70

في أحكام الأموات

إذا مات المسلم توجّهت على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية، متى قام بها البعض سقطت عن الكلّ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين.

الاحتضار:

(73) الاحتضار يكون عند حصول الأجل وزهق الأرواح (أعاننا الله عليه)، والأحوط أن يُلقى المحتضر على ظهره حين النزع، وباطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه والجانب الأمامي منه.

وجوب الغسل:

(74) يجب تغسيل الميّت قبل أن يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأيّ سبب كان ـ عمداً أو خطأً ـ ولا مضرّة على بدنه من نبش قبره ولا هتك لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله وجب نبشه وإخراجه من القبر وتغسيله إن أمكن، وإلّا يُمّمَ بكيفيّة خاصّة.

مَن يجب تغسيله؟

(75) يجب تغسيل الميّت المسلم إلّا أن يكون شهيداً ـ لاشتراكه في معركة سائغة مشروعة من أجل الإسلام، ولم يدركه المسلمون وبه رمق من الحياة ـ أو يكون قد قتل بحقّ قصاصاً أو رجماً، فإنّ الشهيد ـ بالمعنى المذكور ـ يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط، ولا تكفين، وأمّا مَن يُقتل بحقّ قصاصاً أو رجماً

71

فإنّه يؤمر بأن يَغتسِل تماماً كغسل الأموات بالكامل، ثمّ يحنّط ويكفّن كأنّه ميّت،وبعد ذلك كلّه يقدّم للقتل أو للرجم.

وبحكم المسلمين في وجوب التغسيل أطفالهم ومجانينهم، حتّى السقط إذا تمّت له ستّة أشهر يجب تغسيله كالكبير، بل يجب ـ ولو احتياطاً ـ تغسيله قبل ذلك أيضاً إذا صدق عنوان استواء الخلقة.

ولا فرق في الميّت المسلم بين الشيعي والسنّي، فالشرط هو إسلام الميّت مهما كان نوع مذهبه، وأمّا الكافر فلا يجب تغسيله.

على مَن يجب التغسيل؟

(76) يجب تغسيل الميّت على كلّ بالغ عاقل قادر على أداء هذا الواجب. والوجوب هنا كفائي، بمعنى أنّ الواجب يؤدّى ويحصل بقيام بعض الأفراد به، ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤدّ الواجب من قبل أحد كانوا جميعاً آثمين.

كيفيّة الغسل:

(77) يغسّل الميّت ثلاث مرّات:

الاُولى: بالماء مع قليل من السدر. (والسدر: شجر النبق).

والثانية: بالماء مع قليل من الكافور. (والكافور: مادّة عطريّة تُستخرج من شجرة الكافور).

والثالثة: بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء.

ويجب أن لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية أن يصير الماء مضافاً، وأن لا يقلّل خشية أن لا يصدق الوضع والخلط.

72

ومن مات وهو محرِم ولم يكن قد حلّ له الطيب فلا يسوغ أن يوضع شيء من الكافور بماء غسله ولا يحنّط به. وأيضاً يحرم تطييبه أو تطييب كفنه بكلّ ذي رائحة عطرة.

(78) وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ثمّ بالجانب الأيمن، ثمّ بالجانب الأيسر. ولابدّ من نيّة القربة في كلّ غسل من الأغسال الثلاثة(1).

شروط الغسل:

(79) لابدّ في غسل الميّت من أن يكون الماء مطلقاً وطاهراً، كما لابدّ أيضاً من طهارة السدر والكافور، وإباحة الجميع، مع عدم الحاجب على بدن الميّت.

(80) ويجب عند تغسيل أيّ موضع من بدن الميّت أن تُزال عنه النجاسة. وإذا أصابت النجاسة موضعاً من جسد الميّت قد غسل أو بعد الفراغ من الغسل فلا تجب إعادة الغسل، وإنّما يجب تطهير ذلك الموضع مادام لم يدفن الميّت تحت الثرى، وإذا خرج من الميّت بول أو مني فلا يعاد غسله؛ حتّى ولو حدث ذلك قبل أن يحمل إلى حفرته، ويكتفى بتطهير المحلّ.

شروط المغَسّل:

(81) وهي اُمور:

الأوّل: البلوغ، فلا يجزي غسل الميّت من الصبي، حتّى ولو غسّله على أكمل وجه، بمعنى أنّ البالغين لا يمكنهم الاكتفاء بذلك.



(1) لمعرفة تفاصيل اُخرى وحكم ما لو تعذّر السدر والكافور أو الغسل راجع الفتاوى الواضحة: 287 ـ 289 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (127) ـ (131) مع مراعاة الهامش.

73

الثاني: العقل، فلا يجزي الغسل من المجنون.

الثالث: الإسلام، فلا يجزي الغسل من الكافر.

الرابع: المماثلة بين الميّت والغاسل، فالذكر يغسّله ذكر، والاُنثى تغسّلها مثلها(1)؛ ما عدا الزوج والزوجة فإنّ لكلٍّ منهما أن يغسّل الآخر.

وأيضاً يسوغ لكلٍّ من الذكر والاُنثى أن يغسّل الطفل غير المميّز، حتّى ولو تجاوز عمره ثلاث سنين، صبيّاً كان أم صبيّة، ونريد بغير المميّز هنا: مَن لم يبلغ السنّ التي يحتشم فيها.

الخامس: أن يكون الغاسل وليّاً للميّت، أو مأذوناً من قبل الولي، وهذا يعني أنّه إذا كان الغاسل وليّاً للميّت صحّ الغسل منه، ولا يحتاج إلى إذن وترخيص من غيره؛ لأنّه الولي، وإن كان الغاسل غير وليّ للميّت وجب عندئذ الاستئذان منه كشرط لصحّة الغسل.

