247

المعاملات

11

 

 

 

 

كتاب اللُقطَة

 

 

 

 

 

 

249

 

 

 

 

 

وهي المال الضائع الذي لا يد لأحد عليه المجهول مالكه.

(مسألة: 1) الضائع إمّا إنسان، أو حيوان، أو غيرهما من الأموال، والأوّل يسمّى لقيطاً، والثاني يسمّى ضالّة، والثالث يسمّى لُقطةً بالمعنى الأخصّ.

(مسألة: 2) لقيط دار الإسلام محكوم بحرّيّته.

(مسألة: 3) أخذ اللقيط واجب على الكفاية إذا توقّف عليه حفظه، فإذا أخذه كان أحقّ بتربيته وحضانته من غيره، إلّا أن يوجد من له الولاية عليه لنسب أو غيره، فيجب دفعه إليه حينئذ ولا يجري عليه حكم الالتقاط.

(مسألة: 4) ما كان في يد اللقيط من مال محكوم بأنّه ملكه.

(مسألة: 5) يشترط في ملتقط الصبيّ: البلوغ والعقل والحرّيّة، فلا اعتبار بالتقاط الصبيّ والمجنون والعبد إلّا بإذن مولاه، بل يشترط الإسلام فيه إذا كان اللقيط محكوماً بإسلامه، فلو التقط الكافر صبيّاً في دار الإسلام لم يجرِ على التقاطه أحكام الالتقاط، ولا يكون أحقَّ بحضانته.

(مسألة: 6) اللقيط إن وجد متبرّع بنفقته أنفق عليه، وإلّا فإن كان له مال اُنفق عليه منه بعد الاستئذان من الحاكم الشرعيّ أو من يقوم مقامه،

250

وإلّا أنفق الملتقط من ماله عليه ورجع بها عليه إن لم يكن قد تبرّع بها، وإلّا لم يرجع (1).

(مسألة: 7) يكره أخذ الضالّة حتّى لو خيف عليها التلف.

(مسألة: 8) إذا وجد حيوان في غير العمران كالبراري والجبال والآجام والفلوات ونحوها من المواضع الخالية من السكّان: فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن السباع لكبر جثّته أو سرعة عدوه أو قوّته ـ كالبعير والفرس والجاموس والثور ونحوها ـ لم يجز أخذه، سواء أكان في كلا وماء أم لم يكن فيها إذا كان صحيحاً يقوى على السعي إليهما، فإن أخذه الواجد حينئذ كان آثماً وضامناً له وتجب عليه نفقته، ولا يرجع بها على المالك، وإذا استوفى شيئاً من نمائه كلَبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته، وإذا ركبه أو حمّله حملا كان عليه اُجرته، ولا يبرأ من ضمانه إلّا بدفعه إلى مالكه. نعم، إذا يئس من الوصول إليه ومعرفته تصدّق به عنه بإذن الحاكم الشرعيّ. وإن كان الحيوان لا يقوى على الامتناع من السباع جاز له أخذه كالشاة وأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ـ ونِعمَ ما أفاد ـ: «أنّه لا يبعد جواز الرجوع فيما إذا اختار اللقيط بعد البلوغ قطع الصلة بملتقطه، وتوالى آخرين؛ لإطلاق رواية عبدالرحمن»، ويقصد(رحمه الله) بالرواية صحيحة عبدالرحمن العرزميّ عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن أبيه(عليه السلام)، قال: «المنبوذ حرّ، فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه، وإلّا فليردّ عليه النفقة، وليذهب فليوالِ من شاء»(1).


(1) راجع الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 22 من اللقطة، ح 3، ص 467.

251

ونحوها، فإن أخذه فالأحوط(1) أن يعرّف بها في موضع الالتقاط(2) وماحوله (3)، فإن لم يعرف المالك جاز له تملّكها والتصرّف فيها بالأكل والبيع، والمشهور أنّه يضمنها حينئذ بقيمتها، وقيل: لا يضمن بل عليه دفع القيمة إذا جاء صاحبها من دون اشتغال ذمّته بمال، وكلاهما محلّ إشكال (4)، وجاز له أيضاً إبقاؤها عنده إلى أن يعرف صاحبها ولا ضمان عليه حينئذ.

(مسألة: 9) إذا ترك الحيوان صاحبه في الطريق: فإن كان قد أعرض عنه جاز لكلِّ أحد تملّكه كالمباحات الأصليّة، ولا ضمان على الآخذ، وإذا تركه عن جهد وكلل بحيث لا يقدر أن يبقى عنده ولا يقدر أن يأخذه معه، فإذا كان الموضع الذي تركه فيه لا يقدر فيه الحيوان على التعيّش فيه لأنّه لاماء فيه ولا كلأ ولا يقوى الحيوان فيه على السعي إليهما جاز لكلِّ أحد أخذه وتملّكه، وأمّا إذا كان



(1) إن لم يكن الأقوى(1).

(2) سنة كاملة على الأحوط.

(3) لا شكّ في أنّ الاحتياط الحسَن هو توسعة التعريف لما حوله وإن كنّا لم نجد دليلاً على ذلك.

(4) إنّما يتمّ الضمان بعد التعريف سنة إن جاء صاحبها يطلبها(2).


(1) لصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء، هل تحلّ له؟ قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، فخذها وعرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلبها أن ترّد عليه ثمنها». راجع الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 13 من اللقطة، ح 6، ص 459.

(2) لصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام) الآنف الذكر.

252

يقدر الحيوان فيه على التعيّش لم يجز لأحد أخذه ولا تملّكه، فمن أخذه كان ضامناً له، وكذا إذا تركه عن جهد وكان ناوياً للرجوع إليه قبل ورود الخطر عليه.

