181

العمل المستأجَر عليه عن ذمّة الأجير بمجرّد الإجازة للإجارة الواقعة علىماينافيه، بل يسقط شرط المباشرة، ويجب على الأجير العمل للمستأجر الأوّل لا بنحو المباشرة، والعمل للمستأجر الثاني بنحو المباشرة، لكنّ فرض تعدّد المطلوب في الذمّيّات لا يخلو من شبهة(1).

 

فصل في مسائل [متفرّقة]:

(مسألة: 57) لا تجوز إجارة الأرض للزرع بما يحصل منها حنطةً أو شعيراً مقداراً معيناً، وتجوز إجارتها بالحصّة من زرعها مشاعةً ربعاً أو نصفاً، والأحوط عدم إجارتها بالحنطة أو الشعير في الذمّة إذا كان من جنس ما يزرع فيها(2)، وأ مّا



والأجير لو أفتينا ببطلان إجارة نفسه للشخص الثاني حتّى على تقدير عصيانه للإجارة الاُولى، كان له الرجوع على المستأجر الثاني باُجرة المثل إن لم تكن أكثر من اُجرة المسمّاة؛ إذ لو كانت أكثر فهو الذي أهدر كرامة ماله في مقدار الزيادة. والإفتاء ببطلان إجارته الثانية على تقدير عصيانه للاُولى مشكل.

(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): ليست فيه شبهة ثبوتاً، وإنّما هو خلاف الظاهر إثباتاً؛ لأنّ الظاهر في الذمّيّات التقييد. ونِعْم ما أفاد.

(2) إيجار الأرض بمقدار معيّن من الحنطة والشعير لا بنسبة مشاعة كالربع أو النصف يتصوّر بأحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: إجارتها بمقدار معيّن من حنطة نفس الأرض وشعيرها الذين سوف ينبتان.

والثاني: إجارتها بحنطة خارجيّة أو شعير خارجيّ، لا بما سوف ينبت من الأرض.

والثالث: إجارتها بحنطة أو شعير في الذمّة حتّى يمكنه بعد ذلك تطبيق ما في الذمّة على ما ينبت من الأرض لو أراد.

182


والمتيقّن من عدم الجواز هو الأوّل.

أمّا الثاني فجائز.

وأمّا الثالث فهو خلاف الاحتياط الاستحبابيّ(1). نعم، الأحوط وجوباً ترك اشتراط دفع ما في الذمّة من حاصل الأرض.


(1) وتوضيح ذلك استدلاليّاً على سبيل الاختصار هو: أنّ روايات المنع وردت عادةً في المقدار المعيّن من حنطة نفس الأرض أو شعيرها بقرينة ما في بعضها من استثناء النسبة المشاعة، وما في بعضها من التقييد بما إذا كان من طعامها، وما في بعضها من التفصيل بين الإيجار بالذهب والفضّة فيجوز، والإيجار بالحنطة والشعير فلا يجوز معلّلاً بأنّ الفضّة والذهب مضمون وهذا غير مضمون. راجع الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من المزراعة، وب 26 من الإجارة.

نعم، نستثني من ذلك روايتين:

الاُولى: رواية يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) «أنّهما سُئلا: ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام، وتؤاجرها بالذهب والفضّة؟ قال: العلّة في ذلك أنّ الذي يخرج منها حنطة وشعير، ولا تجوز إجارة حنطة بحنطة، ولا شعير بشعير». الوسائل، ج 19 بحسب تلك الطبعة، ب 16 من المزارعة، ح 11، ص 56. فهذه واضحة في عدم الفرق بين حنطة الأرض أو شعيرها، وحنطة غير الأرض أو شعيرها، وأنّ المقياس إنّما هو رجوع الأمر إلى مبادلة حنطة أو شعير بحنطة أو شعير. وسند الرواية ضعيف بإسماعيلبن مرار.

والثانية: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: لا تستأجر الأرض بالحنطة، ثمّ

183

إجارتها بغير الحنطة والشعير من الحبوب فالظاهر جوازه وإن كان الأحوط تركه.

(مسألة: 58) تجوز إجارة الحصّة مشاعةً من أرض معيَّنة، كما تجوز إجارة حصّة منها على نحو الكلّيّ في المعيَّن.

(مسألة: 59) لا تجوز إجارة الأرض مدّةً طويلةً لِتُوقَف مسجداً، ولايترتّب


تزرعها حنطة». نفس المصدر، ح 3، ص 54. فمقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المؤاجرة بحنطة نفس الأرض وغيرها.

إلّا أنّه لا بدّ من تقييد إطلاقها أو طرحها، وكذلك طرح رواية يونس حتّى لو فرضناها صحيحة السند؛ وذلك لأنّه من شبه المسلّمات أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد قبّل خيبراً اليهود على النسبة المشاعة ـ راجع الوسائل، ج 18 من تلك الطبعة، ب 10 من بيع الثمار ـ ولا يحتمل عدم اشتمال خيبر على الحنطة والشعير. أمّا السبب في الاحتياط في القسم الثالث وهو إيجارها بحنطة أو شعير في الذمّة فهو: أنّ ذلك يمكّنه من تطبيق ما في الذمّة على نفس حنطة الأرض أو شعيرها.

إلّا أنّ هذا لا يقتضي أكثر من الاحتياط الاستحبابيّ. نعم، في باب شراء الأرض ورد صحيح الوشّاء دالّاً على عدم جواز شرائها بكيل معيّن من الحنطة منها، وجواز شرائها بكيل معلوم بحنطة من غيرها: «قال: سألت أباالحسن(عليه السلام) عن رجل اشترى أرضاً جُرباناً معلومة بمئة كرّ على أن يعطيه من الأرض؟ فقال: حرام. قلت: جعلت فداك فإنّي أشتري منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال: لا بأس بذلك». الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 12 من بيع الثمار، ح 2، ص 237 ـ 238.

وهذا أوّلاً: يؤيّد فكرة جواز الإيجار بحنطة غير الحنطة المترقّب حصولها من الأرض.

وثانياً: أوجب احتياط اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) وجوباً في باب الإيجار بترك إيجار الأرض بحنطة في الذمّة مع اشتراط أن تدفع من حاصل الأرض على نحو تسقط مع عدم الحاصل لاحتمال شمول هذه الرواية لذلك.

184

آثار المسجد عليها. نعم، تجوز إجارتها لتعمل مصلّىً يصلّى فيه، أويتعبّد فيه، أو نحو ذلك من أنواع الانتفاع، ولا يترتّب أيضاً عليها أحكام المسجد.

