189

قضاء الصلوات اليوميّة(1)

تُقضى الفرائض الخمس من الصلوات اليوميّة وجوباً، فمن فاتته واحدة منها يجب عليه أن يقضيها.

ما هو سبب القضاء؟

(1) سبب القضاء عدم أداء الصلاة المقرّرة بصورة صحيحة في وقتها المضروب لها، إمّا بتركها رأساً، أو بالإتيان بها بصورة باطلة شرعاً، والعبارة الشاملةهي فوت الصلاة في وقتها، فمن فاتته الصلاة في وقتها توجّه إليه القضاء.

(2) وليس كلّ مَن لم يؤدّ الصلاة فقد فاتته الصلاة ويجب عليه قضاؤها، وإنّما يتوقّف ذلك على توفّر أحد الأمرين التاليين:

الأوّل: أن يكون الإنسان قد كُلّف بتلك الصلاة في وقتها المضروب لها ولم يصلّها عصياناً أو نسياناً أو جهلا منه بالتكليف، ونحو ذلك فيجب على المكلّف حينئذ أن يقضيها. ويُستثنى من ذلك الكافر بالأصل الذي نشأ على الكفر؛ فإنّه لا يقضي ما يتركه من صلوات على الرغم من أنّه مكلَّف بكلّ صلاة في وقتها، وأمّا المسلم الذي يكفر عن رِدّة فيترك الصلاة فيجب عليه القضاء.



(1) لمعرفة أنّه ماذا يقضى من الصلاة راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 609 ـ 610 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

190

الثاني: أن يكون الإنسان قد سقط عنه التكليف بتلك الصلاة في وقتها؛ بسبب عدم القدرة، فمن كان غير مكلّف بالصلاة في وقتها لعجزه وقتئذ عن أدائها يجب عليه قضاؤها، سواء كان العجز ناشئاً من فقدان الإنسان لوعيه كعجز النائم إذا استمرّ نومه طيلة وقت الصلاة، وكذلك المخدَّر، أو كان العجز لسبب آخر مع وجدان الإنسان لوعيه، من قبيل الإنسان الذي عجز عن الحصول على ما يتوضّأ به أو يتيمّم به للصلاة، ففي كلّ هذه الحالات يجب القضاء.

ويستثنى من ذلك ما إذا حصل فقدان الوعي بسبب إغماء قاهر لا دخل للإنسان فيه، كالمريض يُغمى عليه ففي هذه الحالة لا يجب القضاء.

(3) وعلى أساس ما تقدّم يتّضح أنّه لا قضاء للصلوات التي تفوت الناس حال الصغر وعدم البلوغ، أو حال الجنون، أو حال الحيض، أو حال النفاس؛ لأنّ هؤلاء وإن كانوا قد تركوا الصلاة في تلك الحالات ولكنّهم لم يكونوا مكلّفين بها بسبب الصغر أو الجنون أو الحيض أو النفاس، فلا يجب قضاء ما ترك بسبب تلك الأشياء إذا كانت تلك الأشياء مستوعبةً لوقت الصلاة.

(4) وإذا دخل وقت الفريضة على الإنسان وهو غير بالغ أو مجنون أو مغمىً عليه بإغماء قاهر، أو كافر بالأصل ـ أي نشأ كافراً ـ وقبل انتهاء الوقت بلغ أو عقل أو أفاق من الإغماء أو أسلم: فإن كان قد بقي من الوقت ما يتّسع ولو لركعة من صلاة الفريضة (حتّى ولو مع التيمّم إذا لم يتيسّر الوضوء لضيق الوقت) وجب عليه ـ كما تقدّم ـ أن يصلّي صلاة الفريضة قبل انتهاء الوقت، فإذا لم يصلّ كذلك حتّى انتهى وجب عليه القضاء.

وإن كان ما بقي من الوقت حين بلغ أو عقل أو أفاق أو أسلم لا يتّسع حتّى لركعة من ذلك القبيل فلا تجب عليه تلك الصلاة، ولا يجب عليه قضاؤها.

191

(5) وإذا دخل وقت الفريضة على المرأة وهي حائض ثمّ نَقَت قبل انتهاء الوقت فهناك حالتان:

الاُولى: أن تنقى وفي الوقت متّسع للغسل والصلاة، فيجب عليها أن تغتسل وتصلّي، وإذا لم تفعل وجب عليها القضاء.

الثانية: أن تنقى وليس في الوقت متّسع للغسل، وإنّما يتّسع للتيمّم، فيجب عليها أن تتيمّم وتصلّي، وإذا لم تفعل فلا يجب عليها القضاء.

(6) وإذا دخل وقت الفريضة على الإنسان وهو سليم من الجنون أو الإغماء؛ ثمّ مُنِيَ بأحدهما في أثناء الوقت قبل أن يؤدّي الصلاة وجب عليه القضاء بعد الإفاقة إذا كانت الفترة التي سبقت الجنون أو الإغماء من وقت الفريضة تتّسع لصلاة فريضة تامّة بما يجب لها من التطهير، وكذلك إذا كانت تتّسع لصلاة فريضة تامّة فقط وكان بإمكان الإنسان أن يتطهّر لها قبل دخول الوقت، وأمّا إذا كانت تلك الفترة لاتتّسع لأداء صلاة فريضة تامّة فلا يجب القضاء.

وكذلك الأمر إذا حاضت المرأة أو بدأ بها النفاس بعد دخول وقت الفريضة ولم تكن قد صلّت.