(مسألة: 10) إذا وجد الحيوان في العمران ـ وهو المواضع المسكونة التي يكون الحيوان فيها مأموناً كالبلاد والقرى وما حولها ممّا يتعارف وصول الحيوان منها إليه ـ لم يجز له أخذه، ومن أخذه ضمنه، والأحوط لو لم يكن أقوى وجوب التعريف سنةً كغيره من اللقطة، وبعدها يبقى في يده مضموناً إلى أن يؤدّيه إلى مالكه، فإن يئس منه تصدّق به بإذن الحاكم الشرعيّ. نعم، إذا كان غير مأمون من التلف عادةً لبعض الطوارئ لم يبعد جريان حكم غير العمران من جواز تملّكه في الحال بعد التعريف على الأحوط ومن ضمانه له كما سبق. هذا كلّه في غير الشاة، أمّا هي فالمشهور أنّه إذا وجدها في العمران حبسها ثلاثة أيّام، فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدّق بثمنها، ولا يخلو من وجه (1).

(مسألة: 11) إذا دخلت الدجاجة أو السخلة في دار الإنسان لا يجوز له أخذها، ويجوز إخراجها من الدار وليس عليه شيء إذا لم يكن قد أخذها، أمّا إذا



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ولكنّه غير وجيه». ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) لأنّ الرواية الدالّة على ذلك عبارة عمّا ورد في الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسةآل البيت، ب 13 من اللقطة، ح 6، ص 459 بسند الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن موسى الهمدانيّ عن منصور بن العبّاس عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن عبدالله بن بكير عن ابن أبي يعفور قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): جاء رجل من المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة، فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام ويسأل عن صاحبها، فإن جاء صاحبها، وإلّا باعها وتصدّق بثمنها».

والرواية ساقطة سنداً بمحمّد بن موسى الهمدانيّ المتّهم بالوضع والكذب، وبمنصور بن عبّاس الذي لا دليل على وثاقته عدا وقوعه في سند كامل الزيارات، ولا عبرة لدينا به.

253

أخذها ففي جريان حكم اللقطة عليها إشكال، والأحوط التعريف بها حتّى يحصل اليأس من معرفة مالكها (1)، ثمّ يتصدّق بها ويضمنها لصاحبها إذا ظهر.

(مسألة: 12) إذا احتاجت الضالّة إلى النفقة: فإن وجِد متبرّع بها أنفق عليها، وإلّا أنفق عليها من ماله ورجع بها على المالك (2)، وإذا كان للّقطة نماء أو منفعة استوفاها الملتقط(3) ويكون بدل ما أنفقه عليها، ولكن بحسب القيمة على الأقوى.

(مسألة: 13) كلّ مال ليس حيواناً ولا إنساناً إذا كان ضائعاً ومجهول المالك



(1) الأحوط وجوباً التعريف سنة كاملة برغم حصول اليأس قبل ذلك.

(2) الظاهر: أنّ المقصود هو فرض جواز أخذ الضالّة؛ إذ في فرض الحرمة يكون غاصباً، ومن الواضح عدم الرجوع في فرض الغصب إلى المالك بما أنفق، ولكن الأحوط وجوباً عندنا عدم الرجوع إلى المالك حتّى في مورد جواز الالتقاط(1).

(3) إن كان التقاطها من القسم الجائز.


(1) ولعلّ خير دليل على الرجوع إلى المالك صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام)قال: «سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال: لا، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها». الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من اللقطة، ح 8، ص 443 بناءً على تفسير الرواية بأنّ المقصود بالجارية الأمة، وأنّ بيعها يكون لأخذ مقدار ما أنفق عليها.

ولكن ذكر محقّق كتاب التهذيب، ج 6، علي أكبر الغفّاريّ: أنّ المراد بالجارية هنا الصبيّة في قبال الغلام، و «بيعها» محرّف استخدامها؛ إذ لو كان حلّ له بيعها حلّ له فرجها، فإنّ الذي يبتاعها يبتاعها غالباً لذلك، وتصير ملك يمينه [فلم لا يحلّ له تملّكها مع دفع تتمّة القيمة لو كانت إلى المالك].

واستشهد هذا المحقّق لذلك أيضاً برواية محمّد بن أحمد بحسب نسخة الكافي، أو قل: رواية محمّد بحسب نسخة التهذيب ـ وأنا لم أعرف من هو محمّد بن أحمد، ولا من هو محمّد. راجع الوسائل، المجلّد السابق من الطبعة السابقة، ب 22 من اللقطة، ح 4، ص 467 ـ قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن اللقيطة، فقال: لا تباع ولا تشترى، ولكن تستخدم بما أنفقت عليها».

254

ـ وهو المسمّى لقطة بالمعنى الأخصّ ـ يجوز أخذه على كراهة، ولا فرق بين ما يوجد في الحرم وغيره، وإن كانت كراهة الأخذ في الأوّل أشدّ وآكد، حتّى قيل: إنّه حرام، بل هو المشهور، ولكنّه ضعيف (1).

(مسألة: 14) اللقطة المذكورة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها بمجرّد الأخذ، ولا يجب فيها التعريف ولا الفحص عن مالكها (2)، وفي ملكها بدون قصد التملّك قول، والأحوط الأوّل، ثمّ إذا جاء المالك: فإن كانت العين موجودةً ردّهاإليه، وإن كانت تالفةً لم يكن عليه البدل، وقيل: عليه البدل، وهو ضعيف، وإن كان قيمتها درهماً فما زاد وجب عليه التعريف بها والفحص عن مالكها، فإن لم يعرفه:



(1) والأحوط استحباباً الاجتناب.

(2) ليس المقياس عنوان مادون الدرهم، وإنّما المقياس: أنّ كلّ لقطة يكون ظاهر حال الناس فيها عدم الاهتمام بالمطالبة بها يجوز أخذها والتصرّف فيها، وإذا جاء المالك بعد ذلك وطالب بماله، وجب ردّه، ومع عدم تيسّر العين فله البدل كما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره)(1).