(مسألة: 60) يجوز استئجار الشجرة لفائدة الاستظلال(1) ونحوه كربط الدوابّ، ونشر الثياب، ويجوز استئجار البستان لفائدة التنزّه.

(مسألة: 61) يجوز استئجار الإنسان للاحتطاب والاحتشاش والاستقاء ونحوها، فإن كانت الإجارة واقعةً على المنفعة الخاصّة وحدها أو مع غيرها ملك المستأجر العين المحازة وإن قصد الأجير نفسه أو شخصاً آخر(2) غير المستأجر، وإن كانت واقعةً على العمل في الذمّة: فإن قصد الأجير تطبيق العمل المملوك عليه على فعله الخاصّ بأن كان في مقام الوفاء بعقد الإجارة ملك المستأجر المحاز(3)



(1) كأنّ المقصود من استيجار الشجرة لفائدة الاستظلال استيجار الشجرة في بستان؛ إذ لو كان أحد يمتلك شجرة في صحراء مباحة جاز الاستظلال بها لمن أراد من دون استيجار.

(2) لولم يقصد الأجير الحيازة للمستأجر، لم يملك المستأجر العين المحازة، فلو قصد الأجير الحيازة لنفسه مثلاً، كان المحاز له، وانفسخت الإجارة، وإن كانت الإجارة واقعة على طبيعيّ الحيازة كما لو كان المستأجر يستفيد فائدة اُخرى من الحيازة غير امتلاك العين المحازة، فاستأجره لنفس الحيازة وحازها الأجير لنفسه، ملك العين المحازة، واستحقّ الاُجرة المسمّاة أيضاً كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

(3) هذا إذا كان ما في الذمّة هو الحيازة للمستأجر، وحاز الأجير بهذا القصد كما أفاد ذلك اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

أمّا إذا كان ما في الذمّة هو ذات الحيازة فحازها لنفسه، فقد ملك الأجير المحاز، واستحقّ الاُجرة المسمّاة على حيازته كما مضى في البند السابق.

وأمّا إذا كانت في ذمّته الحيازة للمستأجر وحاز لنفسه، فالمستأجر مخيّر بين الفسخ

185

أيضاً، وإن لم يقصد ذلك بل قصد الحيازة لنفسه أو غيره كان المحاز ملكاً لمن قصد الحيازة له(1)، وكان للمستأجر الفسخ والرجوع بالاُجرة المسمّاة، وفي الإمضاء والرجوع بقيمة العمل المملوك له بالإجارة الذي فوّته عليه إشكال قويّ.

(مسألة: 62) يجوز استئجار المرأة للإرضاع، بل للرضاع أيضاً، بمعنى ارتضاع اللبن وإن لم يكن بفعل منها أصلا مدّةً معيّنة، ولا بدّ من معرفة الصبيّ الذي استؤجرت لإرضاعه ولو بالوصف على نحو يرتفع الغرر، كما لا بدّ من معرفة المرضِعة كذلك، كما لا بدّ أيضاً من معرفة مكان الرضاع وزمانه إذا كان تختلف الماليّة باختلافهما.

(مسألة: 63) في جواز استئجار الشاة والمرأة للّبن والشجرة للثمرة والبئر للاستقاء إشكال، بل المنع أظهر(2).



واسترجاع الاُجرة المسمّاة، وبين عدم الفسخ ومطالبته باُجرة المثل، خلافاً لما ورد في المتن في آخر المسألة من قوله: «وفي الإمضاء والرجوع بقيمة العمل المملوك له بالإجارة الذي فوّته عليه إشكال قويّ»، فنحن نقول: لا إشكال في ذلك.

(1) لو قصد الحيازة لنفسه فلا إشكال في كون المحاز له. أمّا لو قصد الأجير الحيازة لغيره، فإن كان ذلك بتسبيب من الغير وطلبه، فلا إشكال أيضاً في كون المحاز لذلك الغير، وأمّا لو كان قصده للحيازة للغير من تلقاء نفسه ومن دون توافق سابق مع ذلك الغير، ففي صيرورة المحاز ملكاً للغير بمجرّد ذلك إشكال. نعم، له أن يحوزه من يد الحائز الأوّل بقصد التملّك فيملكه، ولكن للحائز الأوّل قبل أن يقبضه الثاني للتملّك أن يعدل عن رأيه، فيتملّكه أو يملّكه لشخص آخر.

وما دام الحائز الأوّل باقياً على حاله ـ أي: لم يملّكه للثاني، ولا لشخص آخر، ولم يعرض عنه ـ فلا يجوز لثالث أن يزاحم الحائز الأوّل بأخذ المحاز من يده وتملّكه.

(2) الإشكال في كلّ هذه هو عين الإشكال في استيجار المرأة للرضاع أو الإرضاع،

186

(مسألة: 64) تجوز الإجارة لكنس المسجد، والمشهد، ونحوهما، وإشعال سراجهما، ونحو ذلك.

(مسألة: 65) لا تجوز الإجارة عن الحيِّ في العبادات الواجبة(1)، وتجوز في المستحبّات(2)، كما تجوز الإجارة عن الميّت في الواجبات والمستحبّات،



وهو: أنّ الإيجار لا يملّك العين التي يقتطفها من لبن أو ثمرة أو ماء، وإنّما الإيجار يملّك المنفعة غير العينيّة كسكنى الدار.

والحلّ فيها جميعاً واحد، وهو: أنّ الإيجار يصدق بالنسبة لما يتجدّد من لبن أو ثمرة أو ماء، فإنّها جميعاً قبل التكوّن تعتبر منفعة للمرأة أو الشاة أو الشجرة أو عين الماء، ولا تعتبر عيناً مستقلّة عمّا اُجّر(1).

(1) نعم، قد يستثنى نادراً بعض الواجبات كالحجّ عن الحيّ الذي تجب عليه الاستنابة فيه.

(2) لا أظنّ أحداً يفتي بإطلاق ذلك حتّى السيّد الماتن(رحمه الله)، فمثلاً لا أظنّ أحداً يفتي بالاستنابة في نوافل الفرائض، فلا أظنّ الإطلاق مقصوداً من المتن، وإنّما المقصود ما لا تشترط فيه المباشرة، وأساساً في الاستنابة عن الحيّ في مثل الصلاة والصوم إشكال، ولا بأس بها بعنوان الرجاء.


