة إن كان قد قبل، أمّا إذا لم يقبل ففي الوجوب إشكال، والأقرب العدم (3). هذا بالنسبة إلى العمل

(1) كون الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه أعمّ من تحقّق الإطلاق في الوصيّة، والمقياس هو الاستظهار العرفيّ الذي قد يختلف من مورد لآخر.

(2) لأجل أنّ الأمر يوجب الضمان.

(3) يبدو أنّ مفروض كلامه أنّ الموصي قد حمّل الوصيّة عليه بلا اُجرة، مع أنّ عمله كان يستحقّ الاُجرة، فلا تعارض بين هذا الكلام وبين ما مضى منه في أوّل الوصيّة: من أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول.

379

الذي أوصى إليه فيه، كالبيع والشراء وإعطاء الديون ونحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته. أمّا لو أوصى بأعمال اُخرى مثل أن يوصي إلى زيد أن يحجّ عنه أو يصلّي عنه أو نحو ذلك لم يجب عليه القبول حتّى لو لم يعلم ذلك في حياة الموصي، ولو قبل في حياته: فإن كان أوصى إليه بالعمل مجّاناً مثل أن يحجّ فقبل لم يبعد جواز الردّ بعد وفاته (1)، وإذا جعل له اُجرةً معيّنةً بأن قال له: حِجَّ عنّي بمئة دينار كان إجارةً ووجب العمل بها، وله الاُجرة إذا كان قد قبل في حياته، وإلّا لم يجب، ولو كان باُجرة غير معيّنة عندهما بأن قال له: حِجَّ عنّي باُجرة المثل ولم تكن الاُجرة معلومةً عندهما فقبل في حياته لم يبعد أيضاً عدم وجوب العمل وجريان حكم الإجارة الفاسدة (2)، ولو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل، وهل يستحقّ الاُجرة على تقدير العمل ؟ إشكال، لاحتمال صدق الوصيّة، لكنّ الظاهر جريان حكم الجعالة فتفسد بالموت (3)، فيجري في أمثال ذلك أحكام العقد والإيقاع من حيث الصحّة والفساد، واللزوم والجواز، والفساد بالموت وعدمه، وربّما تكون المعاملة بينهما



(1) كأنّه لانصراف روايات عدم جواز الردّ(1) إلى الأعمال التي هي موضوع ولايته، أي: الأعمال التي بإمكانه أن يرسل شخصاً لتحقيقها، فيكون فعل الرسول فعلاً له، كما في البيع والشراء وأداء الديون، دون التي ليست تحت ولايته، كأن يرسل شخصاً يصلّي أو يحجّ، فإنّ هذا لا يصبح مصداقاً لصلاته وحجّه.

(2) بناءً على أنّ هذا الشكل من مجهوليّة الاُجرة يوجب فساد الإجارة.

(3) إن كان الجُعل عيناً خارجيّة من التركة لا كلّيّاً في الذمّة، دخل ذلك في الوصيّة التمليكيّة، فتنفذ حينما تنفذ الوصايا التمليكيّة، وأمّا إن كان كلّيّاً في الذمّة، فالظاهر أنّ هذه جعالة تفسد بالموت.


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 23 من الوصايا.

380

من قبيل الصلح الذي لا يقدح فيه الجهالة ولا الموت، فيجب العمل به بعد الموت.

(مسألة: 27) تثبت الوصيّة التمليكيّة بشهادة مسلمَين عادلَين، وبشهادة مسلم عادل مع يمين الموصَى له (1)، وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين كغيرها من الدعاوى الماليّة (2)، وتختصّ أيضاً بأنّها تثبت بشهادة النساء منفردات، فيثبت ربعها بشهادة مسلمة عادلة، ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات، وتمامها بشهادة أربع مسلمات عادلات بلا حاجة إلى اليمين في شهادتهنّ (3).



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ولا يخلو الثبوت بذلك من إشكال؛ لاحتمال اختصاص الثبوت بذلك بالدين». ونِعمَ ما أفاد(1).

(2) لقوله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء﴾(2). سورة 2 البقرة، الآية: 282.

(3) وقد دلّ على ذلك بعض النصوص(3)، ولا يبعد ثبوت الربع بشهادة الرجل


(1) راجع بهذا الصدد: الوسائل، ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 14 من كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

(2) بناءً على التعدّي العرفيّ إلى جميع الحقوق الماليّة.