كيف تُقضى الصلاة؟

(7) تُقضى الصلاة ويؤتى بها خارج الوقت بنفس الطريقة والكيفيّة التي كان من المفروض مراعاتها لو أتى بها أداءً في أثناء الوقت، فما فات الإنسان من صلاة وهو مسافر يقضيه قصراً ولو كان حين القضاء في بلدته، وما فات من صلاة وهو حاضر في بلدته يقضيه تماماً ولو كان حين القضاء مسافراً.

192

وإذا دخل عليه وقت الفريضة وهو في حال السفر ورجع إلى بلده قبل انتهاء الوقت ولكن لم يصلّ وجب عليه أن يأتي بها عند القضاء تماماً مراعاةً لحالته في آخر الوقت، وفي حالة العكس يأتي بها قصراً.

(8) وليس للقضاء وقت خاصّ، فمن فاتته فريضة ووجب عليه قضاؤها له أن يأتي بها متى شاء، وليس من الواجب الإسراع بإقامتها، بل له تأجيلها ما لم يؤدّ ذلك إلى الإهمال ويعرّضها إلى الفوات نهائيّاً.

(9) وإذا فاتته أكثر من صلاة واحدة ـ كصلاتين مثلا ـ فإن كانتا ظهراً وعصراً ليوم واحد، أو مغرباً وعشاءً لليلة واحدة وجب أن يقضي الظهر قبل العصر، وأن يقضي المغرب قبل العشاء، وإن كانتا على نحو آخر فهو مخيَّر في تقديم وتأخير ما شاء، كما إذا فاتته صبح وظهر ومغرب.

وعلى هذا الأساس فمن فاتته الصلاة سنةً كاملة أو شهراً كاملا أمكنه أن يقضي الصلوات بالترتيب: الصبح، ثمّ الظهر والعصر، ثمّ المغرب والعشاء، ثمّ الصبح، وهكذا، وأمكنه أن يختار اُسلوباً آخر، فيقضي ـ مثلاً ـ صلوات الصبح كلّها، ثمّ صلوات الظهر كلّها، أو صلوات الظهر والعصر كلّها، ثمّ صلوات المغرب والعشاء كلّها(1).

القضاء عن الوالد:

(10) كما يجب على المكلّف أن يقضي ما فاته من الصلوات الواجبة التي ذكرناها كذلك يجب أن يقضي ما فات والده من تلك الصلوات إذا كان الولد ذكراً، ولم يكن



(1) لمعرفة أحكام لصلاة القضاء ولحالات في الشكّ راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 614 ـ 615 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (29) ـ (31) مع مراعاة الهامش.

193

للوالد ولد ذكر أكبر منه حيّ حين وفاة والده، ولا يجب ذلك على البنت، ولا علىالابن الأصغر.

وإذا كان للوالد ابنان متساويان في العمر، كما لو كانا مولودين لأب واحد من زوجتين في وقت واحد كان القضاء عنه في عهدتهما متضامنين، فإن أدّى أحدهما سقط عن الآخر، وإلّا كانا آثمين معاً.

وإذا أدّى أحدهما قسماً وأدّى أخوه القسم الآخر تحقّق المطلوب أيضاً.

وإذا كان هذان الابنان توأمينِ كان القضاء على أسبقِهما ولادةً.

وإذا أوصى الوالد بأن يُقضى عنه من تركته ونفّذت الوصيّة سقط القضاء عن ابنه، وكذلك إذا تبرّع متبرّع آخر بالقضاء عن والده.

ويجوز للابن الذي وجب عليه القضاء عن أبيه أن يستأجر لذلك خروجاً عن العهدة، ويبذل من ماله الاُجرة إذا لم يكن الوالد قد أوصى بإخراجها من الثلث، وإلّا كان بالإمكان إخراجها من الثلث.

وإذا شكّ الولد في أنّ أباه هل فاتته صلوات في حياته أم لا؟ فلا يجب عليه شيء. وإذا كان الولد على يقين من أنّ أباه كانت عليه صلوات ولكنّه شكّ في أنّه هل أدّاها قبل وفاته أم لا؟ فعليه أن يؤدّيها.

195

صلاة الآيات

صلاة الآيات من الصلوات الواجبة.

أسباب وجوبها:

(1) وأسباب وجوبها ما يأتي:

1 ـ كسوف الشمس، بمعنى حجبها كلاًّ أو بعضاً.

2 ـ خسوف القمر، ومعناه ذهاب ضوئه أيضاً، كلاًّ أو بعضاً.

3 ـ زلزال الأرض.

4 ـ أخاويف سماويّة، وهي حوادث استثنائيّة تقع في الفضاء وتبعث على القلق والرعب عادةً، كظلمة شديدة، وريح سوداء أو حمراء أو صاعقة.

(2) متى حدث واحد من هذه الأربعة وجبت صلاة الآيات على كلّ مكلّف قادر على أداء الصلاة، ولا تجب على الحائض والنفساء.

(3) والأسباب الثلاثة الاُولى متى حدث واحد منها وجبت صلاة الآيات، سواء أحصل الخوف لغالب الناس من الكسوف أو الخسوف أو الزلزال أم لم يحصل. وتختصّ الصلاة الواجبة بأحد هذه الأسباب الثلاثة بمن حصلت له الآية، أي: بمن حجب الكسوف الشمس عنه، أو حجب الخسوف ضوء القمر عنه، أو زلزلت الأرض التي هو عليها، وأمّا إذا لم تحصل الآية له مباشرةً فلا تجب عليه الصلاة، فلا يجب على

196

شخص صلاة الآيات إذا كسفت الشمس، أو خسف القمر بالنسبة إلى غيره من أبناء البلاد الاُخرى، أو زلزلت بهم الأرض.