(1) أمّا عدم العبرة بعنوان مادون الدرهم، فلأنّ دليله: إمّا هو مرسل الصدوق: «وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك، فلا تعرّفها» الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من اللقطة، ح 9، ص 443، أو خبر محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله(عليه السلام): «وما كان دون الدرهم فلا يعرّف». نفس المصدر، ب 4 من اللقطة، ح 1، ص 446 ـ 447. وهذا أيضاً ساقط بالإرسال.

وأمّا كون العبرة بكون ظاهر حال الناس فيها عدم الاهتمام بالمطالبة، فدليله: إمّا عبارة عن إذن الفحوى، أو عبارة عن صحيح حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا بأس بلقطة العصا والشظاظ [عود صغير يدخل في عروة الخرج ويشدّ عليه] والوتد والحبل والعقال وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر(عليه السلام): ليس لهذا طالب». وسواء كان الدليل إذن الفحوى أو كان الدليل هذا الحديث تنتهي الدلالة إذا جاء الطالب وطالب بماله.

255

فإن كان قد التقطها في الحرم تخيّر بين أمرين: التصدّق بها عن مالكها (1)، وإبقائها أمانةً عنده لمالكها وليس له تملّكها، وإن التقطها في غير الحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة: تملّكها مع الضمان، والتصدّق بها مع الضمان (2)، وإبقائها أمانةً في يده بلا ضمان.

(مسألة: 15) المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه دون غيره من الأمكنة والأزمنة (3).

(مسألة: 16) المراد من الدرهم ما يزيد على نصف المثقال الصيرفيّ قليلا، فإنّ عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع مثقال (4).

(مسألة: 17) إذا كان المال لا يمكن فيه التعريف: إمّا لأنّه لاعلامة فيه كالمسكوكات المفردة والمصنوعات بالمصانع المتداولة في هذه الأزمنة، أو لأنّ مالكه قد سافر إلى البلاد البعيدة التي يتعذّر الوصول إليها، أو لأنّ الملتقِط يخاف من الخطر والتهمة إن عرّف بها، أو نحو ذلك من الموانع سقط التعريف، والأحوط التصدّق بها عنه، وإن كان جواز التملّك لا يخلو من وجه (5).



(1) لا تجب نيّة كون التصدّق عن مالكها.

(2) بمعنى: أنّه لو وجد صدفة المالك بعد التملّك أو التصدّق، خيّره بين قبول ثواب المال وبين المطالبة بالمبلغ.

(3) قد عرفت أنّه لا عبرة بقيمة الدرهم أصلاً.

(4) مع إنكار مقياس الدرهم ـ كما عرفت ـ لا تصل النوبة هنا لهذه المسألة.

(5) اللقطة غير القابلة للتعريف إن كان عدم قبولها للتعريف على أساس سعة دائرة الجهالة، جاز تملّكها من دون تعريف وإن كان الأحوط استحباباً التصدّق بها مع الضمان كما بعد التعريف في ما يقبل التعريف.

وإن كان على أساس آخر، فالأحوط وجوباً التصدّق بها بإذن حاكم الشرع، أو إيكال أمرها إلى حاكم الشرع.

256

(مسألة: 18) تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط إلى تمام السنة على وجه التوالي، فإن لم يبادر إليه كان عاصياً، ولكن لا يسقط وجوب التعريف عنه (1)، بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك سنةً كاملة (2)، وكذا الحكم لو بادر إليه من حين الالتقاط ولكن تركه بعد ستّة أشهر حتّى تمّت السنة، فإنّه تجب المبادرة إلى إكمال السنة بأن يعرّف ستّة أشهر من السنة الثانية (3)، فإذا تمّ التعريف سنةً تخيّر بين التصدّق وغيره من الاُمور المتقدّمة، وإذا كان قد ترك المبادرة إليه من حين الالتقاط لعذر أو ترك الاستمرار عليه كذلك إلى انتهاء السنة فالحكم كذلك، لكنّه لا يكون عاصياً (4).



(1) نعم، لو مرّ زمان طويل على نحو كان مروره قرينة عامّة عند العقلاء توجب الاطمئنان بعدم إمكان تحصيل المالك، سقط التعريف، والأحوط وجوباً التصدّق بها بإذن حاكم الشرع، أو إيكال أمرها إلى حاكم الشرع.

(2) متى ما تمّ التعريف سنة كاملة ولكن لم يحصل اليأس، فالأحوط وجوباً مواصلة التعريف إلى حين اليأس(1)، إلّا أنّ مقتضى العادة الغالبة حصول اليأس قبل ذلك.

(3) ولو كان مرور الزمن الطويل إلى حدّ كان قرينة عامّة توجب الاطمئنان بعدم إمكان تحصيل المالك، عاد الحكم السابق الماضي في تعليقنا الآنف على قول المصنّف(رحمه الله): «ولكن لا يسقط وجوب التعريف عنه».

(4) متى ما ترك المبادرة أو المواصلة في التعريف عصياناً، ثمّ أكمل التعريف سنة، فالأحوط وجوباً عدم التملّك، وأن يتصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ، أو إيكال أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، وكذلك الحكم في ما إذا كان ذلك عن عذر، إلّا أنّه لا عقوبة عليه عندئذ.


(1) لاحتمال كون أدلّة التعريف سنة تقصد عدم كفاية اليأس الشخصيّ، لا عدم اشتراط اليأس الشخصيّ بعد تماميّة التعريف سنة كاملة.

257

(مسألة: 19) لا تجب مباشرة الملتقِط للتعريف، فتجوز له الاستنابة فيه بلا اُجرة اُو باُجرة، والأقوى كون الاُجرة عليه لاعلى المالك وإن كان الالتقاط بنيّة إبقائها في يده للمالك.