(1) لا يخفى أنّ هذا بحث عقيم، فإنّ أصل جواز النتيجة في كلّ هذا ممّا لا إشكال فيه، وقد ورد في القرآن الكريم بالنسبة لإرضاع المرأة أو رضاعها قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ ـ سورة 65، الطلاق،الآية: 6 ـ ونحوها روايات أجر رضاع الصبيّ ـ راجع الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 72 من أحكام الأولاد ـ فلا يبقى الكلام إلّا في افتراض ذلك إيجاراً، أو مركّباً من إيجار وبيع، أو معاملة اُخرى مستقلّة من قبيل الإباحة بعوض.

187

وتجوز أيضاً الإجارة على أن يعمل الأجير عن نفسه ويهدي ثواب عمله إلى غيره.

(مسألة: 66) إذا أمر غيره بإتيان عمل فعمله المأمور: فإن قصد المأمور التبرّع لم يستحقّ اُجرة وإن كان من قصد الآمر دفع الاُجرة، وإن قصد الاُجرة استحقّ الاُجرة وإن كان من قصد الآمر التبرّع، إلّا أن تكون قرينة على قصد المجّانيّة، كما إذا جرت العادة على فعله مجّاناً، أو كان المأمور ممّن ليس من شأنه فعله باُجرة، أو نحو ذلك ممّا يوجب ظهور الطلب في المجّانيّة.

(مسألة: 67) إذا آجره على الكتابة أو الخياطة فمع إطلاق الإجارة يكون المداد والخيوط على الأجير، وكذا الحكم في جميع الأعمال المتوقّفة على بذل عين فإنّها لا يجب بذلها على المستأجر، إلّا أن يشترط كونها عليه أو تقوم القرينة على ذلك.

(مسألة: 68) يجوز استئجار الشخص للقيام بكلّ ما يراد منه ممّا يكون مقدوراً له ويتعارف قيامه به، والأقوى أنّ نفقته على نفسه لا على المستأجر، إلّا مع الشرط أو قيام القرينة ولو كانت العادة.

(مسألة: 69) يجوز أن يستعمل العامل ويأمره بالعمل من دون تعيين اُجرة، ولكنّه مكروه، ويكون له اُجرة المثل لاستيفاء عمل العامل، وليس من باب الإجارة.

(مسألة: 70) إذا استأجر أرضاً مدّةً معيّنةً فغرس فيها أو زرع ما يبقى بعدانقضاء تلك المدّة فإذا انقضت المدّة جاز للمالك أن يأمره بقلعه، وكذا إذا استأجرها لخصوص الزرع أو الغرس، وليس له الإبقاء بدون رضا المالك وإن بذلالاُجرة، كما أنّه ليس له المطالبة بالأرش إذا نقصت بالقلع، أ مّا إذا غرس مالا يبقى فاتّفق بقاؤه لبعض الطوارئ فالظاهر وجوب الصبر عليه مع الاُجرة،

188

إلّاأن يتضرّر المالك فيجب على المستأجر قلعه.

(مسألة: 71) خراج الأرض المستأجرة إذا كانت خراجيّةً على المالك(1). نعم، إذا شرط أن تكون على المستأجر صحّ على الأقوى.

(مسألة: 72) لا بأس بأخذ الاُجرة على ذكر مصيبة سيّد الشهداء(عليه السلام) وفضائل أهل البيت(عليهم السلام) والخطب المشتملة على المواعظ ونحو ذلك ممّا له فائدة عقلائيّة دينيّة أو دنيويّة.

(مسألة: 73) يجوز الاستئجار للنيابة عن الأحياء والأموات في العبادات التي تشرع فيها النيابة دون ما لا تشرع فيه، كالواجبات العباديّة مثل الصلاة والصيام عن الأحياء، وتجوز عن الأموات، وكذا لا تجوز الإجارة على تعليم الحلال والحرام وتعليم الواجبات مثل الصلاة والصيام وغيرهما ممّا كان محلّ الابتلاء، أ مّا إذا لم يكن محلّ الابتلاء ففيه إشكال، وكذا لا يجوز أخذ الاُجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. نعم، الظاهر أنّه لا بأس بأخذ الاُجرة على حفر القبر على نحو خاصٍّ من طوله وعرضه وعمقه، أ مّا أخذ الاُجرة على مسمّى حفر القبر اللازم فلا يجوز ولا تصحّ الإجارة عليه(2).

(مسألة: 74) إذا بقيت اُصول الزرع في الأرض المستأجرة للزراعة فنبتت: فإن أعرض المالك عنها فهي لمن سبق إليها، بلا فرق بين مالك الأرض وغيره. نعم، لا يجوز الدخول في الأرض إلّا بإذنه. وإن لم يعرض عنها فهي له.



(1) لعلّ المراد بالمالك من اُعطي الحقّ في منافع الأرض الخراجيّة من قبل وليّ الأمر، أو الذي تسيطر على قطعة خراجيّة في عصر الغيبة بحكم أخبار التحليل.

(2) نحن نرى صحّة الإجارة في جميع هذه الواجبات الكفائيّة من قبل المنتفع، ويُصبح العمل بالنسبة للأجير واجباً عينيّاً زائداً على الوجوب الكفائي الثابت على الكلّ.

189

(مسألة: 75) إذا استأجر شخصاً لذبح حيوان فذبحه على غير الوجه الشرعيّ فصار حراماً ضمن، وكذا لو تبرّع بلا إجارة فذبحه كذلك.

(مسألة: 76) إذا استأجر شخصاً لخياطة ثوب معيَّن لا بقيد المباشرة جاز لغيره التبرّع عنه فيه، وحينئذ يستحقّ الأجير الاُجرة المسمّاة لا العامل(1)، وإذا خاطه غيره لا بقصد النيابة عنه بطلت الإجارة(2) واستحقّ الخائط على المالك اُجرة المثل إن خاط بأمره، وكذا إذا كان قد استأجره ثانياً للخياطة فإنّ الإجارة الثانيةباطلة ويكون للخائط اُجرة المثل(3)، وإن خاط بغير أمره ولا إجازته لم يستحقَّ



(1) هذا إذا كان مورد الإجارة العمل في الذمّة.

وأمّا إذا كان مورد الإجارة العمل الخارجيّ، فقد انفسخت الإجارة بعدم صدور ذلك العمل الخارجيّ منه، وكذلك إذا كان مورد الإجارة العمل الخارجيّ ولكن بنحو لا يختصّ بالمباشرة، ويشمل التسبيب، فلم تصدر منه المباشرة ولا التسبّب.