وأمّا السبب الرابع فهو مرتبط بأن تكون الحادثة مثيرةً للخوف لغالب الناس، فإذا لم تكن الحادثة السماويّة كذلك لم تجب صلاة الآيات. ولا نريد بالخوف هنا حصول الشكّ للإنسان في سلامة العالم أو سلامة البلد، بل نريد به حالة القلق والوحشة النفسيّة، سواء رافقها الشكّ في السلامة، أم لا.

وإذا حصل السبب الرابع وحدثت الآية السماويّة المخوفة في بلد دون بلد وجبت الصلاة على أهل ذلك البلد الذي حدثت فيه الآية، ويلحق بهم البلد المجاور لهم، أو المناطق القريبة المحيطة إذا كان الخوف العامّ والقلق الغالب قد امتدّ إليها دون غيرها من المناطق والبلاد.

(4) ويتكرّر وجوب صلاة الآيات بتكرّر السبب الموجب، فإذا كسفت الشمس وحدثت صاعقة مخيفة في وقت واحد وجب تكرار صلاة الآيات مرّتين، والأجدر بالمصلّي حينئذ وجوباً أن يقصد بكلّ صلاة سببها الخاصّ، فينوي بإحداهما الصلاة من أجل الكسوف، وبالاُخرى الصلاة من أجل الصاعقة، وهكذا.

صورة صلاة الآيات:

(5) تتألّف هذه الصلاة بمجموعها من ركعتين، وكلّ ركعة تشتمل على خمسة ركوعات وسجدتين، وذلك على النحو التالي:

يكبّر المصلّي ناوياً أنّه يصلّي صلاة الآيات قربةً إلى الله تعالى، ثمّ يقرأ الحمد (فاتحة الكتاب) وسورةً، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ الحمد وسورةً، ثمّ يركع،

197

وهكذا يكرّر ذلك حتّى يتمّ خمسة ركوعات، فإذا رفع رأسه من الركوع الخامس وانتصب قائماً هوى إلى السجود فسجد سجدتين، ثمّ يقوم ويأتي بالركعة الثانية كالاُولى تماماً، ثمّ يتشهّد ويسلّم.

وهناك صورة مخفّفة لصلاة الآيات نتركها للاختصار(1).

(6) وتخضع صلاة الآيات لنفس الشروط العامّة التي يجب توفّرها في كلّ صلاة فريضة من استقبال القبلة والتستّر وغيرها.

وقتها:

(7) صلاة الكسوفين ـ أي صلاة الكسوف وصلاة الخسوف ـ مؤقّتة، ويمتدّ وقتها من الشروع في الحادث إلى تمام الانجلاء، ولا بأس بإيقاع شيء يسير منها بعد تمام الانجلاء، وعليه تجوز المبادرة إلى هذه الصلاة بابتداء الكسوف والخسوف، وتتضايق كلّما أوشك الانجلاء على التمام، والأولى الشروع في الصلاة من حين الحدوث، ولا يجوز للمكلّف أن يؤخّرها إلى أن لا يبقى من وقتها إلّا ما يتّسع لركعة واحدة فقط، ولكن لو فعل ذلك آثماً أو معذوراً وجبت عليه المبادرة فوراً، ويدرك حينئذ وقتها بإدراك ركعة منه، كالصلاة اليوميّة.

(8) والصلاة للأخاويف السماويّة مؤقّتة بمدّة تواجد تلك الحادثة السماويّة المخيفة، وإذا كان زمان الحادثة قصيراً جدّاً على نحو لا يسع للإتيان بالصلاة ضمنه وجب الإتيان بها على الأحوط وإن اضطرّ إلى إيقاع قسم من الصلاة بعد انتهاء الآية.



(1) للوقوف على الكيفيّة المخفّفة لصلاة الآيات راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 493 ـ 495 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (195) ـ (197) مع مراعاة الهوامش.

198

نعم، لو كانت مدّة الآية قصيرةً إلى حدٍّ لا يمكن وقوع جزء من الصلاة فيها أيضاً لاحتياجها في العادة إلى مقدّمات التطهير مثلاً، أو لكون مدّة الآية لحظةً أو لحظتين ـ مثلاً ـ لم تجب الصلاة، وإذا كان زمانها طويلا يتّسع لصلوات متعدّدة لم تجب المبادرة لحظةَ وقوع الحادثة، وإن كان ذلك أولى وأحسن.

(9) وأمّا صلاة الزلزال فالأجدر بالمكلّف وجوباً واحتياطاً أن يبادر إليها عند حصول الزلزلة، فإذا لم يبادر إلى ذلك معذوراً أو آثماً إلى أن مرّ زمن لم تعد الصلاة فيه صلاةً عقيب الزلزلة عرفاً إذا حصل ذلك فالأجدر بالمكلّف وجوباً واحتياطاً أن يصلّي صلاة الزلزلة أيضاً ناوياً الخروج عن العهدة، دون أن يعيّن الأداء أو القضاء، وتجب عليه حينئذ المبادرة.