(مسألة: 20) إذا عرّفها سنةً كاملةً فقد عرفت أنّه يتخيّر بين التصدّق وغيره من الاُمور المتقدّمة، ولا يشترط في التخيير بينها اليأس من معرفة المالك (1). نعم، إذا كان يعلم بالوصول إلى المالك لو زاد في التعريف على السنة فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم التعريف حينئذ وعدم جواز التخيير.

(مسألة: 21) إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى كالخضر والفواكه واللحم ونحوها جاز أن يقوِّمها الملتقط على نفسه(2) ويتصرّف فيها بما شاء: من أكل ونحوه ويبقى الثمن في ذمّته للمالك، كما يجوز له أيضاً بيعها على غيره ويحفظ ثمنها للمالك،



(1) مضى منّا في تعليقنا الآنف على قول المصنّف(رحمه الله): «بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك سنةً كاملةً» أنّ الأحوط وجوباً مواصلة التعريف إلى حين اليأس.

(2) بعد الانتظار إلى المدّة التي يمكن الاحتفاظ فيها بالمال، وبعد استئذان الحاكم الشرعيّ في التقويم على الأحوط وجوباً(1).


(1) لأنّ الرواتين الدالّتين على جواز التقويم على نفسه والتصرّف غير تامّتين سنداً:

إحداهما: مرسلة الصدوق: «وإن وجدت طعاماً في مفازة، فقوّمه على نفسك لصاحبه، ثمّ كله». الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من اللقطة، ح 9، ص 444.

والثانية: رواية السكونيّ بسند فيه النوفليّ في نفس المصدر، ب 23، ص 468 عن أبي عبدالله(عليه السلام): «أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكّين، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يقوّم ما فيها ثُمّ يؤكل؛ لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن...».

258

والأحوط(1) أن يكون بيعها على غيره بإذن الحاكم الشرعيّ، ولا يسقط التعريف عنه، بل يحفظ صفاتها ويعرِّف بها سنة، فإن وجد صاحبها دفع إليه الثمن الذي باعها به أو القيمة التي في ذمّته، وإلّا لم يبعد جريان التخيير المتقدّم.

(مسألة: 22) إذا ضاعت اللقطة من الملتقط فالتقطها آخر وجب عليه إرجاعها إلى الأوّل (2)، فإن لم يعرفه وجب عليه التعريف بها سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه، وإن لم يجده ووجد الملتقط دفعها إليه، وعليه إكمال التعريف سنةً ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني، فإن لم يجد أحدهما حتّى تمّت السنة جرى التخيير المتقدّم.

(مسألة: 23) قد عرفت أنّه يعتبر تتابع التعريف طوال السنة، فقال بعضهم بتحقّق التتابع بأن لا ينسى اتّصال الثاني بما سبقه، وأنّه تكرار لما سبق، ونسب إلى المشهور أنّه يعتبر فيه أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة، وفي بقيّة الشهر الأوّل كلّ اُسبوع مرّة، وفي بقيّة الشهور كلّ شهر مرّة، وكلا القولين مشكل، واللازم الرجوع إلى العرف فيه، ولا يبعد صدقه إذا كان في كلّ ثلاثة أيّام مرّة.

(مسألة: 24) يجب أن يكون التعريف في موضع الالتقاط ولا يجزئ في غيره. نعم، إذا كان الالتقاط في الزُقاق أجزأ التعريف في الصحن أو في السوق أو



(1) وجوباً(1).

(2) إن لم يلتقطها الأوّل بنيّة التعريف، لم يجب إرجاعها إلى الأوّل؛ لأنّه لم يكن أميناً شرعيّاً على اللقطة، بل لم نجد دليلاً على وجوب إرجاعها إليه حتّى في صورة كونه أميناً عليها، فبإمكانه أن يتكفّل هو بتعريفها بهدف تحصيل المالك.


(1) لأنّ الرواتين الدالّتين على جواز التقويم على نفسه والتصرّف غير تامّتين سنداً كما عرفت.

259

ميدان البلد، أمّا إذا كان الالتقاط في القفار والبراري: فإن كان فيها نُزّال عرّفهم،وإن كانت خاليةً فالأحوط التعريف في المواضع القريبة التي هي مظنّة وجود المالك، ويجب أن يكون في مجامع الناس، كالأسواق، ومحلّ إقامة الجماعات، والمجالس العامّة، ونحو ذلك ممّا يكون مظنّة وجود المالك.

(مسألة: 25) إذا التقط في موضع الغربة جاز له السفر واستنابة شخص أمين في التعريف، ولا يجوز السفر بها إلى بلده. نعم، إذا التقطها في منزل السفر جاز له السفر بها والتعريف بها في بلد المسافرين، وكذا إذا التقط في بلده، فإنّه يجوز له السفر واستنابة أمين في التعريف.

(مسألة: 26) اللازم في عبارة التعريف مراعاة ما هو أقرب إلى تنبيه السامع لتفقّد المال الضائع وذكر صفاته للملتقط، فلا يكفي أن يقول: من ضاع له شيء أو مال، بل لابدّ أن يقال: من ضاع له ذهب أو فضّة أو إناء أو ثوب أو نحو ذلك مع الاحتفاظ ببقاء الإبهام للّقطة، فلا يذكر جميع صفاتها. وبالجملة: يتحرّى ما هو أقرب إلى الوصول إلى المالك، فلا يجدي المبهم المحض غالباً، ولا المتعيَّن المحض، بل أمر بين الأمرين.

(مسألة: 27) إذا وجد مقداراً من الدراهم أو الدنانير وأمكن معرفة صاحبها بسبب بعض الخصوصيّات التي هي فيها مثل: العدد الخاصّ والزمان الخاصّ والمكان الخاصّ وجب التعريف، ولا تكون حينئذ ممّا لا علامة له الذي تقدّم سقوط التعريف فيه.