وقد يستدلّ أيضاً برواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (على كلام في ثبوت وثاقته) قال: «كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن(عليه السلام): امرأة شهدت على وصيّة رجل لم يشهدها غيرها، وفي الورثة من يصدّقها، وفيهم من يتّهمها، فكتب: لا، إلّا أن يكون رجل وامرأتان، وليس بواجب أن تنفذ شهادتها». الوسائل، ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 24 من الشهادات، ح 34، ص 360.

(3) كصحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام): «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة، فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصيّة»، وصحيح ربعي عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في شهادة امرأة حضرت رجلاً يوصي، فقال: يجوز في ربع ما أوصى بحساب شهادتها». الوسائل، ج 27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 24 من الشهادات، ح 15 و16.

381

أمّا الوصيّة العهديّة (وهي الوصاية بالولاية) فلا تثبت إلّا بشهادة مسلمَين عادلَين.

(مسألة: 28) تثبت الوصيّة التمليكيّة بشهادة ذمّيَّين عدلَين في دينهما عند عدم عدول المسلمين، ولا تثبت بشهادة غيرهما من الكفّار، وفي ثبوت الوصيّة العهديّة بذلك إشكال (1).

(مسألة: 29) تثبت الوصيّة التمليكيّة بإقرار الورثة جميعهم إذا كانوا عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدولا، وإذا أقرّ بعضهم دون بعض تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرِّ دون المنكِر. نعم، إذا أقرّ منهم اثنان وكانا عدلَين تثبت الوصيّة بتمامها، وإذا كان عدلا واحداً تثبت أيضاً مع يمين الموصَى له (2). وأمّا في الوصيّة العهديّة فتثبت أصل الوصيّة بإقرار الورثة جميعهم، وإذا أقرّ بعضهم ثبت بعض الموصَى به على نسبة حصّة المقرّ وينقص من حقّه، وأمّا نفس الولاية فثبوتها بنفس الإقرار ولو من جميعهم إشكال وإن كان هو الأظهر. نعم، إذا أقرّ اثنان عدلان منهم ثبتت بلا إشكال.



العادل أيضاً (1).

(1) أفاد اُستاذنا(قدس سره): «الأقرب الثبوت». ونِعمَ ما أفاد(2).

(2) تقدّم الإشكال في ذلك في التعليق على قول المصنّف(رحمه الله): «..وبشهادة مسلم عادل مع يمين الموصى له» في أوّل المسألة رقم (27).


(1) تعدّياً من مورد النصّ الماضي من المرأة إلى الرجل بالأولويّة العرفيّة.

(2) لإطلاق الآية الشريفة 106 من سورة المائدة: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ﴾.

382

 

فصل في منجّزات المريض:

(مسألة: 1) إذا تصرّف المريض في مرض الموت تصرّفاً منجّزاً: فإن لم يكن مشتملا على المحاباة كما إذا باع بثمن المثل أو آجر باُجرة المثل، فلا إشكال في صحّته ولزوم العمل به، وإذا كان مشتملا على نوع من المحاباة والعطاء المجّاني، كما إذا أعتق، أو أبرأ، أو وهب هبةً مجّانيةً غير معوّضة أو معوّضةً بأقلّ من القيمة، أو باع بأقلّ من ثمن المثل، أو آجر بأقلّ من اُجرة المثل، أو نحو ذلك ممّا يستوجب نقصاً في ماله فالظاهر أنّه نافذ كتصرّفه في حال الصحّة (1)، والقول بأنّه



(1) لعلّ الأفضل أن يستثنى من نفوذ منجّزات المريض فرض مزاحمة الدَين لنفوذها(1).


(1) لصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج. الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 39 من الوصايا، ح 5، ص 355 ـ 356.

وإن شئت إجمالاً من أصل بحث نفوذ منجزات المريض المحاباتيّة فكالتالي:

إنّ هناك روايات كثيرة واضحة في نفوذ منجزات المريض حتّى المحاباتيّة أو العطاءات المجّانيّة.

والظاهر أنّ التامّ منها سنداً والصريح دلالةً روايتان:

الاُولى: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «قلت له: الرجل يكون له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت». الفقيه، ج 4، ص 149 بحسب طبعة الآخونديّ، ح 518. والوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 من الوصايا، ذيل ح 2، ص 297.

والثانية: موثّقة عمّار الساباطيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «قلت له: الميّت أحقّ بماله مادام فيه

383



الروح يبين به؟ قال:نعم، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث». الوسائل، المصدر الماضي، ح 7، ص 299.