وقد تسأل: بالنسبة إلى صلاة الكسوفين ـ الكسوف والخسوف ـ وصلاة الأخاويف السماويّة بعد أن مرّ بنا أنّها مؤقّتة وتقول: إذا اتّسع وقت الكسوفين أو وقت الظلمة السماويّة للصلاة ولم يصلّ المكلّف فهل يجب عليه القضاء، أو لا شيء عليه؟

والجواب: أنّه يجب قضاء صلاة الكسوف والخسوف، إلّا إذا كان الانكساف ناقصاً ولم يطّلع عليها المكلّف إلّا بعد تمام الانجلاء، والأحوط الإتيان بالصلاة للآيات الاُخرى بعد انتهائها من دون نيّة القضاء والأداء ومع المبادرة العرفيّة كي يصدق عرفاً انتسابها إلى تلك الآية، وإذا حصل التأخير المديد عذراً أو عصياناً بقي القضاء موسّعاً.

199

صلاة العيدين: الفطر والأضحى

(1) للمسلمين عيدان كبيران من أهمّ أعياد الإسلام، هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلاة خاصّة في هذين العيدين تسمّى بصلاة العيد.

ويجب الحضور لإقامتها إذا أقامها جماعة السلطان العادل أو من يمثّله. وفي غير هذه الحالة تستحبّ، وفي حالة الاستحباب يجوز أن يؤدّيها الإنسان بصورة منفردة (فرادى)، كما يجوز أن يؤدّيها ضمن صلاة الجماعة، ويُستحبّ أداؤها جماعة.

وإذا اُقيمت جماعةً فلا يشترط عدد خاصّ في الجماعة، كما لا مانع من تعدّدها ولو في أماكن متقاربة، خلافاً لصلاة الجمعة.

والمسافر الذي يقصّر صلاته لاتجب عليه صلاة العيد في أيّ حال من الأحوال، سواء أقامها السلطان العادل أو من يُمثّله أم لا، ولكنّها مستحبّة منه؛ ويحسن به أداؤها على أيّ حال(1).

كيفيّتها:

(2) وصلاة العيد ركعتان، كصلاة الصبح، ولكن يضاف في صلاة العيد إلى ذلك أشياء.

والصورة الفضلى لأداء صلاة العيد: أن يكبّر المصلّي في الركعة الاُولى بعد القراءة



(1) وعلى هذا الأساس لا تعتبر صلاة العيد من الصلوات التي تقصّر بالسفر؛ لأنّ القصر يعني تخفيف الصلاة، كما في صلوات الظهر والعصر والعشاء؛ إذ تصبح ركعتين، أو عدم كونها مطلوبةً ومشروعةً رأساً، كما في نوافل الظهر والعصر.

200

ـ أي بعد الفاتحة والسورة التي عقيبها ـ خمس تكبيرات، ويقنت عقيب كلّ تكبيرة،فيدعو الله ويمجّده بما يحسن، ثمّ يكبّر بعد القنوت الخامس مقدّمةً للهوي إلى الركوع، وبعد ذلك يركع ويواصل ركعته، ثمّ ينهض للركعة الثانية، وبعد القراءة من الركعة الثانية يكبّر أربع تكبيرات، ويقنت بعد كلّ تكبيرة، ثمّ يكبّر بعد ذلك مقدّمةً للهوي إلى الركوع، فيركع ويواصل ركعته إلى أن يفرغ من صلاته.

وقد ذكر السيّد الشهيد(قدس سره) في الفتاوى الواضحة: «وعلى المصلّي في القنوت الأخير من كلّ ركعة أن يأتي به باحتمال كونه مطلوباً شرعاً» يعني: أن لا يأتي بالقنوت بعد التكبير الخامس في الركعة الاُولى والرابع في الثانية بنيّة الورود، ولكن لا يبعد لدينا ثبوت استحبابه.

(3) ويجوز للمصلّي أن يقتصر على ثلاث تكبيرات في كلٍّ من الركعتين بعد القراءة، ويقنت عقيب كلّ واحدة من التكبيرات الثلاث قنوتاً على ما تقدّم.

(4) ويستحبّ إذا اُقيمت صلاة العيد جماعةً أن يخطب الإمام بعد الصلاة بخطبتين، يفصل بينهما بجلسة خفيفة، كما سيأتي في خطبة صلاة الجمعة.

(5) وإذا صلّى الإنسان صلاة العيد مأموماً سقطت عنه قراءة الفاتحة والسورة، وبقي عليه سائر الأشياء.

(6) ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة، بل يستحبّ أن يقول المؤذّن لها: «الصلاة» يكّرر ذلك ثلاث مرّات(1).



(1) ولمعرفة باقي أحكام وآداب صلاة العيدين راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 499 ـ 500 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، مع مراعاة الهامش.

201

صلاة الطواف

وهي الصلاة التي يصلّيها الإنسان بعد إنهاء طوافه حول الكعبة الشريفة. وصورتها ركعتان كصلاة الصبح، ولكنّه مخيّر في قراءتها بين الجهر والإخفات. وقد شرحت أحكامها مفصّلاً في كتاب مناسك الحجّ، وكتاب مسائل في الحجّ والعمرة، ونترك التعرّض لها في المقام للاختصار.

203

 

 

 

 

صلاة الجمعة

(1) وهي من أهمّ شعائر الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾(1).