والولي هنا الزوج ـ في ما يعود إلى موت الزوجة ـ فإنّه يُقدّم حتّى على الآباء والأبناء، ومن بعده الفئة الاُولى رتبةً في الميراث، ومن بعدها الثانية، ثمّ الثالثة على التفصيل الموجود في أحكام الإرث. والبالغون في كلّ فئة مقدّمون على غيرهم. وكذلك الأكبر سنّاً إذا كان الفاصل السنّيّ بنحو يجعله أولى عرفاً فالأحوط وجوباً أن يفترض أولى شرعاً أيضاً.

وإذا كانت الفئة تشتمل على ذكور وإناث فالذكورة توجب الأولويّة في العرف المتشرّعي، والأحوط وجوباً أن تعطى له الأولويّة الشرعيّة أيضاً. وإذا كانت الاُنثى هي الأكبر فالأحوط الجمع بين استجازة الاُنثى الأكبر وأكبر الذكور.



(1) لمعرفة حكم ما إذا لم يوجد مماثل مسلم مؤمن مع وجود مَحرم مؤمن غير مماثل وبعض التفاصيل الاُخرى راجع المصدر السابق: 290، الفقرة: (137) مع مراعاة الهامش.

74

وإذا امتنع الولي أن يباشر بنفسه وأن يأذن به إلى غيره سقط اعتبار إذنه، وصحّ تغسيل الميّت من غير إذن، وكذلك أيضاً إذا تعذّر الاستئذان منه، كما إذا كان غائباً ولا يتاح الاتّصال به فلا ينتظر عندئذ إذنه(1).

الحنوط:

(82) التحنيط عند الفقهاء: مسح الكافور براحة الكفّ على الأعضاء السبعة من الميّت التي يسجد عليها المصلّي، وهي: الجبهة، والكفّان، والركبتان، وإبهاما الرجلين. ويكره أن يوضع شيء منه في عين الميّت أو أنفه أو اُذنه أو على وجهه.

وتجب عمليّة التحنيط لكلّ ميّت يجب تغسيله، باستثناء المحرِم لحجٍّ أو عمرة إذا مات، فإنّه لا يحنّط على ما تقدّم. وموضع التحنيط بعد الغسل (وإذا كان الميّت ممّن يُيَمّم بدلاً عن الغسل فالتحنيط بعد التيمّم) وقبل التكفين أو في أثنائه.

ولابدّ أن يكون الكافور طاهراً، ومباحاً، ودقيقاً لا خشناً، وذا رائحة.

ولا تجب النيّة في التحنيط، ويجزي صدوره من كلّ بالغ عاقل مهما كان نوع دينه أو مذهبه، بل يجزي صدوره من غير البالغ العاقل أيضاً إذا أحسن العمل وأتقنه.

الكفن:

(83) بعد أن يغسَّل الميّت المسلم ويحنَّط على الوجه المتقدّم يجب تكفينه بثلاث قطع، ذكراً كان أم اُنثى أم خُنثى، عاقلاً أم غير عاقل، كبيراً أم صغيراً، حتّى السقط إذا استوت خلقته عرفاً، وإلّا يُلَفّ كيف اتّفق ويدفن على الأحوط استحباباً.



(1) تركنا بعض التفاصيل والاستثناءات في المقام اختصاراً، ولمعرفتها راجع المصدر السابق: 291 ـ 292، الفقرة: (139).

75

والقطعة الاُولى من الثلاث: تسمّى «المئزر» يلفّ الميّت من السرّة إلى الركبة، والامتداد إلى الركبة أحوط استحباباً، ويكفي مسمّى المئزر، ويستحبّ أن يكون المئزر مغطّياً للصدر والرجلين.

والثانية: «القميص» من أعلى الكتفين إلى نصف الساق على الأحوط استحباباً، ويكفي مسمّى القميص.

والثالثة: «الإزار» يغطّي البدن بالكامل من أعلى الرأس حتّى نهاية القدم.

والشرط في كلّ قطعة أن تستر ما تحتها.

(84) التكفين كالتغسيل من حيث وجوب الإذن والرخصة من الولي، أمّا نيّة القربة فهي شرط في التغسيل، لا في التكفين.

ويجزي التكفين من أيّ شخص صدر، سواء كان صغيراً أم كبيراً إذا أحسن العمل وأتقنه.

وإذا تعذّر وجود القطع الثلاث أجزأ ما أمكن منها ولو ثوباً واحداً يستر كلّ البدن، وإذا تعذّر الساتر الغامر لكلّ البدن فما يستر الأكثر، وإذا لم يتيسّر إلّا ما يستر العورة تعيّن استعماله(1).

الصلاة:

(85) بعد غسل الميّت وتحنيطه وتكفينه تجب الصلاة عليه وجوباً كفائيّاً إن كان من المسلمين وأهل القبلة، شيعيّاً كان أم سنّيّاً تقيّاً حتّى الشهيد أم شقيّاً حتّى المنتحِر،



(1) لمعرفة شروط الكفن وتفاصيلها راجع المصدر السابق: 294 ـ 295، الفقرة: (143) مع مراعاة الهامش.

76

ذكراً كان أم اُنثى، عاقلاً أم مجنوناً، كبيراً أم صغيراً إذا بلغ سنّ السادسة، أو كان قدتعلّم أو تفهّم معنى الصلاة قبل هذه السنّ.

والصلاة على الميّت عبادة لا تصحّ بدون نيّة القربة. ويعتبر في المصلّي كلّ الشروط التي تقدّمت أنّها معتبرة في المغسّل، سوى المماثلة في الذكورة والاُنوثة فإنّها شرط في المغسّل، وليست شرطاً في المصلّي.

شروط الصلاة:

(86) أمّا شروط الصلاة على الميّت فهي: أن توجد جثّته وتحضر بالفعل، حيث لا صلاة على غائب. وأن يوضع مستلقياً على ظهره، مستورَ العورة بأكفانه أو بشيء آخر إن تعذّر الكفن، وأن يستقبل المصلّي القبلة، ويقف خلف الجنازة محاذياً لها غير بعيد عنها، ورأس الميّت إلى جهة يمين المصلّي، مع عدم الحائل بين المصلّي والميّت، وأن تكون الصلاة من قيام لا من قعود، إلّا لمبرّر شرعي.

