731

أميل إليه حكّامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر، بينما هذا الكلام لم يوجد في المرفوعة، والذي يفهم العرف من هذا الكلام هو أنّه تكملة لنفس الترجيح بمخالفة العامّة،

فهذه مرتبة من المخالفة سكت عنها في المرفوعة، فكأنّ نفس هذا المرجّح له مراتب، فمقتضى القاعدة تقييد سكوت المرفوعة بنطق المقبولة.

 

الجهة الثالثة: في نسبة المقبولة والمرفوعة إلى رواية الراوندي:

والكلام تارةً يقع في نسبة المقبولة إليها، واُخرى في نسبة المرفوعة إليها:

أمّا النسبة بين رواية الرواندي والمقبولة فنقول: إنّ المرجّحين الموجودين في رواية الراوندي وهما موافقة الكتاب ومخالفة العامّة موجودان في المقبولة، فإن قلنا: إن الترجيح بالصفات في المقبولة للحاكم، وإنّ الشهرة لتمييز الحجّة عن اللاحجّة، إذن فمرجّحات المقبولة هي نفس مرجّحات رواية الرواندي، فإن استفيدت الطولية من المقبولة بين موافقة الكتاب ومخالفة العامّة فهو، وإلاّ أخذنا الطولية من رواية الراوندي، لأنّ غاية ما يفترض في المقبولة هي عدم دلالتها على الطولية لا دلالتها على عدم الطولية، ونقدّم ذكر المقبولة لاختلاف مراتب الترجيح بمخالفة العامّة على سكوت رواية الراوندي عن ذلك.

وإن قلنا: إنّ المقبولة قد دلّت على الترجيح بالشهرة ولم نصرف الشهرة إلى تمييز الحجّة عن اللاحجّة كان مقتضى القاعدة تقييد رواية الراوندي بالمقبولة، فتصل النوبة إلى مرجّحات رواية الراوندي بعد الشهرة.

وإن قلنا: إنّ المقبولة دلّت على الترجيح بالصفات أيضاً، ولم نصرفها إلى ترجيح أحد الحكمين قيّدت رواية الراوندي بلحاظ الصفات أيضاً.

إلاّ أنّه يقع الكلام في أنّ هذا التقييد هل هو ممكن أو ليس بممكن، لأنّه غالباً يختلف الراويان شيئاً ما في الصفات، فيلزم التقييد بالفرد النادر؟

قد يقال بالتفصيل بين ما لو بنينا على المبنى الصحيح من أنّ الأحكام الظاهرية التي هي في مرتبة واحدة تتعارض بنفس وجوداتها الواقعية، وما لو بنينا على المبنى المشهور من أنّ تعارضها يكون بالوصول، فعلى الأوّل يلزم من تقييد رواية الراوندي التخصيص بالفرد النادر؛ لندرة عدم التفاضل في الصفات، خصوصاً إذا حملنا الصفات المذكورة في الرواية على المثالية. وعلى الثاني لا يلزم التخصيص بالفرد النادر؛ لأنّنا نقيّد المقبولة عندئذ بصورة عدم معرفة التفاضل، لا عدم التفاضل واقعاً، وغالباً نحن غير مطّلعين على التفاضل.

732

إلاّ أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يتكوّن عندنا علم إجماليّ في دائرة الأخبار المبتلاة بالمعارض المخالف للكتاب، بأنّ الراوي في بعضها أرجح من حيث الصفات من راوي معارضه، وإلاّ فقد حصل الوصول الاجمالي، فيرجع الاشكال.

ويمكن أن يقال: إنّه تارةً يفهم من المقبولة بيان الترجيح الواقعي، واُخرى يفهم منها بيان الترجيح الفعلي، أعني بحسب الوظيفة الفعلية.

فعلى الأوّل يتمّ الإشكال. وأمّا على الثاني فلا يرد إشكال التخصيص بالفرد النادر؛ إذ عند الشكّ في التفاضل يجري استصحاب عدم التفاضل، فتكون الوظيفة الفعلية هي الترجيح بموافقة الكتاب.