(مسألة: 28) إذا التقط الصبيّ أو المجنون فإن كانت اللقطة دون الدرهم(1) جاز للوليّ أن يقصد تملّكها لهما، وإن كانت درهماً فما زاد وجب على وليّهما(2) التعريف بها سنةً، وبعد التعريف سواء أكان من الوليّ أم من غيره يجري التخيير المتقدّم.



(1) تقدّم: أنّ عنوان مبلغ الدرهم لا أثر له.

(2) إذا سيطر على اللقطة، وإلّا فلا يجب كما أفاده اُستاذنا(رحمه الله).

260

(مسألة: 29) إذا تملّك الملتقِط اللقطة بعد التعريف فعرف صاحبها: فإن كانت العين موجودةً دفعها إليه، وليس للمالك المطالبة بالبدل، وإن كانت تالفةً أو منتقلةً عنه إلى غيره ببيع أو صلح أو هبة أو نحوها كان للمالك عليه البدل(1): المِثل في المثليّ والقيمة في القيميّ، وإن تصدّق الملتقط بها فعرف صاحبها غرم له المثل أو القيمة، وليس له الرجوع بالعين إن كانت موجودة، ولا الرجوع على المتصدَّق عليه بالمثل أو القيمة إن كانت مفقودة. هذا إذا لم يرضَ المالك بالصدقة، وإلّا فلا رجوع له على أحد وكان له أجر التصدّق.

(مسألة: 30) اللقطة أمانة في يد الملتِقط لا يضمنها إلّا بالتعدّي عليها أو التفريط بها، ولا فرق بين مدّة التعريف وما بعدها. نعم، إذا تملّكها أو تصدّق بها ضمنها، على ما عرفت.

(مسألة: 31) المشهور جواز دفع الملتقط اللقطةَ إلى الحاكم، وفيه إشكال. وكذا الإشكال في جواز أخذ الحاكم لها أو وجوب قبولها، وكذا في وجوب التعريف على الملتقط بعد دفعها إلى الحاكم على تقدير القول بجوازه (2).



(1) لا يبعد أن يكون له إلزام الملتقط باسترجاع العين فيما لو كانت قد انتقلت عنه بعقد جائز كالهبة مثلاً (1).

(2) دفعه إلى الحاكم بمعنى استيمانه عنده لا إشكال في جوازه، أمّا دفعه إلى الحاكم بمعنى إخراجه عن ذمّته بوصوله إلى الحاكم، فهذا هو المشكل، والظاهر أنّه غير صحيح. أمّا لو فرضنا الإفتاء بصحّته، فهذا معناه سقوط وجوب التعريف عن الملتقط.


(1) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ولا يقاس المقام على سائر موارد الفسخ بعد انتقال العين».

وشرح مقصوده(قدس سره): أنّ أثر الفسخ إنّما هو انفساخ العقد، وانفساخ العقد إنّما يستوجب رجوع العين مع بقائها، ورجوع البدل مع انتقالها، فليس للفاسخ إجبار الناقل على فسخ النقل، وأمّا في المقام فالمالك حقّه متعلّق ابتداءً بعين ماله، فله حقّ إلزام الملتقط بفسخ العقد الجائز.

261

(مسألة: 32) إذا شهدت البيّنة بأنّ مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه وسقط التعريف، سواء أكان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده، قبل التملّك أم بعده. نعم، إذا كان بعد التملّك فقد عرفت أنّه إذا كانت موجودةً عنده دفعها إليه، وإن كانت تالفةً أو بمنزلة التالف دفع إليه البدل، وكذا إذا تصدّق بها ولم يرضَ بالصدقة.

(مسألة: 33) إذا تلفت العين قبل التعريف فإن كانت غير مضمونة بأن لا يكون تعدٍّ أو تفريط سقط التعريف، وإذا كانت مضمونةً لم يسقط، وكذا إذا كان التلف في أثناء التعريف، ففي الصورة الاُولى يسقط التعريف، وفي الصورة الثانية يجب إكماله، فإذا عرف المالك دفع إليه المثل أو القيمة.

(مسألة: 34) إذا ادّعى اللقطة مدّع وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وكذا إذا وصفها بصفاتها الموجودة فيها، ولا يكفي مجرّد ذلك، بل لابدّ من حصول الاطمئنان بصدقه، ولا يكفي حصول الظنّ، ولا يعتبر حصول العلم(1) به وإن قال بكلٍّ قائلٌ.

(مسألة: 35) إذا عرف المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل دفع إليه العين والنماء، سواء حصل النماء قبل التملّك أم بعده، وأمّا إذا حصل لها نماء منفصل: فإن حصل قبل التملّك كان للمالك، وإن حصل بعده كان للملتقِط.

أمّا إذا لم يعرف المالك وقد حصل لها نماء: فإن كان متّصلا فإن تملّك اللقطة ملكه تبعاً للعين، وأمّا إذا كان منفصلا ففي جواز تملّكه مع العين قولان، أقواهما ذلك، وأحوطهما التصدّق به (2).



(1) يعني العلم القطعيّ الذي هو فوق الاطمينان، فإنّ الاطمينان، يعتبر عند العرف علماً أو كالعلم، ولكن العلم القطعيّ هو الذي لا يقبل احتمال الخلاف حتّى بالدقّة العقليّة.

(2) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «هذا الاحتياط لا يترك»، والأمر كما أفاده(1).


(1) لعدم معلوميّة شمول دليل جواز التملّك للنماء المنفصل.

262

(مسألة: 36) لو عرف المالك ولكن لم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله: فإن أمكن الاستئذان منه في التصرّف فيها ولو بمثل الصدقة عنه أو دفعها إلى أقاربه أو نحو ذلك تعيّن (1)، وإلّا تعيّن التصدّق بها عنه.