وليست الطهارة شرطاً في صحّة الصلاة على الميّت، فتصحّ ممّن لم يكن على وضوء، ومن الجنب، وممّن كان بدنه أو ثوبه نجساً، كما أنّ إباحة اللباس ليست شرطاً فيها، ولا إباحة المكان.

كيفيّة الصلاة:

(87) متى تمّ ما استعرضناه من شروط نوى المصلّي أنّه يصلّي على الميّت قربةً إلى الله تعالى، وكبّر خمساً ـ ويحتمل في المخالف جواز الاكتفاء بأربع تكبيرات، والأحوط وجوباً الخَمس ـ بعدد الفرائض اليوميّة، ويأتي بعد التكبيرة الاُولى

77

بالشهادة لله بالوحدانيّة، ولمحمّد(صلى الله عليه وآله) بالرسالة، وبعد الثانية يصلّي على النبيّ المختار وآله، وبعد الثالثة يدعو للمؤمنين والمؤمنات، وبعد الرابعة يدعو للميّت، ثمّ يختم بالخامسة.

وهذه الصياغة لكيفيّة الدعاء بعد التكبيرات غير واجبة، بل يكفي مسمّى الدعاء والتسبيح والتحميد والتهليل بعد كلّ تكبيرة ما عدا الخامسة، إلّا أنّه يستحبّ الدعاء للميّت، وخاصّةً أن يكون بعد الكبيرة الرابعة، وأن يصلّي قبل ذلك على النبي(صلى الله عليه وآله).

وأفضل من الوجه المعروف الجمع بعد كلّ تكبيرة ـ عدا التكبيرة الأخيرة ـ بين الشهادتين، ثمّ الصلاة على محمّد وآله، ثمّ الدعاء للمؤمنين، ثمّ الدعاء للميّت.

هذا بالنسبة إلى المؤمن.

ولابدّ من التتابع وعدم الفاصل بين التكبيرات الخمس وما يتبعها من شهادة وصلاة على النبيّ وأدعية، ولابدّ من هذا التتابع لحفظ هيئة الصلاة وصورتها، ومن أجل ذلك أيضاً يترك الكلام الخارج منها ـ إذا كان ماحياً لصورتها ـ وفعل أيّ شيء تنمحي معه صورتها وتذهب بهيبة الدعاء والتضرّع لله(1).

الدفن:

(88) يجب دفن كلّ ميّت مسلم ـ ذكراً كان أم اُنثى ـ وجوباً كفائيّاً بالمعنى المتقدّم في الغسل، وكذلك يجب دفن أطفالهم ودفن السقط منهم أيضاً إذا استوت خلقته



(1) لمعرفة باقي أحكام الصلاة على الميّت ولاتّضاح صورة من هذه الصلاة راجع المصدر السابق: 297 ـ 300، الفقرة: (147) ـ 152) مع مراعاة الهامش.

78

عرفاً، وإلّا فإنّه يلفُّ بخرقة ويدفن على الأحوط استحباباً، وإذا انفصل من الإنسان بعد موته وقبل دفنه شيء كالظفر أو السنّ والشعر فيجب دفنه، ولابدّ من جعله فيكفنه ودفنه معه، فإن لم يمكن ذلك كما لو كان قد دُفن الميّت فالأحوط وجوباً دفنه مستقلاًّ، هذا في الأجزاء التابعة كالظفر والسنّ والشعر، أمّا في الأجزاء المهمّة فلا شكّ في وجوب الدفن.

(89) هناك نكتة هامّة مؤثّرة في كثير من أحكام الميّت لابدّ من لفت النظر إليها، وتوضيحها: أنّ الموت موتان: موت القلب وموت المخّ.

وهما في غالب الأحيان مجتمعان في الميّت كما هو الحال في غالب الأموات، فهما يتقارنان فيهم أو يتقدّم ويتأخّر أحدهما عن الآخر بشيء يسير. والأحكام في فرض الاجتماع واضحة لا غبار عليها.

وقد يتّفق موت المخّ مع بقاء القلب نابضاً في مدّة مديدة من الزمن، وهذا يتّفق في ما إذا مات المخّ واُبقي القلب نابضاً بالأدوات والآلات وهذا ما يسمّى عادة بالموت السريريّ، ويفعلون ذلك عادة في ما إذا أرادوا الاستفادة من أعضائه للأحياء فيُخرجون العين ـ مثلاً ـ سالمةً لإهدائها أو بيعها للعميان، وكذلك أعضاء اُخرى.

وهذا حكمه الشرعيّ الأوّلي بشأن المسلم الميّت سريريّاً هو الحرمة؛ لأنّه يجب دفنه بجميع أعضائه، إلّا إذا توقّف واجب أهمّ على ذلك فيجوز، ولكن لهذا المسلم حقّ الدية.

وأمّا بلحاظ باقي أحكام الميّت فأحكام الإرث تجري من حين الموت السريريّ برغم أنّ القلب ينبض بالحياة، وكذلك وجوب تجهيزه وغُسله والصلاة عليه ودفنه

79

إن كان مسلماً، وبدنه نجس ما لم يغسّل بلا إشكال، ولكن مسّه لا يوجب غسل مسّ الميّت؛ لأنّه لم يبرُد.

وقد يتّفق عكس ذلك، أي: أنّ القلب يصاب بسكتة ولكنّ المخّ لم يمت بعدُ كما قيل: «إنّ امرأة اُصيبت بسكتة قلبيّة ثمّ رجعت بفاصل نصف ساعة»، ونُقل عن الأطبّاء أنّ هذه حالة نادرة وغريبة، يعني: أنّ المخّ يموت عادة بعد سكتة القلب بأقلّ من هذا المقدار من الزمان.

وعلي أيّ حال فمتى ما اتّفق شيء من هذا القبيل فهذا الشخص مادام لم يمت مخّه يعدّ حيّاً وليس حكمه حكم الأموات.

كيفيّة الدفن:

(90) بعد تغسيل الميّت وتحنيطه والصلاة عليه يدفن؛ وذلك بمواراته في حفرة من الأرض تمنع عنه الطيور والوحوش، وتكفّ رائحته وضرره عن الناس.