وتحتلّ صلاة الجمعة موضع صلاة الظهر ضمن تفصيلات. وقد ميّز الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة عن سائر الصلوات اليوميّة ـ على ما يأتي ـ بأن أوجب أداءها ضمن صلاة جماعة، وأمر بتوحيدها في كلّ منطقة، ولم يسمح بالتأخّر عن حضورها إذا اُقيمت إلّا لأعذار خاصّة. وبذلك كانت صلاة الجمعة تعبّر عن اجتماع اُسبوعي موسّع لعامّة المصلّين والمؤمنين، يبدأ بالموعظة والتثقيف ضمن خطبتي صلاة الجمعة، وينتهي بالعبادة والتوجّه إلى الله ضمن الصلاة نفسها.

وصورتها ركعتان، كصلاة الصبح تماماً، إلّا أنّ المصلّي ينوي بها أنّه يصلّي صلاة الجمعة قربةً إلى الله تعالى. وتتميّز عن صلاة الصبح بأنّ من المستحبّ فيها قنوتين: أحدهما قبل الركوع من الركعة الاُولى، والآخر بعد الركوع من الركعة الثانية. ولا تقع صلاة الجمعة صحيحةً إلّا إذا اُدّيَت بالشروط التالية:

 

شروط صلاة الجمعة:

(2) أوّلاً: أن تؤدّى جماعةً. وعلى هذا الأساس يجب أن يتوفّر في صلاة الجمعة


(1) الجمعة: 9.
204

ـ لكي تقع صحيحةً ـ كلّ ما هو شرط لصحّة صلاة الجماعة.

(3) ثانياً: أن لا يقلّ عدد المشتركين في جماعة الجمعة عن خمسة أحدهم الإمام.

(4) ثالثاً: أن تسبقها خطبتان من قِبل إمام صلاة الجمعة، وذلك بأن يقوم الإمام خطيباً، فيحمد الله ويثني عليه، ويوصي بتقوى الله، ويقرأ سورةً من الكتاب العزيز، وبعد ذلك يجلس قليلاً، ثمّ يقوم خطيباً مرّةً ثانية، فيحمد الله ويثني عليه، ويصلّي على محمّد(صلى الله عليه وآله) وعلى أئمّة المسلمين(عليهم السلام). وبعد ذلك يبدأ بالصلاة.

ويجب على الإمام في الخطبتين أن يرفع صوته على نحو يسمعه عدد من المأمومين.

ولا يجب أن يكون غير القرآن من عناصر الخطبة باللغة العربيّة وإن كان ذلك أحوط استحباباً. وإذا كان المأمومون لا يفهمون اللغة العربيّة فعلى الإمام أن يعظهم باللغة التي يفهمونها.

(5) رابعاً: أن لا تكون قد اُقيمت صلاة جمعة اُخرى في مكان آخر قريب من تلك الصلاة. ونريد بالمكان القريب هنا: ما كانت المسافة فيه بين المكانين أقلّ من فرسخ(1).

فنحن لا نفتي بصحّة صلاة الجمعة إلّا إذا خلت بركعتيها وخطبتيها عن المزاحمة في الفاصل المطلوب بجمعة اُخرى بركعتيها وخطبتيها تماماً، فلو اشتركتا ولو بجزء من



(1) لو بنينا على ما نقله صاحب كتاب الأوزان والمقادير في الصفحة (132) من كتابه من أنّ الميل ـ وهو ثلث الفرسخ، وهو التعبير الوارد في روايات الباب، حيث حدّدت الفاصل بين صلاتي الجمعة بثلاثة أميال ـ يساوي أربعة آلاف ذراع، وبنينا على ما ادّعاه صاحب كتاب الأوزان والمقادير في الصفحة (56) من كتابه من أنّ الذراع بحسب تجربته يساوي (46) سنتيمتراً ونصف فالميل يساوي (1860) متراً، والفرسخ يساوي (5580) متراً، أي أنّه يساوي خمسة كيلومترات ونصفاً وثمانين متراً.

أقول: إنّ تقريب الميل أو الفرسخ بتقريب الكيلومترات لا يثبت لنا إلّا بأمر تقريبي لا بأمر دقّي.

205

ذلك لم نفتِ بصحّة هذه ولا تلك، ولو تأخّرت إحداهما عن الاُخرى تماماً أفتينابصحّة الاُولى دون الثانية، نعم، إذا كانت إحدى الصلاتين باطلةً ـ على أيّ حال ـ حتّى ولو كانت وحدها لسبب من الأسباب فلا تضرّ بالصلاة الاُخرى حينئذ.

وإذا تقارنت صلاتا جمعة في مكانين متقاربين دون أن يعلم جماعة كلٍّ من الصلاتين بالصلاة الاُخرى وانتهتا في وقت واحد فكلتا الصلاتين صحيحة. وكذلك إذا بدأت إحداهما بعد ابتداء الاُخرى بدون علم وانتهتا معاً في وقت واحد.

حكم صلاة الجمعة:

(6) تجب إقامة صلاة الجمعة وجوباً حتميّاً في حالة وجود سلطان عادل متمثّلاً في الإمام، أو فيمن يمثّله.

ويراد بالسلطان العادل: الشخص أو الأشخاص الذين يمارسون السلطة فعلاً بصورة مشروعة، ويقيمون العدل بين الرعيّة. وهذا الحكم الأوّل لصلاة الجمعة يعبّر عنه بـ «الوجوب التعييني لإقامة صلاة الجمعة».