وهناك روايتان اُخريان تامّتان سنداً، ولكن دلالتهما بالظهور لا بالصراحة:

الاُولى: معتبرة الحلبيّ، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن امرأة أعتقت عند الموت ثلث خادمها، هل على أهلها أن يكاتبوها؟ قال: ليس ذلك لها، ولكن لها ثلثها فلتخدم بحساب ما عتق منها». الوسائل، ج 23 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 64 من العتق، ح 6، ص 102. وفي السند زرعة، وهو واقفيّ ثقة.

والثانية: صحيحة عبدالله بن سنان: «أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن امرأة أعتقت ثلث خادمها عند موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها إن شاؤوا وإن أبوا؟ قال: لا، ولكن لها من نفسها ثلثها، وللوارث ثلثاها يستخدمها بحساب الذي له منها، ويكون لها من نفسها بحساب الذي عتق منها». نفس المصدر، ح 7.

وإنّما أقول: إنّهما ليستا صريحتين لإمكان حمل العتق عند الموت على معنى الوصيّة بالعتق.

وبالمقابل توجد روايات كثيرة تعارض مضمون نفوذ منجزات المريض المحاباتيّة، أو العطاءات المجّانيّة، والتامّ منها سنداً ما يلي:

1 ـ حديث سماعة: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن عطيّة الوالد لولده، فقال: أمّا إذا كان صحيحاً، فهو ماله يصنع به ما شاء. وأمّا في مرضه فلا يصلح». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 17 من الوصايا، ح 11، ص 300، بناءً على حمله على مرض الموت.

والتشويش باد على هذا الحديث؛ لعدم تخصيصه للمرض بمرض الموت.

2 ـ صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يخصّ بعض ولده بالعطيّة، قال: إن كان موسراً فنعم، وإن كان معسراً فلا». الوسائل، المصدر الماضي، ح 12، ص 300.

والتشويش هنا أوضح، فلا نستطيع أن نفهم معنىً معقولاً لهذا الحديث، إلّا أن نُخرجه عن

384



محلّ البحث، ونحمله على معنى: أنّه إن كان معسراً كان تخصيص بعض ولده بالعطيّة مضرّاً بما يجب عليه من تغطية النفقة الواجبة عليه لجميع ولده.

3 ـ صحيح الحلبيّ قال: «سُئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه، فتبرِئه منه في مرضها، فقال: لا». الوسائل، المصدر الماضي، ح 15، ص 301.

والتشويش أيضاً باد على هذا الحديث؛ إذ لم يفرض موتها في مرضها.

4 ـ صحيح سماعة، قال: «سألته عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه، فتُبرئه منه في مرضها، فقال: لا، ولكنّها إن وهبت له، جاز ما وهبت له من ثلثها». الوسائل، نفس المصدر الماضي، ح 16، ص 301.

والتشويش فيه ـ إضافة إلى ما مضى في الحديث السابق ـ عبارة عن تفصيله بين الإبراء والهبة.

5 ـ صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل حضره الموت، فأعتق غلامه، وأوصى بوصيّة، فكان أكثر من الثلث، قال: يمضي عتق الغلام، ويكون النقصان في ما بقي». الوسائل، نفس المجلّد، ب 67 من الوصايا، ح 1، ص 399.

وهذا الحديث إن فسّر بمعنى: أنّ مجموع العتق والوصيّة كان أكثر من الثلث، فهذا وإن دلّ على عدم نفوذ العتق إلّا بترجيحه على تلك الوصايا، إذن فالعتق بوصفه تصرّفاً محاباتيّاً من منجزات المريض غير نافذ، ولكن التعبير عن الوصيّة بالعتق بعبارة «أعتق غلامه عند حضور موته» أمر معقول، فيحمل على ذلك جمعاً بين هذا الحديث والحديثين الماضيين التامّين سنداً الصريحين في نفوذ عطايا المريض في مرض موته.

6 ـ صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن(عليه السلام): «في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته، وأعتق مملوكاً، وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث، كيف يصنع به في وصيّته؟ قال: يبدأ بالعتق فينفّذه». نفس المصدر، ح 2، ص 400.