ويجب أن يُلقى في حفرته على جانبه الأيمن؛ موجّهاً وجهه والجانب الأمامي من بدنه إلى القبلة، فيكون رأسه إلى اليمين، ورجلاه إلى اليسار بالنسبة إلى القبلة. ومع الجهل بالقبلة والعجز عن معرفتها فأيّ جهة يظنّ بأنّها هي يوجّه الميّت إليها، وإذا تعذّر العلم والظنّ معاً فإلى أيّ جهة يوجّه فهي كافية ومجزية.

ومن ركب البحر ومات ولا سبيل إلى تأخير جثمانه لمكان الضرر، ولا إلى دفنه في الأرض لبعد المسافة وضع في وعاء صلب يتّسع لجثمانه، واُحكم من كلّ جهاته، وسدّت جميع ثغراته، واُلقي في البحر. هذا بعد غسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه.

80

مكان الدفن:

(91) الدفن يجب أن يكون في الأرض كما عرفنا، فلا تجزي مواراته في داخل صندوق ونحوه؛ حتّى ولو جعل الصندوق في بطن الأرض. كما لا يتحقّق الدفن المطلوب شرعاً بوضع الميّت في موضع والبناء عليه فإنّ هذا لا يجوز، حتّى ولو كان الدافع إليه دافعاً مؤقّتاً لانتظار فرصة لنقله إلى المشاهد المشرّفة؛ فإنّ في ذلك تأجيلاً للدفن الواجب شرعاً، فلا مناصَ إذن عن مواراة الميّت في الأرض.

ويجب أن تلاحظ في الأرض التي يدفن فيها الميّت اُمور منها:

أن يكون المكان مباحاً شرعاً، فلا يسوغ الدفن في أرض يملكها الغير بدون إذنه، ولا في أرض موقوفة لغير الدفن(1).

الغسل من مسّ الميّت

(92) مَن مسّ ميّتاً قبل أن يبرد جسمه وتذهب حرارته فلا غسل عليه بهذا المسّ واللمس. أجل، يتنجّس العضو والجزء الذي لمس الميّت إذا كان هو أو جسم الميّت الملموس نديّاً رطباً وتفاعل الماسّ والممسوس بسراية النداوة من أحدهما إلى الآخر، وعندئذ يجب تطهير العضو الماسّ فقط.

وأيضاً مَن مسّ ميّتاً مسلماً بعد غسله فلا شيء عليه إطلاقاً؛ حتّى ولو كان المسّ بنداوة ورطوبة.



(1) أمّا باقي ما يجب ملاحظته في مكان الدفن وغير ذلك من أحكام وتفاصيل عائدة إلى الأموات وتجهيزهم، فنتركه للاختصار. راجع لذلك المصدر السابق: 302 ـ 308، الفقرة: (154) ـ (165) مع مراعاة الهامش.

81

ومن مسّ ميّتاً بعد أن يبرد جسمه وقبل أن يغسل غسل الأموات وجب عليه غسل العضو الماسّ إن تنجّس بالمسّ، كما لو كان بنداوة ورطوبة ووجب عليه أيضاً الغسل من مسّ الميّت.

(93) لا فرق في ذلك من ناحية الميّت الممسوس بين أن يكون الميّت ذكراً أو اُنثى، عاقلاً أو مجنوناً، كبيراً أو صغيراً، حتّى ولو كان سقطاً دبّت فيه الحياة، ولا فرق من ناحية العضو الذي يمسّ به الميّت بين أن يكون المسّ باليد أو بغيرها من المواضع التي يتواجد فيها عادةً حاسّة اللمس، والأحوط وجوباً في فرض اللمس بما لا تتواجد فيه حاسّة اللمس الغسل أيضاً.

ولا فرق من ناحية العضو الممسوس بين أن يكون جزءاً ظاهراً للعيان من البدن كاليد والوجه ـ بل وحتّى الظفر والسن والشعر ـ وبين مسّ الجزء المستتر، كاللسان والأمعاء على فرض بروزها، أو ظهور شيء منها بطعنة في البطن ونحوها، ففي كلّ هذه الحالات يجب غسل مسّ الميّت.

(94) وإذا انفصل جزء من بدن الميّت فالأحوط وجوباً الغسل بمسّه ولمسه سواء كان عظماً أو مشتملاً على العظم أم لا.

(95) ويجوز لمن مسّ الميّت ووجب عليه الغسل بسبب ذلك أن يدخل المساجد والعتبات المقدّسة ويمكث فيها ما شاء وأن يقرأ آيات السجدة من سور العزائم.

(96) وكلّ عمل مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر ـ أي الوضوء ـ فهو مشروط بهذا الغسل، كالصلاة وغيرها على ما تقدّم في الوضوء.

(97) وكلّ ما يحرم على المحدث بالحدث الأصغر حتّى يتوضّأ، يحرم أيضاً على مَن يجب عليه هذا الغسل حتّى يغتسل، فيحرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف.

وكيفيّة الغسل من مسّ الميّت هي الكيفيّة العامّة للغسل التي تقدّمت.

82

الأغسال المستحبّة

(98) الأغسال المستحبّة كثيرة، مَن فعلها فهو مأجور، ومَن تركها ليس بمأزور، وأهمّها: غسل الجمعة، واستحبابه مؤكّد في الدين، ويسوغ الإتيان به من طلوع الفجر إلى آخر النهار، ولكنّ الغسل قبل الظهر أفضل من تأخيره إلى بعد الظهر ـ ويحتمل أن تكون هذه الأفضليّة مقدّميّة، أي لدرك الصلاة في أوّل الوقت مع الغسل ـ فإن أخّره نوى به ما هو المطلوب، سواء كان أداءً أو قضاءً، وإذا لم يتيسّر الماء في يوم الجمعة قضاه يوم السبت،وكذلك إذا فاته الغسل يوم الجمعة بأيّ سبب آخر.