(2) إلّا إذا استند عمل الغير إلى المالك بأمر أو إجارة؛ لأنّ هذا يعدّ استيفاءً للعمل المستأجر عليه؛ إذ كانت الإجارة لا بقيد المباشرة، فللأجير الاُجرة المسمّاة.

فإن لم يكن ذلك بتسبّب من المالك، انفسخت الإجارة بتلف العمل المستأجر عليه قبل قبضه. هذا إذا كان مورد الإجارة العمل الخارجيّ.

أمّا إذا كان مورد الإجارة العمل في الذمّة، فلا معنى للانفساخ.

وعندئذ فلو كانت الخياطة بتسبيب من المالك، جاء ما قلناه أيضاً: من أنّ هذا استيفاء، فالأجير يستحقّ الاُجرة المسمّاة.

ولو لم تكن بتسبّب من المالك ولا من الأجير، انفسخت الإجارة بتلف العمل المستأجر عليه كما قلناه.

ولو كانت بتسبيب من الأجير، فللمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ رجعت إليه الاُجرة المسمّاة، وإن لم يفسخ ضمّن الأجير اُجرة المثل، فلو أعطاها للمستأجر استحقّ على المستأجر المسمّاة.

(3) بل الإجارة الثانية صحيحة، وللخائط الاُجرة المسمّاة كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

190

عليه شيئاً وإن اعتقد أنّ المالك أمره بذلك.

(مسألة: 77) إذا استأجره ليوصل متاعه إلى بلد كذا في مدّة معيّنة فسافربالمتاع وفي أثناء الطريق حصل مانع عن الوصول بطلت الإجارة، وإذاكان المستأجر عليه نفس إيصال المتاع لم يستحقَّ شيئاً، وإن كان مجموعالسفر وإيصال المتاع على نحو تعدّد المطلوب استحقّ من الاُجرة بنسبة ما حصل من قطع المسافة إلى مجموع المستأجر عليه(1)، أ مّا إذا كان على نحو وحدة المطلوب فالأظهر استحقاقه شيئاً، لكنّ في صحّة الفرض نظراً(2).

(مسألة: 78) إذا كان للأجير الخيار في الفسخ لغبن أو تخلّفِ شرط أو وجودِ عيب أو غيرها: فإن فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء له، وإن كان بعد تمام العمل كان له اُجرة المثل، وإن كان في أثنائه استحقّ بمقدار ما أتى به من اُجرة المثل، إلّا إذا كان مجموع العمل ملحوظاً بنحو وحدة المطلوب كما إذا استأجره على الصلاة أو الصيام، فإنّه لو فسخ في الأثناء لم يكن له شيء، وكذا إذا كان الخيار للمستأجر ويحتمل أنّه إذا كان المستأجر عليه ـ وهو المجموع ـ على نحو وحدة المطلوب ففسخ المستأجر في الأثناء، كما إذا استأجره على الصلاة ففسخفي أثنائها يستحقّ بمقدار ما عمل من اُجرة المثل(3).



(1) هذا لو فرض انحلال الغرض المعامليّ بلحاظ جميع أجزاء السفر.

(2) الصحيح: ما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّه كلّما كان اجتماع أبعاض العمل وتلاحق أجزائه مقوّماً للغرض المعامليّ منه لم يكن ما وقع من البعض مضموناً، لا بجزء من المسمّى ولا باُجرة المثل، وهذا هو معنى وحدة المطلوب.

(3) لم أهتدِ إلى دليل معقول لهذا الاستحقاق.

نعم، لو كان برغم وقوع الاستيجار ـ على نحو وحدة المطلوب ـ قد استفاد المستأجر من العمل بقدره، كان ضمان اُجرة المثل بمقدار العمل أمراً معقولاً.

191

(مسألة: 79) إذا استأجر عيناً مدّةً معيّنةً ثمّ اشتراها في أثناء المدّة فالإجارة باقية على صحّتها، وإذا باعها في أثناء المدّة ففي تبعيّة المنفعة للعين وجهان، أقواهما ذلك(1).

(مسألة: 80) تجوز إجارة الأرض مدّةً معيّنةً بتعميرها داراً أو تعميرها بستاناً بكري الأنهار، وتنقية الآبار، وغرس الأشجار، ونحو ذلك، ولا بدّ من تعيين مقدار التعمير كمّاً وكيفاً.

(مسألة: 81) تجوز الإجارة على الطبابة ومعالجة المرضى، سواء أكانت بمجرّد وصف العلاج أم بالمباشرة، كجبر الكسير، وتضميد القروح والجروح، ونحو ذلك، وتجوز المقاطعة عليه بقيد البرء إذا كانت العادة تقتضي ذلك، كما في سائر موارد الإجارة على الأعمال الموقوفة على مقدّمات غير اختياريّة للأجير وكانت توجد عادةً عند إرادة العمل(2).

(مسألة: 82) إذا أسقط المستأجر حقّه من العين المستأجرة لم يسقط وبقيت المنفعة على ملكه(3).

(مسألة: 83) لا يجوز في الاستئجار للحجِّ البلديّ أن يستأجر شخصاًمن بلد



(1) أي: أنّه لو استأجر عيناً مدّة معيّنة ثمّ اشتراها في أثناء المدّة وبعد ذلك باعها في أثناء المدّة، فالأقوى تبعيّة المنفعة للعين؛ لأنّ امتلاكه للمنفعة قبل امتلاكه للعين لا يعني عدم تبعيّة المنفعة للعين في الانتقال إلى المشتري.

(2) وإلّا خرج العمل المستأجر عليه عن تحت القدرة.

(3) لو كان مورد الإجارة المنفعة الخارجيّة ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فإسقاط المنفعة الخارجيّة وإن كان لا معنى له، لكن يمكنه هبتها إلى المؤجر، فإن قلنا باشتراط الهبة بالقبض، أمكن قبضها بقبض العين، فيرجع المستأجر العين إلى المؤجر، أمّا لو كان مورد الإجارة المنفعة في الذمّة، فقابليّة ما في الذمّة للإسقاط واضح.

192

الميّت إلى النجف مثلا، وآخر من النجف إلى المدينة، وثالثاً منالمدينة إلى مكّة، بل لا بدّ من أن يستأجر من يسافر من البلد بقصد الحجّ إلىأن يحجّ.