(7) وأمّا في حالة عدم توفّر السلطان العادل فصلاة الجمعة واجبة أيضاً، ولكنّها تجب على وجه التخيير، وذلك أنّ المكلّفين في هذه الحالة يجب عليهم أن يؤدّوا الفريضة في ظهر يوم الجمعة: إمّا بإقامة صلاة الجمعة جماعةً على نحو تتوفّر فيها الشروط السابقة، وإمّا بالإتيان بصلاة الظهر. وأ يّهما أتى به المكلّف أجزأه وكفاه، غير أنّ إقامة صلاة الجمعة أفضل وأكثر ثواباً، وهذا هو الحكم الثاني لصلاة الجمعة، ويعبَّر عنه بـ «الوجوب التخييريّ لإقامة صلاة الجمعة»(1).



(1) كما أنّ حضورها حينئذ واجب على وجه التخيير أيضاً، ويعبّر عن هذا الحكم بـ «الوجوب التخييريّ لحضور صلاة الجمعة».

206

(8) وإن أقام السلطان العادل أو من يمثّله صلاة الجمعة واجدةً للشرائط وجب على سبيل الحتم والتعيين على المكلّفين عموماً الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة؛ لأنّ إقامتها نداء لصلاة الجمعة، وإذا نودي لصلاة الجمعة وجب السعي إلى ذكر الله، وهذا هو الحكم الثالث لصلاة الجمعة، ويعبّر عنه بـ «الوجوب التعييني لحضور صلاة الجمعة».

وكما يجب حضور الصلاة وفقاً للحكم الثالث المتقدّم كذلك يجب حضور الخطبتين والإصغاء عند الحضور أيضاً، ولو تقاعس شخص عن السعي إلى صلاة الجمعة ففاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحّت منه.

(9) وإذا فاتت الإنسان صلاة الجمعة فلا يسمح له بإقامتها ثانيةً، حتّى ولو كان وقتها باقياً، بل يتعيّن عليه أن يأتي بصلاة الظهر.

وهناك استثناءات من وجوب حضور صلاة الجمعة وأيضاً فروع اُخرى تركناها للاختصار(1).



(1) للوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 421 ـ 422 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهوامش.

207

الصيام

يجب الصيام في حالات معيّنة، أهمّها: شهر رمضان المبارك، فإنّ الصيام في هذا الشهر من أهمّ واجبات الشريعة، وأحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام.

ويعتبر هذا الواجب من ضروريّات الدين ـ أي من البديهيّات الدينيّة ـ فمن أنكره تحدّياً وتمرّداً كان كافراً، ومن أقرّ بالوجوب ولكنّه عصاه وأفطر بدون عذر شرعيّ كان آثماً، وهو جدير بالتأديب في الدنيا (التعزير) والعقاب في الآخرة ما لم يتب.

الصيام في شهر رمضان(1)

متى يجب صيام رمضان؟

يجب صيام شهر رمضان على كلّ إنسان تتوفّر فيه الشروط التالية:

(1) الأوّل: البلوغ، وهو أحد الشروط العامّة للتكليف(2) فلا يجب الصيام على غير البالغ، ولكن إذا صام فهو مأجور، وإذا طلع عليه الفجر وهو غير بالغ فلا يكلّف بالصيام.



(1) تركنا التعرّض لأحكام الصيام في غير شهر رمضان للاختصار.

(2) للوقوف على الشروط العامّة للتكليف وتفاصيلها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 136 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة هامش سماحة السيد الحائري دام ظلّه.

208

(2) الثاني: العقل، وهو أيضاً من الشروط العامّة للتكليف، فلا يجب الصيام على المجنون، ولكي يجب الصيام لابدّ أن يستمرّ بالإنسان عقله ورشده إلى نهاية النهار، فلو فقد عقله في جزء منه فليس صيام ذلك النهار واجباً عليه.

(3) الثالث: أن لا يصاب المكلّف بالإغماء قبل أن ينوي الصيام، فإذا فاجأه الإغماء قبل أن ينوي صيام النهار المقبل واستمرّ به الإغماء إلى أن طلع عليه الفجر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، حتّى ولو أفاق صباحاً أو ظهراً وانتبه إلى نفسه.

وأمّا إذا نوى المكلّف الصيام في النهار المقبل ثمّ اُغمي عليه بعد النيّة وأفاق في أثناء النهار فعليه أن يواصل صيامه ويحتسب من الصيام الواجب، وكذلك إذا أصبح صائماً واُغمي عليه في أثناء النهار ساعةً أو أكثر ثمّ أفاق فإنّه يبقى على صيامه ويحتسب من الصيام الواجب.

(4) الرابع: أن تكون المرأة نقيّة من دم الحيض والنفاس طيلة النهار. وإذا صامت المرأة وهي غير نقيّة ولو في جزء من النهار لم يكن صيامها مطلوباً، ولا يعفيها من القضاء.

(5) الخامس: الأمن من الضرر، فإذا لم يكن المكلّف آمناً من الضرر بسبب الصوم فلا يجب عليه الصيام، فمن يخشى أن يصاب بمرض من أجل الصوم، ومن كان مريضاً ويخشى أن يطول به المرض أو يشتدّ أو يصاب بمرض آخر بسبب الصوم، ومن كان مريضاً وأجهده المرض وأضعفه فأصبح يعاني صعوبةً ومشقّةً شديدةً في الصيام كلّ هؤلاء يسوغ لهم الإفطار، ولا يجب عليهم الصيام.