(99) ومن الأغسال المستحبّة: غسل يوم عيد الفطر وغسل يوم عيد الأضحى، وغسل اليوم الثامن من ذي الحجّة، وغسل اليوم التاسع منه (يوم عرفة)، وغسل الليلة الاُولى من شهر رمضان، والليلة السابعة عشرة، والليلة التاسعة عشرة، وليلة الحادي والعشرين، وليلة الثالث والعشرين، والغسل عند إرادة الإحرام، وعند دخول الحرم، وعند دخول مكّة، وعند دخول المدينة، وعند دخول البيت الحرام، وغسل المباهلة وغسل الاستسقاء، وغسل الاستخارة، وغسل التوبة؛ إذ يستحبّ للمذنب إذا تاب من ذنبه أن يغتسل وينوي بذلك أنّه يغتسل غسل التوبة قربةً إلى الله تعالى(1).



(1) راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 312 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (172) مع مراعاة الهامش، لمعرفة بعض التفاصيل بشأن الأغسال المستحبّة.

83

التيمّم

(1) التيمّم: هو مسح الجبهة وما حولها إلى الحاجبين بباطن الكفّين، ومسح ظاهر كلٍّ من الكفّين بباطن الاُخرى.

وهو كالوضوء والغسل عبادة لا يصحّ إلّا بنيّة القربة، ويعبّر عنه بالطهارة الترابيّة؛ لأنّه يستعمل فيه التراب تمييزاً له عن الطهارة المائيّة. وأعضاء التيمّم هي المواضع التي يقع المسح عليها أو بها، وتتكوّن من: الجبهة والجبين وباطن الكفّين وظاهرهما.

(2) ويعتبر التيمّم بديلاً عن الوضوء، فمن حصل منه ما يوجب الوضوء تيمَّمَ عوضاً عن الوضوء في حالة عدم تيسّر الوضوء له. كما يعتبر بديلاً عن الغسل أيضاً، فمن حصل منه ما يوجب الغسل تيمَّم عوضاً عن الغسل في حالة عدم تيسّر الغسل، ولهذا يسمّى بالطهارة الاضطراريّة، وفي ما يلي بعض التفاصيل:

مسوّغات التيمّم:

(3) إذا لم يتيسّر الماء أو لم يتيسّر استعماله فيسوغ التيمّم، فهناك إذن مسوّغان رئيسيان للتيمّم، وسوف نتكلّم عنهما تباعاً.

عدم تيسّر الماء:

المسوغ الأوّل: عدم تيسّر الماء الذي يصحّ الوضوء به، ونعني بعدم تيسّر الماء: إحدى الحالات التالية:

(4) الحالة الاُولى: أن لا يوجد الماء في كلّ المساحة التي يقدر المكلّف على

84

الوصول إليها والتحرّك ضمنها مادام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لايوجد ماء بحال أو يوجد منه مقدار يسير لا يكفي لما هو المطلوب من الوضوء أو الغسل، أو يوجد منه ما لا يسوغ الوضوء أو الاغتسال به، كماء نجس أو ماء مغصوب.

(5) الحالة الثانية: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكن يصعب الوصول إليه بدرجة يحسّ الإنسان عند محاولة ذلك بالمشقّة الشديدة والحرج، سواء كانت المشقّة جسديّة ـ كما إذا كان الماء في موضع بعيد ـ أو معنويّة، كما إذا كان الماء ملكاً لشخص ولا يأذن بالتصرّف فيه إلّا أن يتذلّل له الإنسان ويعامله بما يشقّ عليه.

(6) الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، وقد لا يكون بعيداً أيضاً ولكنّ محاولة الوصول إليه تعرّض الإنسان للضرر أو الخطر، كما إذا كان الإنسان في صحراء وكان الماء على مقربة من سباع مفترسة.

(7) الحالة الرابعة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّه ملك لشخص لا يأذن لهذا المكلّف المريد للوضوء بالتوضّؤ منه إلّا إذا دفع ثمناً مجحفاً يضرّ بحاله من الناحية الماليّة.

(8) الحالة الخامسة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّ الوصول إليه يتوقّف على ارتكاب اُمور محرّمة، كما إذا كانت الآلة التي يستعملها في الحصول على الماء مغصوبةً وإن كان الماء مباحاً.

ونلاحظ أنّ المكلّف في الحالة الاُولى لا يمكن أن يحصل منه الوضوء، فالواجب عليه هو التيمّم، وفي الحالات الأربع التالية (الثانية إلى الخامسة) قد يمكن أن يتوضّأ ولكنّ الشارع مع هذا لم يأمره به، بل سوّغ له التيمّم، لكنّ المكلّف إذا أصرّ على الوضوء وحصل على الماء متحمّلاً كلّ المضاعفات والصعوبات وجب عليه عندئذ أن يتوضّأ به، وصحّ منه الوضوء.

85

عدم تيسّر استعمال الماء:

المسوّغ الثاني للتيمّم: عدم تيسّر استعمال الماء على الرغم من وجوده وتوفّره، ونعني بعدم تيسّر استعمال الماء: إحدى الحالات التالية:

(9) الحالة الاُولى: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال من الماء لأجل الصلاة غير ممكن؛ لضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، أو الغسل والصلاة معاً.

(10) الحالة الثانية: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال للصلاة ـ مثلاً ـ ممكناً، ولكنّه مضرّ بالإنسان من الناحية الصحّيّة؛ نظراً لمرضه، أو لأيّ سبب آخر، والضرر الصحّي يشمل نشوء المرض وتفاقمه وطول أمده.

(11) الحالة الثالثة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل ممكناً ولا ضرر صحّي، ولكنّه شاقّ على المكلّف وسبب للحرج، كما إذا كان الماء والجوّ بارِدَين بدرجة يتألّم الإنسان عند استعمال ذلك الماء ألماً شديداً محرجاً له.

(12) الحالة الرابعة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل يؤدّي إلى التعرّض للعطش على نحو يوقع المتوضّئ في الخطر أو الضرر أو الحرج، والألم الشديد.