(مسألة: 37) إذا مات الملتقط: فإن كان بعد التعريف والتملّك انتقلت إلى وارثه كسائر أملاكه، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك فالمشهور قيام الوارث مقامه في التخيير بين الاُمور الثلاثة أو الأمرين (2)، وإن كان قبل التعريف قام(3) الوارث مقامه فيه، وإن كان في أثنائه قام(4) مقامه في إتمامه، فإذا تمّ التعريف تخيّر الوارث بين الاُمور الثلاثة أو الاثنين، والأحوط(5) إجراء حكم مجهول المالك عليه في التعريف به إلى أن يحصل اليأس من الوصول إلى مالكه ثمّ يتصدّق به عنه.

(مسألة: 38) إذا وجد مالا في صندوقه ولم يعلم أنّه له أو لغيره: فإن كان لا



(1) وكذلك لو علم برضاه في صرف المال بوجه مخصوص، كما لو علم برضاه بإطعام الخبز الملتقط للفقراء. وهذا من إفادات اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

(2) يقصد بالاُمور الثلاثة: التصدّق والتملّك وحفظها لصاحبها، ويقصد بالأمرين: الأوّلين.

(3) عطفٌ على ما سبق، أي: المشهور قيام الوارث مقامه في التعريف.

(4) أيضاً عطفٌ على ما سبق، أي: المشهور قيام الوارث مقامه في إتمام التعريف.

(5) مقصود الماتن الاحتياط الوجوبيّ، ولكن اُستاذنا الشهيد(قدس سره) رأى أن يكون الاحتياط استحبابيّاً، حيث أفاد ما مفاده: «لا يبعد أن يكون قيام الوارث مقام الميّت هو الصحيح» ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) لأنّ حقّ التصدّق، وحقّ التملّك بعد الفحص أو إكماله حقّ ماليّ مشمول لقوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً﴾. سورة البقرة، الآية: 180.

263

يدخل أحد يده في صندوقه فهو له، وإن كان يدخل أحد يده في صندوقه عرّفه إيّاه، فإن عرفه دفعه إليه، وإن أنكره فهو له، وإن جهله لم يبعد الرجوع إلى القرعة، كما في سائر موارد تردّد المال بين مالكين. هذا إذا كان الغير محصوراً، أمّا إذا لم يكن فلا يبعد الرجوع إلى القرعة(1)، فإن خرجت باسم غيره فحص عن المالك، وبعد اليأس منه يتصدّق به عنه.

وإذا وجد مالا في داره ولم يعلم أنّه له أو لغيره: فإن لم يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في المضائف ونحوها جرى عليها حكم اللقطة.

(مسألة: 39) إذا تبدّلت عباءة الإنسان بعباءة غيره أو حذاؤه بحذاء غيره: فإن علم أنّ الذي بدّله قد تعمّد ذلك جاز له أخذ البدل من باب المقاصّة، فإن كان قيمته أكثر من مال الآخر تصدّق بالزائد إن لم يمكن إيصاله إلى المالك (2)، وإن لم يعلم



(1) بل الظاهر: أنّه في فرض عدم الحصر مع فرض سقوط أماريّة يده لنفسه على المالكيّة يكون هذا لقطة(1).

(2) بل إن لم يمكن إيصاله إلى المالك، لم يجب عليه شيء؛ لأنّ المالك هو الذي هتك حرمة زيادة الماليّة لمال نفسه.


(1) لأنّ هذا داخل في ما يُفهم من صدر صحيحة جميل بن صالح «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل وجد في منزله ديناراً؟ قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة. قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً؟ قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا. قال: فهو له». الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من اللقطة، الحديث الوحيد في الباب، ص 446.

أمّا إذا وجد مالاً في داره ولم يعلم أنّه له أو لغيره: فإن لم يدخلها أحد غيره، فهو له؛ لذيل ما عرفت من صحيحة جميل، ولأماريّة يده على ملكيّته.

وأمّا إذا كان يدخلها قليل بحيث لم تسقط أماريّة يده لنفسه، فأيضاً هو له؛ لأماريّة يده على الملك.

264

أنّه قد تعمّد ذلك(1) جرى عليه حكم مجهول المالك، فيفحص عن المالك، فإن يئس منه ففي جواز أخذه وفاءً عمّا أخذه إشكال، والأحوط التصدّق به بإذن الحاكم الشرعيّ، وأحوط منه أخذه وفاءً ثمّ التصدّق به عن صاحبه، كلّ ذلك بإذن الحاكم الشرعيّ (2).

 



(1) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ما مفاده: إن لم يعلم بأنّه قد تعمّد ذلك، فإن علم برضاه في التصرّف مطلقاً، أو بمقدار ما يقابل تصرّف الآخر، جاز له التصرّف على النحو المطابق لعلمه، كما أنّه إذا علم بأنّ الآخر ينتفع بالحذاء فعلاً تسامحاً وتهاوناً، جاز له ما يساوي ذلك الانتفاع بماله.

أقول: ما أفاده(رحمه الله) صحيح إن لم يكن الحذاء الباقي أكثر قيمة؛ لأنّه في الفرض الثاني يجب أن يتعامل مع زيادة القيمة معاملة مجهول المالك.

(2) يجوز في مجهول المالك غير اللقطة الفحص بمقدار اليأس، ثُمّ التملّك أو التصدّق مع الضمان عند العثور على صاحبه.