ولكن ليس كلّ ضرر صحّيّ وكلّ مرض ينشأ من الصوم يسوّغ الإفطار ويعفي المكلّف من وجوب الصيام، فالصيام إذا كان يسبّب صداعاً بسيطاً، أو التهاباً جزئياً

209

في اللوزتين أو العين أو الاُذن فلا يسوغ الإفطار بسبب شيء من هذا القبيل ممّا لا يراه الناس عادةً مانعاً عن ممارسة مهامّهم، وإنّما يسقط الوجوب إذا كان الصيام يسبّب صداعاً شديداً، أو حمّىً عاليةً(والحمّى حتّى إذا كانت خفيفة فهي تكشف عادة عن التهاب شديد يهتمّ به الإنسان العرفيّ، فإذا كانت كذلك أوجبت الإفطار)، أو التهاباً معتدّاً به بدرجة يهتمّ العقلاء بالتحفظّ منها عادةً، والشدّة نفسها أمر نسبي في الأشخاص، فالإنسان المتداعي صحّيّاً قد تكون الحمّى البسيطة شديدةً بالنسبة إليه ومثيرةً لمتاعب صحّيّة كبيرة عنده(1).

(6) وإذا كان الإنسان مريضاً ولكنّ الصيام لا يضرّه ولا يعيق شفاءه ولايشقّ عليه مشقّةً شديدةً فعليه أن يصوم.

(7) والمكلّف تارةً يتأكّد من الضرر الصحّي، واُخرى يظنّ بوقوعه، وثالثةً يحتمل ذلك كما يحتمل عدم وقوعه على السواء، ورابعةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة أقلّ من خمسين بالمئة، ولكنّها درجة تبعث في النفس الخوف والتوجّس، كما إذا خشي على عينه من الرمد أو العمى واحتمل ذلك بدرجة ثلاثين بالمئة مثلا، وخامسةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة ضئيلة لا تبعث في النفس خوفاً وتوجّساً، ففي الحالات الأربع الاُولى يسوغ الإفطار، وفي الحالة الخامسة لا يسوغ ويجب الصيام.

(8) وفي الحالات التي يسوغ فيها الإفطار إذا لم يأخذ المكلّف بهذه الرخصة وصام موطّناً نفسه على المرض وتحمّل الضرر الصحّي، فصيامه غير مقبول ولا يعفيه من القضاء.



(1) لمعرفة حكم المريض الذي لا يجب عليه الصوم من ناحية القضاء والفدية راجع فصل الكفّارات وفصل صيام قضاء شهر رمضان من كتاب الفتاوى الواضحة.

210

(9) وإذا صام باعتقاد عدم الضرر واطمئناناً بالسلامة، ثمّ اتّضح له بعد إكمال الصيام أنّه كان على خطأ وأنّ الصوم أضرّ به، فعليه أن يقضي ولا يكتفي بذلك الصوم.

(10) وإذا صام وهو معتقد للضرر، وتبيّن له بعد ذلك أنّه كان مخطئاً في اعتقاده وأنّ الصيام لم يضرّه، قُبل منه هذا الصوم وعفاه من القضاء بشرطين:

أحدهما: أن لا يكون الضرر الذي اعتقده أوّلا من الأضرار الخطيرة التي يحرم على كلّ مكلف أن يوقع نفسه فيها ويعاقب عليها، كالسرطان والسلّ والشلل والعمى والإقعاد ونحو ذلك.

والآخر: أن يكون الصيام الذي وقع منه لأجل الله سبحانه وتعالى، أي أن تتوفّر لديه نيّة القربة، كما إذا كان جاهلا بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فصام من أجل الله حقّاً وهو معتقد للمرض والضرر، وأمّا إذا كان يعلم بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فلا يمكنه أن ينوي القربة وهو يرى نفسه مريضاً.

(11) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو مريض مرضاً لا يجب معه الصيام، ولكنّه لم يتناول مفطراً بسبب نوم ونحوه وعوفي في أثناء النهار، فهل يجب عليه أن يواصل إمساكه ويعتبره كاملا؟

والجواب: أنّ هذا يجب عليه أن يواصل إمساكه ويقضيه بعد ذلك، وتستثنى من ذلك حالة واحدة لا يجب فيها الإمساك، وهي: أن يكون مرضه قد تطلّب منه في الساعات الاُولى من النهار التي كان فيها مريضاً أن يفطر في ذلك الوقت بتناول دواء ـ مثلا ـ أو نحو ذلك، غير أنّه تماهل ولم يتناول حتّى شفي من مرضه، ففي هذه الحالة لا يجب عليه أن يواصل إمساكه، وله أن يأكل ويشرب في ذلك اليوم حتّى بعد العافية.

211

(12) وإذا وجد الإنسان نفسه صحيحاً ولكن طبيباً ثقةً في قوله وماهراً في فنّه فحصه وأخبره بأنّ الصوم يضرّه ضرراً لا يجب معه الصيام ولكنّه لم يبعث في نفسه الخوف والقلق لما يجد في حالته الصحّيّة من عافية، فجواز الإفطار في هذه الحالة مشكل.

(13) وقد يجد الإنسان نفسه متداعياً صحّيّاً ويخاف أن يضرّه الصوم، ولكنّ الطبيب يخبره بأنّه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم، أو يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ؟

والجواب: أنّه يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ ما لم يكن هذا الشعور والتخوّف ناشئاً من شذوذ ووسوسة، كما هو الغالب في من يخشى الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر.