وقد لا يكون المتعرّض لضرر العطش أو خطره نفس المتوضّئ شخصيّاً، بل شخصاً آخر ممّن تجب صيانته، أو كائناً حيّاً ممّن يهمّه أمره، أو يضرّه فقده كفرسه، أو يجب عليه حفظه، كما إذا اُودع لديه حيوان.

(13) الحالة الخامسة: أن يكون على بدن المكلّف نجاسة، أو على ثوبه الذي لا يملك غيره للستر الواجب في الصلاة وعنده ماء يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء فقط، فيسوغ للمكلّف أن يغسل بدنه وثوبه من النجاسة ويتيمّم للصلاة، كما

86

يسوغ له أيضاً أن يتوضّأ ويصلّي في الثوب النجس، أو مع نجاسة البدن.

(14) ففي كلّ هذه الحالات يسوغ التيمّم. وإذا أصرّ المكلّف على الوضوء وتوضّأ على الرغم من الظروف المذكورة صحّ منه الوضوء في الحالة الثالثة والرابعة، وكذلك في الخامسة.

وأمّا حكم الوضوء في الحالة الاُولى فهو أنّ الوضوء صحيح ما لم يكن قد توضّأ على أساس أنّه يدّعي أنّ الصلاة التي ضاق وقتها تفرض عليه الوضوء، ولا تسمح له بالتيمّم، مع أنّه يعلم بأنّها تستوجب شرعاً التيمّم لا الوضوء، ففي هذه الحالة يقع الوضوء باطلاً، وأمّا إذا توضّأ من أجل تلك الصلاة التي ضاق وقتها وهو يجهل أنّها تستوجب التيمّم، أو توضّأ من أجل كونه مستحبّاً في نفسه فالوضوء صحيح.

وأمّا حكم الوضوء في الحالة الثانية فقد تقدّم في الشرط الثالث من شروط المتوضّئ.

ويجمع كلّ ما تقدّم من الحالات العشر أن لا يتيسّر الوضوء لعجز، أو لضرر، أو لمشقّة شديدة، أو رعاية لواجب آخر كالوضوء أو أهمّ منه.

(15) وإذا أخبر الثقة بعدم وجود الماء اُخذ بخبره إن أورث كلامه الاطمئنان، وإذا أخبر الطبيب الثقة بالضرر الصحّي اُخذ بخبره إن أورث كلامه احتمال الضرر الذي يبعث على الخوف والتردّد لدى الناس عادة، بل يكفي مجرّد احتمال الضرر الذي يبعث على ذلك.

وإذا كان المكلّف يائساً من وجود الماء في هذا المكان واحتمل بعد ذلك أنّه وجد لم يجب عليه الفحص، بل يعمل بيأسه السابق.

87

الصعيد الذي يتيمّم به:

(16) الأحوط وجوباً الاقتصار في التيمّم على التراب على أن يكون طاهراً ومباحاً، وإن كان من قبيل الإسمنت مادامت موادّه مأخوذةً من الأرض، وأمّا الموادّ الصلبة من مثل المرمر والآجر والصخر والطين اليابس وغيرها من الموادّ الصلبة المأخوذة من الأرض، فلا يصحّ التيمّم بها ما لم تدقّ فتصبح تراباً.

(17) ويشترط في المادّة التي يتيمّم بها:

أوّلاً: أن تكون كمّيّةً واضحةً محسوسةً، لا من قبيل الغبار الذي يعني أجزاءً صغيرةً من التراب التي لا يبدو لها حجم وإن كانت موجودةً في الواقع.

وثانياً: أن لا تكون مخلوطةً بالماء بدرجة تجعلها طيناً(1).

(18) ولا يسوغ التيمّم بما لا يصدق عليه اسم الأرض، كالذهب والحديد والعقيق والملح والكحل والرماد والخشب، وكلّ ما يُؤكل ويلبس.

صورة التيمّم:

(19) وهي أن يضرب المتيمّم اختياراً بباطن كفّيه مجتمعتين على الأرض دفعةً واحدة، فيمسح بهما أيضاً مجتمعتين تمام جبهته وجبينيه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الذي يلي الحاجب مباشرة، والتقارن بين اليدين في الضرب وفي المسح على الوجه حكم احتياطي، والأحسن الأولى استحباباً أن يدخل الحاجبين في المسح،



(1) هذا إذا توفّرت لدى المكلّف مادّة بهذين الشرطين، وإلّا ففي المسألة تفصيلات تركناها للاختصار، راجع للوقوف عليها وعلى غيرها كتاب الفتاوى الواضحة: 321 و322 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (17) و(19) و(20) مع مراعاة الهامش.

88

فيمسحهما أيضاً مع جبهته، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع يمسحها بباطن الكفّ اليسرى، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليسرى إلى أطراف الأصابع بباطن الكفّ اليمنى، تماماً كما فعل بظاهر اليمنى. ونريد بظاهر الكفّ: ما تلمسه من ظاهر إحدى كفّيك بكفّك الاُخرى عند إمرارها عليها ومسحها بها، فلا يجب أن يشتمل المسح ما بين الأصابع، ولا غيره ممّا لا يلمس عادةً بوضع إحدى الكفّين على الاُخرى.

وإذا علق بكفّيه شيء من التراب وجب عليه النفض ـ على الأحوط ـ قبل المسح بهما.

وإذا امتدّ شعر الرأس إلى الجبهة أو الجبينين وجب رفعه عند المسح، أمّا ما ينبت عليها بالذات فيكفي مسحه.

(20) وكلّ ممسوح ممّا يجب مسحه لابدّ أن يستوعبه المسح بالكامل، ولكن لا يجب أن يكون هذا الاستيعاب بكلّ أجزاء الماسح، بل يكفي للجبهة ـ مثلاً ـ المسح ببعض الأجزاء من باطن الكفّين مجتمعتين على نحو تساهم كلّ من الكفّين في المسح(1).

شروط التيمّم:

هنا شروط يجب مراعاتها في التيمّم، وهي كما يلي:

(21) أوّلاً: إباحة الشيء الذي يتيمّم به وطهارته.