(مسألة: 84) إذا استؤجر للصلاة عن الحيِّ أو الميّت فنقص بعض الأجزاء أو الشرائط غير الركنيّة: فإن كانت الإجارة على الصلاة الصحيحة كما هو الظاهر عند الإطلاق استحقّ تمام الاُجرة، وكذا إن كانت على نفس الأعمال المخصوصة وكان النقص على النحو المتعارف، وإن كان على خلاف المتعارف نقص من الاُجرة بمقداره.

(مسألة: 85) إذا استؤجر لختم القرآن الشريف فالأحوط الترتيب بين السور، بل الظاهر لزوم الترتيب بين آيات السور وكلماتها، وإذا قرأ بعض الكلمات غلطاً والتفت إلى ذلك بعد الفراغ من السورة أو الختم: فإن كان بالمقدار المتعارف لم ينقص من الاُجرة شيء، وإن كان بالمقدار الغير المتعارف ففي إمكان تداركه بقراءة تلك الكلمة صحيحةً إشكال، والأحوط للأجير أن يُرجِع من الاُجرة بمقدار الغلط(1).

(مسألة: 86) إذا استؤجر للصلاة عن زيد فاشتبه وصلّى عن عمرو: فإن كان على نحو الخطأ في التطبيق بأن كان مقصوده الصلاة عمّن استؤجر للصلاة عنه فأخطأ في اعتقاده أنّه عمرو(2) صحَّ عن زيد واستحقّ الاُجرة، وإن كان على نحو آخر لم يستحقَّ الاُجرة ولم يصحَّ عن زيد.

(مسألة: 87) الموارد التي يجوز فيها استئجار البالغ للنيابة في العبادات يجوز فيها أيضاً استئجار الصبيّ(3)، والله سبحانه العالم.



(1) إن رضي المستأجر بذلك، وإلّا فالأحوط للأجير إعادة القراءة من محلّ الغلط إلى آخر القرآن.

(2) التعبير الصحيح أن يقال: فأخطأ في تسميته بعمرو.

(3) كفاية ذلك خلاف الاحتياط.

193

المعاملات

4

 

 

 

كتاب

المزارعة والمساقاة

 

 

○  المزارعة.

○  المساقاة.

195

 

 

 

 

 

وهما عقدان لازمان(1) لا يبطلان إلّا بالتقايل، أو بفسخ أحدهما إن كان



(1) لا ينبغي الإشكال في أنّ المزارعة والمساقاة بالمعنى المألوف لدى الفقهاء عقدان لازمان.

نعم، لو صدر من مالك الأرض مجرّد إذن للعامل بالزرع أو السقي قابل للعدول، وضمن له ـ على تقدير العمل ـ حصّة من الزرع أو الثمرة، ثمّ عدل عن ذلك قبل شروع العامل في العمل، فقد انتهى الإذن، ولا شيء عليه.

ولو جعلها إذنيّة حتّى بالنسبة لما بعد الشروع وكان له العدول في أثناء العمل، فعدل في الأثناء: فلوكان جُعله انحلاليّاً، استحقّ الجُعل المسمّى بنسبة مقدار عمله، ولو كان مجموعيّاً استحقّ المثل بمقدار عمله بشرط أن لا يكون المثل أكثر من المسمّى، وإلّا فالعامل هو الذي أهدر قيمة عمله بمقدار الزيادة.

أمّا لو عدل العامل عن عمله في أثناء العمل وكان الجُعل مجعولاً بشكل مجموعيّ، لم يستحقّ العامل شيئاً.

ولو لم يعدل المالك، لا قبل العمل ولا في أثناء العمل، ولكنّه مات في أثناء العمل، فقد انتهى الإذن بموته، ورجع العامل إلى قيمة المثل بنسبة عمله، وأخذها من أصل التركه بشرط أن لا يكون المثل أكثر من المسمّى، وإلّا فقد أهدر هو الزيادة بإقدامه على المسمّى.

هذا. وأفاد اُستاذنا (رضوان الله عليه): أنّ المزارعة إذا كانت عقديّة لا إذنيّة، فلا تنفسخ

196

للفاسخ الخيار.

وفيه فصلان:

 

الفصل الأوّل في المزارعة:

ولا بدّ فيها من الإيجاب والقبول الدالَّين على المعاملة على الأرض بحصّة من حاصلها(1).



بموت أحدهما، فإذا مات مالك الأرض، قام الوارث مقامه، وإذا مات الزارع ولم تكن المزارعة مقيّدة بمباشرته للعمل، استؤجر من تركته من يكمل عمله، وما يوازي قيمة العمل يبقى ديناً على صاحب الأرض للزارع الميّت، وبإنجاز العمل من قبل وصيّ الميّت أو بإذن وليّه العامّ يستحقّ الحصّة، وتنتقل إلى وارثه.

أقول: كأنّ اُستاذنا الشهيد بان على أنّ حقيقة المزارعة عبارة عن إيجار صاحب الأرض أرضه للعامل بحصّة من حاصلها، ولذا لم يعلّق(رحمه الله) على ما ورد في المتن بعد أسطُر من قول الماتن: «لا بدّ فيها من الإيجاب والقبول الدالَّين على المعاملة على الأرض بحصّة من حاصلها»، فإنّ هذه العبارة ظاهرها أنّ الزارع قد استأجر الأرض بحصّة من حاصلها، ولم يعلّق اُستاذنا على هذا الظاهر بشيء. وطبعاً قد حُقِّق في محلّه أنّ الإجارة لا تبطل بموت المستأجر، وأمّا موت المؤجر فمقتضى القاعدة أنّه أيضاً لا يبطل الإجارة.

نعم، قد يستشكل في ذلك بسبب رواية إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ(1)، لكنّها لا تخلو من مناقشة سنداً ودلالةً.

(1) يصحّ أن يكون الإيجاب والقبول لفظيّين، ويصحّ أن يكونا فعليّين.


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 25 من الإجارة، ص 136 ـ 137.

197

 



ولا بأس بالحديث هنا عن حقيقة المزارعة، فنقول:

يمكن تفسير المزارعة باستيجار الأرض من قبل الزارع بحصّة من حاصلها، ويمكن تفسيرها بصيرورة الزارع أجيراً لمالك الأرض بحصّة من حاصلها، ويمكن تفسيرها بالمشاركة بينهما برأسي المال، فيشتركان في ناتج الأرض بالحصّة المتّفق عليها بينهما، من دون أن يكون أحدهما مستأجراً أو أجيراً، وكلّ هذه الأقسام عقلائيّة، فعلى الأقلّ يكفي إطلاق ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾لتصحيحها جميعاً.