(14) السادس: أن لا يكون الصيام محرجاً له وموقعاً له في مشقّة شديدةوأمام مشكلة حياتيّة، من قبيل الإنسان الذي يمنعه الصيام عن ممارسة عمله الذي يرتزق منه: إمّا لأنّه يسبّب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، وإمّا لأنّه يعرّضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن الماء، أو لغير ذلك، ففي هذه الحالة إذا كان بإمكان الفرد بصورة غير محرجة أن يُبدِل عمله أو يؤجّله مع الاعتماد في رزقه فعلاً على مال موفّر أو دين أو نحو هذا وجب عليه ذلك لكي يصوم، وإلّا سقط عنه وجوب الصوم، والأحوط وجوباً أن لا يسمح لنفسه بأن يأكل ويشرب ويمارس ما يمارسه المفطر كيفما يشاء، بل يقتصر على الحدّ الأدنى الذي يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقّة عن نفسه، ثمّ يقضيه بعد ذلك إذا تيسّر له.

(15) السابع: أن لا يكون ممّن وجب عليه التقصير في صلاته من أجل السفر،

212

فكلّ مسافر وجب عليه أن يقصّر الصلاة لا يجب عليه الصيام، ولو صام والحالة هذه كان عبثاً، ولا يعفيه من القضاء إلّا في حالة واحدة، وهي: أن يصوم جهلاً منه بأنّ المسافر لا صيام عليه، فيقبل منه صيامه حينئذ إذا لم يطّلع في أثناء النهار على الحكم الشرعي بأنّ المسافر لا يكلّف بالصيام، وأمّا إذا اطّلع في الأثناء على هذا وواصل صيامه على الرغم من ذلك فصيامه باطل.

فالصيام إذن يجب على الحاضر المتواجد في بلدته، وكذلك على المسافر الذي لا يجب عليه التقصير في الصلاة، كالمقيم عشرة أيّام، ومن كان عمله السفر، ومن سافر سفر المعصية، ومن مضى عليه ثلاثون يوماً وهو متردّد في مكان ما.

(16) ويسمح للمكلّف قبل حلول شهر رمضان أو بعد حلوله أن يسافر ولو بدون ضرورة، أو حبّاً في التخلّص من الصيام فإنّ ذلك جائز وإن كان يضيّع على المكلّف أجراً عظيماً.

(17) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو حاضر ثمّ سافر في أثناء النهار: فإذا سافر وخرج من البلد قبل الظهر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، بل عليه القضاء بعد ذلك، سواء كان قد اتّخذ قراراً بالسفر من الليل أو اتّخذه بعد طلوع الفجر، وسواء كان حين حلّ عليه الظهر قد ابتعد عن بلده كثيراً أو لا يزال على مقربة منه، بمعنى: أنّ مبدأ المسافة الذي لابدّ أن يخرج منه قبل الظهر هو البلد لا حدّ الترخّص، وإن كان يجب عليه لأجل الإفطار أن ينتظر الوصول لحدّ الترخّص. وإذا سافر وخرج من البلد بعد الظهر فصيام ذلك اليوم واجب وعليه أن يواصله.

(18) وإذا انعكس الأمر وطلع عليه الفجر وهو مسافر ثمّ وصل إلى بلدته أو بلدة قرّر البقاء فيها عشرة أيّام فماذا يصنع؟

213

والجواب: إذا كان هذا المسافر قد أفطر قبل الوصول إلى بلدته(1) فلا صيام له ويستمرّ على إفطاره ويقضيه بعد ذلك، وإذا لم يكن قد أفطر قبل الدخول فينظر: فإن كان دخوله قبل الظهر وجب عليه أن ينوي الصيام ويصوم ويحتسب له من الصيام الواجب، وإن كان دخوله إلى البلدة بعد الظهر فلا صيام له، وله أن يفطر، وعليه أن يقضيه بعد ذلك.

وإذا طلع الفجر على المكلّف وهو في بلدته ثمّ سافر صباحاً ورجع قبل الظهر من نفس اليوم فالأجدر به وجوباً أن ينوي ويصوم، ثمّ يحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء أيضاً.

(19) وفي كلّ الحالات التي يطرأ فيها على المكلّف أثناء النهار ما يعفيه من الصوم ـ من حيض أو نفاس أو مرض أو سفر ونحو ذلك ـ إذا افترضنا أنّ المكلّف علم سابقاً بأنّ هذا الطارئ سوف يحدث في أثناء النهار فهل يمكنه أن يفطر قبل ذلك ويتناول الطعام والشراب مادام يعلم أنّ صيام ذلك اليوم لن يتمّ له؟

والجواب: أنّ ذلك لا يجوز، بل يجب أن ينوي ويصوم عند طلوع الفجر، ويبقى صائماً إلى أن يطرأ ما يعفيه من الصيام، فلو علمت المرأة بأنّها ستحيض بعد ساعة من النهار لم يجزْ لها أن تأكل في النهار قبلَ أن تحيض، وإذا علم المكلّف بأنّه سيسافر قبل الظهر فلا يسوغ له أن يفطر إلّا بعد خروجه من بلده وابتعاده عنه بمسافة لا تُتيح له أن يرى من يقف في نهاية البلد ولا أن يراه ذلك.

(20) الثامن: أن لا يكون المكلّف قد اُصيب بشيخوخة أضعفته عن الصيام، ويشمل ذلك من بلغ السبعين من الرجال والنساء وكانت شيخوختهم سبباً في ضعفهم وصعوبة الصوم عليهم، فهؤلاء معفوّون عن الصيام، ولكن يدفعون الفدية على الأحوط



(1) بالنسبة للوصول إلى بلدته يكفي الوصول إلى حدّ الترخّص.