385

يخرج من الثلث فإذا زاد عليه لم ينفذ إلّا بإجازة الوارث ضعيف، وإذا أقرّ بعين أو دين لوارث أو لغيره: فإن كان المقرّ مأموناً ومصدَّقاً في نفسه نفذ الإقرار من



فإن فسّر ذلك بمعنى: أنّ ما أوصى به من المال لذوي قرابته يزيد على الثلث، ومع ذلك أمر(عليه السلام)بتنفيذ العتق، فهوعلى نفوذ منجزات المريض المحاباتيّة أو المجّانيّة أدلّ منه على عدم النفوذ.

وإن فسّر ذلك بمعنى: أنّ مجموع العتق مع ما جعل لذوي قرابته كان يزيد على الثلث، وقد عبّر عن ذلك بتعبير «جميع ما أوصى به» فهذا شاهد لما قلنا في الرواية السابقة: من أنّ تفسير العتق عند الموت بمعنى الوصيّة بالعتق أمر معقول.

7 ـ صحيح ابن أبي عمير عن رجل عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)، «قال في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه، فقال: إن كان أكثر من الثلث ردّ إلى الثلث، وجاز العتق». نفس المصدر، ح 4، ص 400.

هذا بحسب عبارة الكافي، وروى الشيخ مثله، إلّا أنّه في أكثر النسخ «عن جميل» بدل «عن رجل».

وهذا إن فسّر بمعنى: أنّ وصاياه بأكثر من الثلث غير عتق مماليكه، وأنّ كلمة «ردّ إلى الثلث» راجعة إلى وصيّته، وقد قال: «جاز العتق»، إذن فالحديث دلّ على نفوذ منجزات المريض المجّانيّة، لا على عدم نفوذها.

وإن فسّر بمعنى: أنّ عتق مماليكه زائداً على وصاياه كان أكثر من الثلث، حمل ذلك في مقابل روايتي نفوذ منجزات المريض حتّى المحاباتيّة أو المجّانيّة الصريحتين في ذلك والتامّتين سنداً، على أنّ المقصود بقوله: «أعتق مماليكه في مرضه» هي الوصيّة بالعتق.

8 ـ معتبرة الحسن بن الجهم، قال: «سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول في رجل أعتق مملوكاً وقد حضره الموت، وأشهد له بذلك وقيمته ستمئة درهم، وعليه دين ثلاثمئة درهم ولم يترك شيئاً غيره، قال: يعتق منه سدسه؛ لأنّه إنّما له منه ثلاثمئة درهم، ويقضى عنه ثلاثمئة درهم، وله من الثلاثمئة ثلثها وهو السدس من الجميع». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 39 من الوصايا، ح 4، ص 354.

386

الأصل، وإن كان متّهماً نفذ من الثلث (1). هذا إذا كان الإقرار في مرض الموت،



(1) إشارة إلى بعض الروايات(1).


وهذا يمكن أن يستفاد منه عدم نفوذ المنجز الذي يزاحم الدين.

ولكنّه يقبل الحمل على الوصيّة؛ لأنّه عبّر بتعبير «يعتق منه سدسه» ولم يعبّر بتعبير «انعتق منه سدسه».

9 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج في من مات وترك ديناً كثيراً، وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم، فأعتقهم عند الموت. والرواية مفصّلة جاء فيها تأييد للإمام(عليه السلام) لحكم ابن أبي ليلى الذي حكم بأن يبيعهم ويدفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنّه ليس له أن يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم، وكان قد رجع ابن أبي ليلى عن رأيه، ووافق ابن شبرمة في رأي مخالف لهذا الرأي. الوسائل، نفس المجلّد والباب، ح 5، ص 354 ـ 356.

وهذا يدلّ على أنّ منجزات المريض إن زاحمها الدين لم تنفذ.

وهذا أخصّ من الروايات التي دلّت على نفوذ منجزات المريض.

فيبدو أنّ النتيجة هي أن يستثنى من نفوذ منجزات المريض فرض مزاحمة الدين إيّاها.

10 ـ صحيح جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام)، أو صحيح جميل عن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين، فقال: إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله، جاز عتقه، وإلّا لم يجز». نفس المصدر، ح 6، ص 356.

وكأنّ هذا مضمونٌ لا يمكن الأخذ به، أو أنّه محرّف، أو مشوّش.

(1) كصحيح منصور بن حازم، قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً، فقال: إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي اُوصى له». الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من الوصايا، ح 1، ص 291، وصحيح أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل معه مال مضاربة، فمات وعليه دين، وأوصى أنّ هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أيجوز ذلك؟ قال: نعم، إذا كان مصدّقاً». نفس المصدر، ح 14، ص 296.