فلو فرضنا أنّ الزارع أجير لصاحب الأرض، فمقتضى القاعدة انفساخ الإجارة بموت الأجير.

ولو فرضناها عبارة عن المشاركة في الحاصل برأسي المال، فإذا مات أحدهما ولم تدم المشاركة في رأس المال، فمقتضى القاعدة انفساخ المشاركة من حين انسحاب رأس المال من المشاركة.

ولو فرضناها عبارة عن استيجار الأرض من قبل الزارع، فقد قلنا: إنّه لا ينفسخ بموت أيّ واحد منهما.

أمّا ما هو الواقع في المصطلح الروائيّ للمزارعة؟ فيمكن القول بأنّه المشاركة برأسي المال للاشتراك في الحاصل بالنسبة المتّفق عليها، والاستشهاد لذلك بصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال:... وسألته عن المزارعة، فقال: النفقة منك، والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسّم على الشطر، وكذلك أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله)خيبر حين أتوه، فأعطاهم إيّاها على أن يعمّروها ولهم النصف ممّا أخرجت»(1). وصحيحه


(1) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 10 من المزارعة والمساقاة، ح 2، ص 45.

198

ويجب فيها اُمور(1):



الآخر: «قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن المزارعة، فقال: النفقة منك والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسّم على الشرط، وكذلك قبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر ما أخرجت...»(1).

والصحيح: أنّ تفسير المزارعة بالمشاركة بالشكل الذي أشرنا إليه وإن كان هو الظاهر من هاتين الصحيحتين، ولكن هناك روايات صريحة في تفسيرها بإجارة الأرض من قبل الزارع مع التحصيص المفترض بينهما في الناتج، فيحمل الظاهر على الصريح.

لاحظ موثّقة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام): «قال: لا تستأجر الأرض بالتمر، ولا بالحنطة، ولا بالشعير، ولا بالأربعاء، ولا بالنطاف. قلت: وما الأربعاء؟ قال: الشرب. والنطاف فضل الماء. ولكن تقبّلها بالذهب والفضّة، والنصف والثلث والربع»(2).

أمّا المساقاة فالمفهوم عرفاً منها أنّ الساقي عامل أجير لدى صاحب الأرض.

هذا. ومصداق المساقاة وارد في صحيح إبراهيم الكرخيّ(3)، وإنّما عبّرنا عنه بالصحيح؛ لأنّ إبراهيم الكرخيّ قد روى عنه الأزديّ والبجليّ، وفي صحيح يعقوب بن شعيب(4)، وفي روايات معاملة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أرض خيبر مزارعةً ومساقاةً مع الذين جعل الأرض تحت أيديهم(5).

(1) كما يجب اجتماع الشرائط الاُخرى المشتركة بين المعاملات المألوفة: من بيع


(1) الوسائل، ج 18 من تلك الطبعة، ب 10 من بيع الثمار، ح 5، ص 233.

(2) الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 26 من الإجارة، ص 138، وراجع أيضاً صحيح أبي المغرا، نفس المجلّد، ب 16 من المزارعة والمساقاة، ح 7، ص 55.

(3) الوسائل، ج 19 من تلك الطبعة، ب 10 من تلك الأبواب، ح 1، ص 45.

(4) نفس المجلّد، ب 9 من تلك الأبواب، ح 2، ص 44.

(5) راجع الوسائل، نفس المجلّد ب 8 و 9 و 10 من المزارعة والمساقاة.

199

 

وشراء وإيجار ونحوها ممّا تشابه هذه المعاملة، كما أفاد اُستاذنا(رحمه الله): أنّه يجب أن يكون كلّ من المالك والزارع بالغاً عاقلاً مختاراً، وأن لا يكون المالك محجوراً عليه لسفه أو فلس، وكذلك العامل إذا استلزم [عمله]تصرّفاً ماليّاً [كما لو كان البذر عليه]، أمّا في حالة عدم الاستلزام [كما لو لم يكن منه عدا الجُهد البدنيّ: من زرع أو حفر لتراب الأرض ونحوه]فلا يبقى مورد لشرط عدم الفلس. نعم، أفاد(رحمه الله): أنّ الأحوط وجوباً اعتبار عدم السفه.

وهنا تصدّى اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) لذكر فرعين:

الفرع الأوّل: لو تصدّى غير مالك الأرض للمزارعة مع الزارع اعتبر هذا المتصدّي غاصباً والمزارعة باطلة، فإن التفت الزارع إلى واقع الحال قبل البدء بالعمل لزمته حرمة التصرّف بالأرض بلا إذن المالك. وللمالك إجازة عقد المزارعة فتصحّ المزارعة حينئذ وتكون قائمة بين المالك والزارع.

وأفاد (رضوان الله عليه): أنّه إذا مارس الزارع العمل في الأرض بدون إذن المالك، وزرعها ببذر منه، كانت للمالك عليه اُجرة الأرض. أمّا لو شاء المالك أن يقبل بالحصّة المتّفق عليها بين العامل والغاصب عوضاً عن منفعة أرضه، فقد أفاد(رحمه الله): أنّ له ذلك [وهذا يعني: أنّه يستطيع أن يمضي التقابل بين منفعة أرضه وتلك الحصّة الواقع من قبل الزارع، فتكون له الحصّة]. وإلى هنا تكون عبارة اُستاذنا(رحمه الله) المكتوبة في تعليقه في هذا المقام مفهومة لنا، فراجع.

ولكن عبارته من هنا إلى آخر الفرع الأوّل لم أهتدِ إلى معنىً معقول لها.

وأنا أقول بدلاً عنها: وفي حالة تغريم المالك للعامل اُجرة المثل للأرض يكون كلّ ما حصل من الزرع للعامل، فلو كانت اُجرة المثل أكثر من ذلك، فللعامل في فرض تغرير الغاصب إيّاه أن يرجع إلى الغاصب في أخذ هذه الزيادة منه.

200

الأوّل: أن تكون الحصّة المشروطة للزارع مشاعةً في جميع النماء، فلا يختصّ أحدهما بنوع دون الآخر.

الثاني: تعيين المدّة(1) بالأشهر أو السنين أو الفصل الذي يكون فيه الزرع.

الثالث: تعيين الحِصّة(2) ـ بالكسر ـ المشاع مثل النصف والربع ونحوهما.

الرابع: تعيين الأرض وحدودها، ولو عيّن كلّيّاً موصوفاً على وجه لا غرر فيه كفى.