265

المعاملات

12

 

 

 

كتاب الغصب

 

 

 

 

 

 

267

 

 

 

 

 

وهو حرام عقلا وشرعاً (1)، ويتحقّق بالاستيلاء على مال الغير ظلماً وإن كان عقاراً، ويضمن بالاستقلال، ولو سكن الدار قهراً مع المالك ضمن النصف لو كانت بينهما بنسبة واحدة، ولو اختلفت فبتلك النسبة، ويضمن المنفعة إذا كانت مستوفاة، أمّا إذا فاتت تحت يده ففيه إشكال (2). ولو غصب الحامل ضمن الحمل، ولو منع المالك من إمساك الدابّة المرسَلة فشردت أو القعود على بساطه فسرق لم يضمن ما لم يسند الإتلاف إليه فيضمن (3). ولو غصب من الغاصب تخيّر



(1) في باب الملك والغصب لا معنى لعدّ الحرمة العقليّة في عرض الحرمة الشرعيّة؛ فإنّ الحرمة العقليّة لا معنى لها إلّا القبح العقليّ، فإن كانت الملكيّة شرعيّة كان القبح العقليّ لغصبها في طول الحرمة الشرعيّة، وإن كانت الملكيّة عقلائيّة كان قبح الغصب أمراً عقلائيّاً لا عقليّاً، وإن كانت الملكيّة بجعل ظالم فلا قيمة لها عقلاً.

(2) إن فاتت المنفعة تحت يده من دون استيفائه لها: فإن كان قد فوّت المنفعة على المالك، فلا إشكال في ضمانه لها، وإن لم يكن قد فوّت المنفعة على المالك؛ لأنّ المالك لم يكن يستوفيها على تقدير عدم ظلم هذا الظالم، فلا هي منفعة مستوفاة من قبل هذا الظالم، ولا هي فائتة على المالك، فالضمان هنا للمنفعة غير واضح.

(3) فلو علمنا أنّ الدابّة كانت تشرد حتّى على تقدير عدم إمساك هذا الظالم لمالكها؛ لكون الدابّة بصدد الشرود وهي أقوى من المالك أو أنّ البساط كان يسرق حتّى لولا منع

268

المالك في الاستيفاء ممّن شاء، فإن رجع على الأوّل رجع الأوّل على الثاني، وإن رجع على الثاني لم يرجع على الأوّل، ولا يضمن الحرّ مطلقاً وإن كان صغيراً إلّا أن يكون تلفه مستنداً إليه، ولا اُجرة الصانع لو منعه عن العمل إلّا إذا كان أجيراً خاصّاً(1) لغيره، فيضمن لمن استأجره، ولو كان أجيراً له لزمته الاُجرة، ولو استعمله فعليه اُجرة عمله، ولو أزال القيد عن العبد المجنون أو الفرس ضمن جنايتهما، وكذا الحكم في كلّ حيوان جنى على غيره من إنسان أو حيوان أو غيرهما، فإنّ صاحبه يضمن جنايته إذا كان بتفريط منه، إمّا بترك رباطه أو بحلِّه من الرباط إذا كان الحيوان من شأنه أن يربط وقت الجناية للتحفّظ منه، وكذا الحكم في الضمان لو انهار جدار فوقع على إنسان أو حيوان أو غيرهما، فإنّ صاحب الجدار ضامن إذا لم يصلحه أو يهدمه وتركه حتّى انهدم فأصاب عيناً فأتلفها، وكذا لو كان الجدار في الطريق العامّ، فإنّ حكم ضمان صاحب الجدار للتلف الحاصل من انهدامه إذا لم يبادر إلى قلعه أو إصلاحه (2)، وضمان الإنسان



هذا الظالم للمالك من القعود عليه؛ لأنّه كان قد هجم عليه السارق وهو أقوى من المالك، فلم يستند الإتلاف إلى هذا المانع، فلا ضمان عليه. أمّا إذا كان يحتمل عادةً عدم وقوع الشرود أو السرقة لولا منع المانع، فهذا كاف عرفاً في استناد الاتلاف إلى هذا المانع.

وهذا هو المفهوم من تعليق اُستاذنا الشهيد(قدس سره) على عبارة الماتن في المقام.

(1) الأفضل حذف كلمة «خاصّاً» حتّى يصبح المقصود من العبارة أوضح.

(2) ينبغي هنا إضافة كلمة «ثابتٌ»؛ كي تنفع في استقامة العبارة ووضوحها.

وأفاد هنا اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ـ ونِعمَ ما أفاد ـ أنّه: «يضمن صاحب الجدار إذا كانت الحادثة في الطريق العامّ ولو لم يكن تداعي الجدار بفعله، ويضمن في غير ذلك [يعني: إذا

269

بذمّته في ماله لا على عاقلته. ولو فتح باباً فسرق غيره المتاع ضمن السارق، ولوأجّج ناراً من شأنها السراية إلى مال الغير فسرت إليه ضمنه، وإذا لم يكن من شأنها السراية فاتّفقت السراية بتوسّط الريح أو غيره لم يضمن، ويضمن الخمر والخنزير للذمّيّ بقيمتهما عندهم مع الاستتار، وكذا للمسلم حقّ اختصاصه فيما إذا استولى عليهما لغرض صحيح.

ويجب ردّ المغصوب، فإن تعيّب ضمن الأرش، فإن تعذّر الردّ ضمن مثله، ولو لم يكن مثليّاً ضمنه بقيمته يوم التلف، والأحوط استحباباً التصالح لو اختلفت القيمة يوم تلفه وأدائه، وفي المثليِّ يضمن لو أعوز المثل قيمة يوم الأداء (1)، ولو زاد للسوق فنقصت لم يضمنها (2)، ولو زاد للصفة فنقصت ضمنها مطلقاً (3)، ولو تجدّدت صفة لاقيمة لها لم يضمنها، ولو زادت القيمة لنقص بعضه ممّا له مقدَّر



كان مرور المارّ في ذاك الطريق صدفةً نادرة] إذا كان تداعي الجدار بفعله، ولكن إذا كان مالك العين التالفة ملتفتاً إلى إمكان انهدام الجدار ومع هذا وضع ماله بنحو أدّى إلى تلفه بالانهدام سقط الضمان عن صاحب الجدار على أيّ حال».