387

أمّا إذا كان في حال الصحّة أو في المرض غير مرض الموت اُخرج من الأصل وإن كان متّهماً.

(مسألة: 2) إذا قال: «هذا وقف بعد وفاتي»، أو: «أنت بريء الذمّة من ديني بعد وفاتي»، أو نحو ذلك ممّا يتضمّن تعليق الإيقاع على الوفاة فهو باطل لا يصحّ وإن أجاز الورثة(1)، فالإنشاء المعلَّق على الوفاة إنّما يصحّ في مقامين: إنشاء الملك، وهي الوصيّة التمليكيّة، وإنشاء العتق، وهو التدبير، ولا يصحّ في غيرهما من أنواع الإنشاء، فإذا قال: بعتُ، أو آجرت، أو صالحت، أو وقفت، أو أبرأت، أو طلّقت بعد وفاتي بطل، ولا يجري عليه حكم الوصيّة بالبيع أو الوقف ـ مثلا ـ بحيث يجب على الورثة أن يبيعوا أو يوقفوا بعد وفاته كما إذا أوصى بذلك. نعم، إذا فُهِم من كلامه أنّه يريد الوصيّة بالبيع أو الوقف كانت وصيّته صحيحةً ووجب العمل بها. والله سبحانه العالم.



(1) أي: أنّ إجازة الورثة لا تصحّح هذا الأمر الباطل، وأفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): (أنّ إجازة الوارث وإن كانت لا تصحّح هذا الإنشاء من المورّث، لكن لا يبعد أن تصبح تلك الإجازة بنفسها وقفاً وإبراءً من الوارث إن وقعت بعد موت الموصي، ولا يضرّ بذلك تعليق الإنشاء من المورّث؛ لأنّ الإنشاء من حين انتسابه إلى الوارث بالإجازة واجد لما علّق عليه، فيصبح من قبيل ما لو قال الولد بعد موت والده: «هذا وقف بعد موت والدي». نعم، لو أنّ الوارث أجاز كلام المورّث، في حال حياة المورّث فلا أثر لذلك). ونِعمَ ما أفاد.

389

المعاملات

23

 

 

 

كتاب الوقف

 

○  تعريف الوقف وأنواعه.

○  شروط صحّة الوقف وبعض أحكامه.

○  شرائط الواقف.

○  شرائط العين الموقوفة.

○  شرائط الموقوف عليه.

○  بيان المراد من بعض عبارات الواقف.

○  بعض أحكام الوقف.

○  إلحاق فيه بابان.

391

 

 

 

 

 

[تعريف الوقف وأنواعه:]

وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.

(مسألة: 1) لا يكفي في تحقّقه مجرّد النيّة، بل لابدّ من مظهر لها مثل: وقفتُ، وحبستُ، ونحوهما ممّا يدلّ على المقصود، والظاهر وقوعه بالمعاطاة، مثل أن يعطي إلى قيِّم المشهد آلات الإسراج، أو يعطيه الفراش، أو نحو ذلك، بل ربّما يقع بالفعل بلا معاطاة، مثل أن يعمر الجدار أو الاُسطوانة الخربة من المسجد أو نحو ذلك، فإنّه إذا مات من دون إجراء صيغة الوقف لا يرجع ميراثاً إلى ورثته.

(مسألة: 2) الوقف تارةً يكون له موقوف عليه يقصد عود المنفعة إليه، وتارةً لا يكون كذلك، والثاني وقف المسجد، فإنّ الواقف لم يلحظ في الوقف منفعةً خاصّة، وإنّما لاحظ مجرّد حفظ العنوان الخاصّ وهو عنوان المسجديّة، وهذا القسم لا يكون له موقوف عليه، وإذا لاحظ الواقف منفعةً خاصّةً مثل الصلاة أو الذكر أو الدعاء أو نحوها من أنحاء العبادة فقال: وقفت هذا المكان على المصلّين أو الذاكرين أو الداعين أو نحو ذلك لم يصر مسجداً، ولم تجرِ عليه أحكام المسجد، وإنّما يصير وقفاً على الصلاة أو غيرها ممّا لاحظ الواقف، ويكون من القسم الأوّل الذي له موقوف عليه، وهو الذي لاحظ الواقف فيه المنفعة، وهو على أقسام:

الأوّل: أن يلحظ عود المنفعة إلى الموقوف عليهم بصيرورتها ملكاً لهم(1)، كما



(1) لا إشكال في أنّ وقف المسجد ليس تمليكاً كما هو واضح، ولكن سائر أنحاء