الخامس: كون الأرض قابلةً للزراعة ولو بالعلاج.

السادس: تعيين كون البذر(3) وسائر المصارف على أحدهما المعيَّن أو كليهما(4)، ويكفي وجود القرينة على التعيين ولو كانت هي التعارف.



الفرع الثاني: أنّه كما تجوز المزارعة في الأراضي غير الموقوفة كذلك تجوز في الأراضي الموقوفة.

وأفاد(رحمه الله): أنّه إذا أوقع المتولّي للوقف المزارعة على أرض موقوفة إلى مدّة وفقاً لما يراه صالحاً لجهة الوقف لزمت، ولا تبطل بموت المتولّي أثناء ذلك.

(1) ويكفي ـ كما أفاده اُستاذنا(رحمه الله) ـ تعيينها من حيث الابتداء مع جعل الانتهاء منوطاً بإدراك الحاصل.

(2) أفاد اُستاذنا هنا فروعاً في فرض النزاع والاختلاف حذفناها للاختصار، فإن شئت رأيه(رحمه الله)فراجع تعليقه على هذا الموضع.

(3) وكذلك تعيين نوع الزرع: إمّا بالإطلاق بأن يسمح المالك للزارع بأيّ زرع يراه، أو بالنصّ على نوع معيّن، فلو زارعه وترك أمر تعيين الزرع إلى ما بعد، بطلت المزارعة إذا كانت أقسام المزارعة مختلفة في الأغراض والخصوصيّات، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

(4) إن فرضنا الزارع مستأجراً للأرض ـ كما هو المصطلح الروائيّ ـ فالظاهر: أنّ

201

(مسألة: 1) يجوز للعامل أن يزرع بنفسه وبغيره وبالشركة مع غيره، إلّا أن تشترط المباشرة.

(مسألة: 2) إذا عيّن صاحب الأرض زرعاً بعينه تعيّن(1)، وإلّا تخيّر الزارع



البذر وسائر المصارف عليه، إلّا أن يقتضي ظاهر الحال أو التنصيص بينهما خلاف ذلك. وإن فرضناه أجيراً لصاحب الأرض، فالظاهر: أنّها على صاحب الأرض، إلّا أن يقتضي ظاهر الحال أو التنصيص بينهما خلاف ذلك. وإن فرضنا مشاركتهما في بذل رأسي المال مع تحصيص الناتج بينهما بما يتّفقان عليه، فلا بدّ من تعيين ما يكون على الزارع من العمل وحده، أو مع بعض المصارف: إمّا بتعارف وظهور حال، أو بالتنصيص.

(1) إذا كان التعيين في نفس العقد كما أفاده اُستاذنا(رحمه الله)، أمّا إذا كان بعد تماميّة العقد، فلا نفوذ لتعيينه.

وأضاف اُستاذنا(رحمه الله) هنا بعض الفروع كالتالي:

لو تعدّى الزارع عن الزرع الذي عيّنه المالك في نفس العقد: فتارةً يكون التعيين بنحو الاشتراط، واُخرى بنحو التقييد:

أ ـ فإن كان التعيين بنحو الاشتراط، فالمالك مخيّر بين الفسخ والإمضاء:

وفي حالة الفسخ: إن كان البذر من المالك ولم يطالب ببدله، فالناتج تماماً لمالك الأرض، ويرجع العامل على مالك الأرض باُجرة المثل لعمله، فإن كانت اُجرة المثل للعمل سيّان فلا كلام، وإن كانت اُجرة المثل لعمله أزيد من اُجرة المثل للعمل المتروك، فالزيادة يخسرها العامل؛ لأنّه هو الذي أهدر القيمة الزائدة، وإن كانت اُجرة المثل للعمل الأصليّ أزيد، لم يستحقّ الزيادة؛ لأنّه لم يأتِ به، فعلى كلّ تقدير ليست للعامل إلّا أقلّ الاُجرتين [وكأنّ هذا معنى كلام اُستاذنا: له ـ أي: للمالك ـ على العامل التفاوت بين اُجرة المثل لما وقع من الانتفاع واُجرة المثل لما عيّنه المالك منه].

202

فيزرع ما شاء.

(مسألة: 3) يجوز اشتراط مقدار معيّن لأحدهما(1) إذا علم ببقاء غيره لهما،



أمّا لو طالب المالك العامل ببدل البذر ودفعه العامل، أو كان البذر من العامل، فللمالك اُجرة المثل للأرض.

وفي حالة عدم الفسخ تكون للمالك حصّته من الحاصل، وليس له على العامل اُجرة، ولا أرش النقص لو حدث بسبب ما اختاره الزارع من زرع [لأنّه ـ في الحقيقة ـ رفع يده عن شرطه].

ب ـ وإن كان التعيين بنحو التقييد، بطلت المزارعة، وكانت للمالك على العامل اُجرة المثل، سواء كان البذر منه أو من العامل، وأمّا الحاصل فهو تابع للبذر، فإن كان البذر من العامل، أو من المالك وقد دفع العامل بدله، فالحاصل للعامل أيضاً، وإلّا فللمالك.

(1) الأحوط وجوباً ـ كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ عدم جواز اشتراط صاحب الأرض مقداراً معيّناً من الحاصل له(1) سوى ما يكون في مقابل مؤونة نفس الأرض كالخراج، ومؤونة الزرع كالبذر إذا كانت المؤونة منه(2).


(1) لقوّة احتمال الإطلاق في صحيح الحلبيّ ـ الوسائل، ب 8 من المزارعة، ح 3، ص 41 من ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به»، وتكرّر الحديث في ب 16 من تلك الأبواب، ح 1، ص 53.

(2) الخراج والتعمير منصوصان في صحيح شعيب ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 10 من المزارعة، ح 2، ص 45 ـ والخراج منصوص في حديث إبراهيم الكرخيّ ـ نفس المصدر، ح 1 ـ وفي موثّقي سماعة وزرعة ـ في نفس المصدر، ب 12، ص 47 و 48 ـ أمّا البذر فيستفاد من مفهوم ذيل حديث الكرخيّ الذي أشرنا إليه.

203

ويجوز اشتراط مقدار البذر لمن كان منه، واستثناء خراج السلطان وما يصرف فيتعمير الأرض.

(مسألة: 4) يجوز لكلٍّ من صاحب الأرض والزارع أن يخرص الزرع بعد إدراكه بمقدار معيّن منه بشرط رضا صاحبه، فيكون الزرع له ولصاحبه المقدار المعيّن، وإذا تلف الزرع أو بعضه كان عليهما معاً.