(22) ثانياً: نيّة القربة؛ لأنّ التيمّم عبادة. وسواء كان التيمّم من أجل التعويض عن الوضوء أو من أجل التعويض عن الغسل لا يجب في نيّة التيمّم شيء سوى



(1) راجع المصدر السابق: 323 ـ 324، الفقرة: (23) و(24) للوقوف على بعض التفصيلات.

89

القربة إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن ينوي كونه بدلاً عن الوضوء، أو بدلاً عن الغسل، أو كونه طهارةً اضطراريّة(1).

(23) ثالثاً: أن يأتي بأفعال التيمّم حسب تسلسلها وترتيبها المقرّر سابقاً فلو خالف وقدّم وأخّر لم يكفِهِ ذلك.

(24) رابعاً: أن يباشر المكلّف المسؤول بنفسه عمليّة التيمّم مع التمكّن من ذلك.

(25) خامساً: عدم وجود الحائل والحاجب على العضو الماسح أو العضو الممسوح. وعلى هذا الأساس يجب نزع الخاتم عند التيمّم؛ لأنّه حاجب وحائل.

(26) سادساً: التتابع بين الضرب بالكفّين ومسح الأعضاء، وعدم الفصل الطويل بين الضرب على الصعيد والمسح على النحو الذي يؤدّي إلى عدم الارتباط بين الضرب والمسح عرفاً.

(27) سابعاً: أن يكون المكان الذي يشغله المتيمّم عند التيمُّم مباحاً، فإذا غصب دار غيره وتيمّم فيها بطل تيمّمه، حتّى ولو كان التراب الذي يتيمّم به ملكاً شخصيّاً له.

(28) وهناك اُمور يحسن بالمتيمّم استحباباً تحقيقها، منها: أن تكون أعضاء التيمّم طاهرة.

نواقض التيمّم:

(29) التيمّم إذا كان بديلاً عن الوضوء انتقض بكلّ ما ينقض الوضوء ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الوضوء، شريطة أن تبقى هذه القدرة أمداً يتّسع للطهارة، بمعنى أنّه ينتهي حينئذ مفعول التيمّم، ويكون المكلّف بحاجة إلى الوضوء.



(1) للوقوف على بعض الاستثناءات في المقام وأيضاً لمعرفة التفاصيل في أحكام التيمّم راجع المصدر السابق: 324 ـ 325، الفقرة: (26) و: 329 ـ 334، مع مراعاة الهامش.

90

(30) وإذا كان التيمّم بديلاً عن الغسل انتقض بكلّ ما ينقض الغسل ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الغسل، بمعنى انتهاء مفعول التيمّم بذلك، ويكون المكلّف بحاجة إلى الغسل، ولا ينتقض هذا التيمّم البديل عن الغسل بما يوجب الوضوء (الحدث الأصغر)، فلو تيمّم الجنب ـ مثلاً ـ ثمّ نام أو بال بقي تيمّمه عن الجنابة نافذ المفعول، وعليه أن يتوضّأ من أجل البول أو النوم إن كان متيسّراً، وإن لم يتيسّر الوضوء تيمّم بدلاً عنه، وكذلك إذا تيمّمت الحائض بدلاً عن غسل الحيض ثمّ نامت أو بالت فإنّها لا تعيد تيمّمها هذا، وإنّما عليها أن تتوضّأ إن أمكن، وإلّا تيمّمت بدلاً عن الوضوء(1).

(31) وإذا تيمّم الجنب بدلاً عن غسل الجنابة كفاه ذلك عن الوضوء، ما لم يحصل بعد التيمّم ما يوجب الوضوء، وإن حصل شيء من ذلك توضّأ إن كان الوضوء ميسوراً، وإلّا تيمّم(2).



(1) لمعرفة بعض التفاصيل في المقام راجع المصدر السابق: 327، الفقرة: (35) مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة أحكام تتعلّق بالخلل في التيمّم راجع المصدر السابق: 328 ـ 329، الفقرة:(36) ـ (38) مع مراعاة الهامش.

91

النجاسات والتطهير منها

تمهيد:

النجاسة لغةً: القذارة، وشرعاً: ما يجب على المسلم أن يتنزّه عنها، ويغسل ما يصيبه منها عند الصلاة. وفي مقابل النجاسة الطهارة، وقد تسمّى النجاسة بالخبث، وتسمّى الطهارة منها بالطهارة الخبثيّة، أي الطهارة من الخبث.

(1) وكلّ جسم فهو طاهر شرعاً لا يجب التنزّه عنه، باستثناء الأعيان النجسة، أو الأشياء التي تتنجّس بسبب تلك الأعيان.

ونريد بالأعيان النجسة: أشياء معيّنةً حكمت الشريعة بأنّها نجسة وقذرة بطبيعتها بصورة أصيلة أي لم تكتسب هذه النجاسة من الملاقاة لشيء آخر قذر.

ونريد بالأشياء التي تتنجّس بها: أشياء طاهرةً بطبيعتها، ولكنّها تكتسب النجاسة بالملاقاة لشيء نجس أو قذر، ويسمّى أحدها بالمتنجّس تمييزاً له عن عين النجس، فالبول عين النجس، ويدك التي يصيبها البول شيء متنجّس.

ونبدأ الكلام هنا عن الأعيان النجسة، واستعراض أنواعها كالآتي:

الأعيان النجسة:

(2) الأوّل والثاني: البول والعذرة، كلّ ما يطلق عليه اسم البول أو الغائط (أردأ الفضلات التي تخرج من الإنسان وغيره من الحيوانات بسبب الطعام والشراب)

92

فهو نجس عيناً، ولا يطهر بحال، ويستثنى منه ما يلي:

(3) أوّلاً: فضلات الطير بأقسامه فإنّها طاهرة، سواء كان لحم الطير ممّا يسوغ أكله شرعاً كالحمام، أو ممّا لا يؤكل كالبازي.

(4) ثانياً: فضلات كلّ حيوان يسوغ أكل لحمه شرعاً، شريطة أن لا يعيش الحيوان على العذرة أمداً حتّى يشتدّ لحمه، وإلّا حرم من أجل ذلك، وكانت فضلاته نجسةً مادام على هذا النحو.