(1) نحن لا نؤمن بانقسام الأعيان إلى المثليّات والقيميّات، فدائماً نقول في ما لو أعوز المثل: إنّ عليه قيمة يوم الأداء، ولو وجد المثل ـ ولو صدفةً ـ فعليه المثل. نعم، لو أنّ مالك المثل لم يقبل بيعه على الغاصب إلّا بقيمة مجحفة، فلا يبعد سقوط وجوب تحصيله على الغاصب كي يؤدّيه إلى المغصوب منه، فبإمكانه أن يعود إلى دفع قيمة يوم الأداء العادلة.

(2) يعني: لو أنّ المغصوب زاد قيمةً بسبب السوق، بمثل قلّة العرض أو كثرة الطلب، ثُمّ نقصت القيمة، لم يضمنها.

(3) يعني: لو أنّ المغصوب زاد قيمةً بسبب تجدّد صفة فيه، ثُمّ تلفت الصفة، ضمن الغاصب قيمة الصفة.

270

كالجبّ فعليه دية الجناية (1)، ولو زادت العين زيادةً عينيّةً بأثره رجع الغاصب بها (2)، وعليه أرش النقصان لو نقصت، وليس له الرجوع بأرش نقصان عينه (3)، ولو امتزج المغصوب بجنسه(4): فإن كان بما يساويه شارك بقدر كمّيّته، وإن كان بأجود منه شارك بقدر ماليّته، إلّا أن تنقص قيمته بالمزج فعلى الغاصب أرش النقصان، وكذا لو كان المزج بالأدون (5)، ولو كان بغير جنسه ولم يتميَّز كالخلِّ



(1) العبارة غامضة، ولعلّ فيها خطأً، وكأنّ المقصود: أنّه لو زادت قيمة النقص، كما لو أصبح الفارق في السعر بين العبد المجبوب والعبد الصالح أكثر من ذي قبل ـ ولقطع ذكر الحرّ قيمة مقدّرة وهي الدية الكاملة ـ كان للمغصوب منه الأرش، وهو الفارق الفعليّ بين الصحيح والمعيب، لا دية الجناية على الحرّ، فلعلّ كلمة: «دية الجناية» خطأ، والصحيح: «الأرش»، أو «أرش الجناية».

أمّا لو كان المقصود: أنّه ليست العبرة بزيادة قيمة النقص وقلّتها، وإنّما العبرة بدية الجناية المقدّرة، فهذا الكلام غير وجيه.

(2) أي: أنّ من حقّ الغاصب استرجاع تلك الزيادة العينيّة التي هي ملك له، كما لو غصب الثوب وأضاف إليه أزراراً، فمن حقّه استرجاع تلك الأزرار؛ لأنّها ملكه، أمّا الزيادة التي تكون من قبيل نموّ الحيوان، أو الشجر، أو نتاجهما، فهي ملك المغصوب منه وإن كانت بفعل الغاصب، كما صرّح بذلك اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على عبارة الماتن في المقام.

(3) يعني: لو استرجع الغاصب ما يكون من قبيل الأزرار التي كان قد أضافها على الثوب، وكان استرجاعه ممّا يستوجب نقصان عينه، فليس له الرجوع إلى مالك الثوب بأرش تلك العين.

(4) ينبغي أن يكون المقصود هو المزج الذي يمتنع عن التمييز بينهما والفصل.

(5) أفاد اُستاذنا: أنّ الظاهر أنّ المزج بالأجود أو الأدون يعتبر من التلف، فللمغصوب منه مطالبة الغاصب بالمثل أو القيمة، كما أنّ له الاكتفاء بالتالف ومرجع الاكتفاء بالتالف إلى المشاركة على النحو المذكور في المتن. وكلامه(قدس سره)مطابق لفهم العُرف.

271

بالعسل ونحو ذلك اشترك مع المالك فيه(1) على حسب قيمة مالهما إن لم تنقص ماليّة ماله، وإلّا كان عليه أرش النقصان، وفوائد المغصوب للمالك. ولو اشتراه جاهلا بالغصب(2) رجع بالثمن على الغاصب، وبما غرم للمالك عوضاً عمّا لا نفع في مقابلته، أو كان له فيه نفع، ولو كان عالماً فلا رجوع بشيء ممّا غرم للمالك. ولو زرع الغاصب للأرض فيها كان الزرع له وعليه الاُجرة، والقول قول الغاصب في القيمة مع اليمين وتعذّر البيّنة.

 

استرجاع العين أو بدلها بالمقاصّة:

مسألة: يجوز لمالك العين المغصوبة انتزاعها من الغاصب ولو قهراً، وإذا انحصر استنقاذ الحقّ بمراجعة الحاكم الجائر جاز ذلك، ولا يجوز له مطالبة الغاصب بما صرفه في سبيل أخذ الحقّ (3)، وإذا وقع في يده مال الغاصب جاز أخذه مقاصّةً، ولا يتوقّف على إذن الحاكم الشرعيّ، كما لا يتوقّف ذلك على تعذّر الاستيفاء بواسطة الحاكم الشرعيّ، ولا فرق بين أن يكون مال الغاصب من جنس المغصوب وغيره، كما لا فرق بين أن يكون وديعةً عنده وغيره، وإذا كان مال الغاصب أكثر قيمةً من ماله أخذ منه حصّةً تساوي ماله وكان بها استيفاء حقّه،



(1) بل يصدق التلف عرفاً كما مضى في الفرع السابق، فللمالك مطالبة المثل أو القيمة، فإن وافق المالك على الاكتفاء بالتالف، حصلت الشركة على النحو المذكورفي المتن.

(2) قوله: «ولو اشتراه جاهلاً بالغصب» ينبغي لاستقامة العبارة وتوضيحها أن تُغيّر بتعبير: «ولو اشتراه أحدٌ جاهلاً بالغصب».

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «لا يبعد أن يكون له ذلك؛ لأنّ مرجع حالة الغاصب إلى الإكراه على الجامع بين التنازل عن العين المغصوبة وصرف المبلغ المذكور» ونِعمَ ما أفاده.