(مسألة: 5) إذا بطلت المزارعة: فإن كان البذر لمالك الأرض كان الزرع له وعليه للزارع اُجرة عمله(1)، وإن كان للزارع كان الزرع له وعليه لصاحب الأرض اُجرة أرضه، وإن كان لهما معاً كان الزرع لهما على النسبة ولكلٍّ منهما على صاحبه اُجرة ما يخصّه من تلك النسبة.

(مسألة: 6) إذا تسلّم الزارع الأرض فلم يزرع(2) حتّى انقضت المدّة ففي ضمانه اُجرة المثل لصاحب الأرض وعدم ضمانه قولان، لا يخلو أوّلهما من



(1) نعم، لو كان الاتّفاق بينهما على جعل الحاصل كلّه للمالك، أو جعل مقدار محدّد منه له ولم يزد الحاصل على ذلك المقدار، لم تثبت للزارع اُجرة عمله؛ لأنّه بنفسه أهدر قيمة عمله، أي: أنّه ـ في الحقيقة ـ قد عمل مجّاناً.

أمّا لو كان الاتّفاق بينهما على جعل مقدار محدّد من الحاصل للمالك، وزاد الحاصل على ذلك، فالزارع لم يعمل مجّاناً، فإن كان العمل بينهما بروح كون الزارع أجيراً، فله اُجرة المثل، إلّا إذا كان ما يحصل عليه ـ لو صحّت المزارعة ـ أقلّ من اُجرة المثل، فإن كان كذلك فقد أهدر هو قيمة عمله بمقدار زيادة اُجرة المثل، وإن لم يكن بهذه الروح فله اُجرة المثل.

(2) تعرّض اُستاذنا تحت هذه المسألة لفروع، وبيّن رأيه فيها، حذفناها للاختصار، ومن أراد آراءه(رحمه الله) فيها فليراجعها.

204

وجه، والأحوط الصلح.

(مسألة: 7) يجوز أن يشترط مع الحصّة ذهباً أو فضّةً على كراهة(1).

(مسألة: 8) إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع بطلت المزارعة(2)، وإذا غرق بعضها يخيّر العامل في الباقي بين الفسخ والإمضاء، وإذا غرقت بعد ظهور الزرع ففي البطلان إشكال(3).

(مسألة: 9) في جواز عقد المزارعة بين أكثر من اثنين بأن تكون الأرض ـ مثلا ـ من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع.. وهكذا



(1) لا أملك دليلاً على الكراهة عدا مثل شهرة أو إجماع منقول.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): وكذلك إذا وجد مانع آخر غير الغرق في الأثناء قبل ظهور الزرع، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله، فإنّ هذا يعني: أنّ المزارعة وقعت باطلة. وهذا الكلام لا تعليق لنا عليه.

وأفاد أيضاً: أنّه وكذلك إذا وجد مانع غير الغرق ممّا لم يمنع الاستفادة من الزرع، ولكن حصل الزرع غير البالغ والمُدرك فمنع عن إثماره، وعندئذ فالمزارعة وإن كانت باطلة، ولكن نفس هذا الزرع الخالي من الإثمار تكون له قيمة، ويكون لصاحب البذر، فإن كان صاحب البذر هو الزارع، فصاحب الأرض يرجع عليه بقيمة ما استوفاه من منفعة أرضه، وإن كان صاحب البذر هو صاحب الأرض، فالزارع يرجع عليه بقيمة عمله.

أقول: لو كان الزارع أجيراً لصاحب الأرض في عمله، فله على صاحب الزرع أقلّ القيمتين لعمله من اُجرة المثل والاُجرة المسمّاة؛ لأنّه لو كانت الاُجرة المسمّاة أقلّ من اُجرة المثل، فهو الذي أهدر كرامة عمله بمقدار زيادة المثل على المسمّاة.

(3) بعد أن كان المفروض حصول الغرق قبل التسليم فهو بحكم تلف المبيع قبل قبضه، فالأظهر البطلان.

205

قولان، أقواهما العدم(1). نعم، إذا وقع العقد بين الجماعة على النحو المذكور لم يبعد القول بصحّته، ولا تجري عليه أحكام المزارعة من حيث هي(2).

 

الفصل الثاني في المساقاة:

ولا بدّ فيها من الإيجاب والقبول الدالّين على المعاملة(3) على خدمة الاُصول



(1) بل الجواز هو الأقرب، كما أفاده اُستاذنا الشهيد(1).

(2) تقسيم الحاصل بينهم بحسب الحصص المتّفق عليها وفقاً للمزارعة أمر عقلائيّ، فلا أقلّ من شمول ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ لذلك.

(3) هنا نقول أيضاً بما قلناه في المزارعة في تعليقنا الماضي على قول المصنّف(رحمه الله): «ولابدّ فيها من الإيجاب والقبول الدالّين على المعاملة على الأرض بحصّة من حاصلها»: من أنّه يصحّ أن يكون الإيجاب والقبول لفظيّين، ويصحّ أن يكونا فعليّين.

وقد أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) هنا في ذيل هذه المسألة فروعاً اُخرى كالتالي:

ولا تصحّ المساقاة إلّا إذا كانت من قبل المالك للاُصول، فإذا ظهر بعد الاتّفاق على المساقاة [وبعد السقي]أنّ الاُصول مغصوبة، وأنّ المساقاة وقعت من قبل الغاصب، كانت المساقاة باطلة، وحينئذ تكون الثمرة كلّها للمالك، وللعامل اُجرة المثل يرجع بها على الغاصب.


(1) كأنّ وجه تقوية عدم الجواز لدى المصنّف(رحمه الله) هو بعض الروايات، كصحيح الحلبيّ ـ الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من المزارعة والمساقاة، ح 4، ص 41 ـ وصحيح عبدالله بن سنان ـ نفس المصدر، ح 5 ـ والحديث 6 ـ من نفس الباب، ص 42 ـ والحديث 10 ـ من نفس الباب، ص 43 ـ ولكن الأقرب هو الجواز؛ لأنّ الروايات المشار إليها إنّما وردت في فرض كون المعاملة بين المالك والزارع، لا بين أكثر من اثنين، مضافاً إلى أنّ موثّقة سماعة سمحت بمشاركة ثالث في البذر. راجع نفس المجلّد، ب 13 من تلك الأبواب، ص 48.