(5) ثالثاً: فضلات الحيوانات التي ليس لها لحم عرفاً فإنّها طاهرة، حتّى ولو لم يكن أكلها سائغاً شرعاً، كفضلات العقرب والخنفساء.

(6) رابعاً: فضلات حيوان ذي لحم غير ذي نفس سائلة كالسمك، فإن كان محلّل الأكل فقد دخل في القسم الثاني فلا إشكال في طهارة فضلاته، وإن كان محرّم الأكل كالسمك الذي لا فلس له فلا إشكال في طهارة خرئه، وكذلك لا إشكال في طهارة بوله لو لم يكن له وجود متميّز عن الخرء بأن كان بوله يندفع كرطوبات مع الخرء ولا يتميّز في إحساسنا عنه، أمّا لو كان له بول مستقلّ عن الخرء ومتميّز عنه فمقتضى الاحتياط الاجتناب عنه.

(7) الثالث: المني نجس من الإنسان ومن كلّ حيوان ذي نفس سائلة أي الذي يجري دمه من العروق بدفع وقوّة ـ ويعرف ذلك عادة حين الذبح فيرى كيفيّة اندفاع الدم ـ سواء كان ممّا يسوغ أكل لحمه أم لا.

ومني الرجل واضح، وأمّا ما يخرج من المرأة من رطوبات فلا دليل على نجاسته.

(8) الرابع والخامس: الكلب والخنزير. وهما نجسان عيناً وذاتاً بكلّ ما فيهما.

ولا تشمل النجاسة كلب البحر ولا خنزير البحر، وهما حيوانان بحريّان يطلق

93

عليهما اسم الكلب والخنزير تشبيهاً لهما بالكلب والخنزير البرّيّين.

(9) السادس: الميتة. قد يكون الحيوان نجساً بالذات كالكلب والخنزير على ما تقدّم، فإذا مات تضاعفت النجاسة وتعاضدت بتعدّد السبب.

والكلام هنا حول الحيوان الطاهر مادام حيّاً، فإن مات تنجّس بالموت فقط، فكلّ حيوان طاهر إذا مات أصبح نجساً، ويسمّى بالميتة، ونقصد بالميتة أو الحيوان الميّت: ما مات بدون أن يذبح على الوجه الشرعي، ولا فرق بين أن يكون مأكول اللحم أم غير مأكول.

ويستثنى من نجاسة الميتة: الحيوان الذي لا يجري دمه من عرقه بقوّة ودفع، فإنّ ميتته طاهرة، ومنه السمك والذباب والعقرب وغيرها من الحشرات.

(10) والإنسان ينجس بالموت كالحيوان، ويطهر الميّت المسلم بتغسيله غسل الأموات على الوجه المتقدّم في الغسل.

(11) الحمل إذا بلغ مرحلةً يتحرّك فيها ثمّ صار سقطاً فهو نجس بالموت، وإذا صار سقطاً قبل ذلك فاللازم احتياطاً اعتباره ميتةً أيضاً، وكذلك الفرخ في البيضة.

(12) النجس بالموت إنّما ينجس منه الأجزاء التي يجري فيها الدم وتدبّ فيها الحياة، وأمّا ما لا يجري فيها الدم فلا ينجس، ومن ذلك: الصوف والشعر والوبر والسنّ والعظم والريش والمنقار والظفر والقرن والمخلب، وغير ذلك. ولا فرق في طهارة هذه الأشياء من الميتة بين ميتة حيوان يسوغ أكله وميتة حيوان محرّم الأكل.

وما ذكرناه من عدم نجاسة هذه الأشياء بسبب الموت لا يعني أنّها لا تتنجّس بما في الميتة من رطوبات، فإذا لاقى شيء منها تلك الرطوبات يصبح متنجّساً.

(13) وكلّ جزء ينجس من الميتة ينجس أيضاً لو انفصل من الحيوان الحيّ، فلو

94

قطعت ألية الغنم أو رجله كانت نجسة.

ولا بأس بما ينفصل من جسم الحيوان أو الإنسان ممّا يكون بالفضلات أشبه، كالثؤلول، وقشور الجرب، وقشرة الرأس تخرج بالتمشيط والحلق بالموس، وما يعلو الجرح والشفة عند البرء، وما يتّصل بالأظفار عند قصّها، وما ينفصل عن باطن القدم حين حَكّه بالحجر عند الاستحمام، وغير ذلك ممّا لا يعدّه العرف شيئاً ذا قيمة.

(14) وكما لا ينجس الريش في الميتة كذلك البيضة في جوف الطائر الميّت، فإنّها طاهرة إن اكتست القشر الأعلى حتّى ولو كان طريّاً، أمّا أكل البيضة فيجري عليه ما يجري على البائض تحليلاً وتحريماً.

(15) وقد تسأل: هل الحليب الموجود في ضرع الحيوان الميّت تشمله نجاسة الميتة، أوْ لا؟

والجواب: إن كان الحيوان المذكور مأكول اللحم ـ كالغنم ـ فالحليب الموجود في ضرعه عند موته طاهر، أمّا إذا كان غير مأكول اللحم ـ كالهرّة ـ فحليبه نجس.

(16) وقد تسأل عن فأرة المسك، وهي جلدة في الغزال فيها ما يشبه الدم طيّب الرائحة؟

والجواب: أنّها طاهرة، سواء اُخذت من غزال حيّ أم ميّت.

(17) وقد تسأل أيضاً عن حكم أنفحة الميتة، فقد جرت العادة عند أصحاب المواشي إذا مات ابن العنزة حال ارتضاعه أن يستخرجوا معدته ويعصروها في شعرة مبتلّة باللبن فتجمد كالجبن، وتسمّى أنفحة؟

والجواب: أنّها طاهرة تماماً، كصوف الحيوان الميّت وشعره.

(18) السابع: الدم. الدم نجس عيناً، سواء كان من إنسان أو حيوان، وسواء كان