وأمّا النسبة بين رواية الراوندي والمرفوعة فتارةً نبني على أنّ الشهرة في المرفوعة ليست مرجّحة، وإنّما هي لتمييز الحجّة من اللاحجّة، واُخرى نبني على أنّها ذكرت كمرجح:

فعلى الأوّل تكون المرجّحات في المرفوعة اثنين بعدد مرجّحات رواية الراوندي، والروايتان متّفقتان في المرجّح الثاني، وهو مخالفة العامّة، ومختلفتان في المرجّح الاوّل الذي هو في المرفوعة عبارة عن الصفات، وفي المقبولة عبارة عن موافقة الكتاب، فالتعارض بالعموم من وجه. فإمّا أن نبني على استحكام التعارض فيتساقطان في مادّة الاجتماع، فتحصل نتيجة العرضية. وإمّا أن نبني على الجمع العرفي بينهما بالحمل على العرضية، بتقريب: أنّهما لو جمعا في كلام واحد بأن قال الإمام: إذا تعارض خبران فرجّح بموافقة الكتاب، ورجّح بالصفات، لفهمت العرضية، والمنفصلات كالمتّصلات بحكم القاعدة الميرزائية التي مضت. هذا بلحاظ المرجّح الأوّل.

وأمّا بلحاظ المرجّح الثاني وهو مخالفة العامّة، فإنْ فقدت موافقة الكتاب مع الأرجحية في الصفات، فلا إشكال في انتهاء النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامّة. وإن وجدت إحدى المزيّتين فلا إشكال في تقدّمها على مخالفة العامّة؛ لأنّها مقيّدة بقيدين حسب الجمع بين كلا التقييدين الموجود في الروايتين. وإن كانت إحداهما موافقة للكتاب والاُخرى أرجح في الصفات فقد يقال ـ بناءً على الجمود على حاقّ اللفظ ـ بأنّه لا تصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامّة؛ لأنّ هذا الترجيح مشروط في إحدى الروايتين بالتساوي في الصفات، وهذا الشرط غير حاصل، وفي الاُخرى بالتساوي في موافقة الكتاب ومخالفته، وهذا الشرط ـ أيضاً ـ غير حاصل.

وقد يقال، بأنّ المستظهر عرفاً من الروايتين أنّ مخالفة العامّة هي المرجّح بعد عدم مرجّح

733

مسبق ولو لتعارض المرجّحين المسبقين فيما بينهما، بناءً على أنّهما مرجّحان عرضيان. وأمّا بناءً على استحكام التعارض والتساقط في مادّة الاجتماع، فهذا الكلام لا يتمّ؛ اذ يحتمل في علم الله أن يكون المرجّحان السابقان طوليين، فلا يتساقطان، فلا تصل النوبة إلى هذا المرجّح، لكنّ الصحيح هو العرضية للجمع العرفي الذي تقدّم.

وعلى الثاني تكون المرجّحات في المرفوعة ثلاثة:

أوّلا: الشهرة.

ثانياً: الصفات.

ثالثاً: مخالفة العامّة.

وفي رواية الراوندي اثنين:

أوّلا: موافقة الكتاب.

وثانياً: مخالفة العامّة.

فمخالفة العامّة تقيّد بكلّ المرجّحات الثلاثة الاُخرى جمعاً بين تقييدات كلتا الروايتين.

وفيما قبلها يقع التعارض بين الروايتين، ويعالج بنحو ما سبق، فإن قبلنا الجمع العرفي المشار إليه آنفاً ـ كما هو الصحيح ـ كانت نتيجة ذلك: أنّ الشهرة وموافقة الكتاب في عرض واحد، و بعد هما تصل النوبة إلى الصفات، ثم إلى مخالفة العامّة. وإن لم نقبل الجمع العرفي أصبحت موافقة الكتاب في رواية الراوندي طرفاً للمعارضة بالعموم من وجه مع كلّ من الشهرة والصفات في المرفوعة. هذا تمام الكلام في أصل الأخبار العلاجية.

 

 

 

734

 

 

 

تنبيهات:

 

بقي التنبيه على اُمور(1):

 


(1) من جملة ما ينبغي التنبيه عليه في المقام ما يرجع إلى مسأله الترجيح بمخالفة العامّة، وهو أنّه هل العبرة في ذلك بخصوص رأي العامّة السائد في زمن المعصوم الذي روي عنه النص، والذي كان (عليه السلام) مبتلىً بالتقية عنهم، أو أنّه لا خصوصيّة لذلك، بل تكون موافقة العامّة ومخالفتها إحدى القرائن الحجّة في مقام تشخصيص ما ينبغي أن يؤخذ به من الخبرين المتعارضين حتّى بغض النظر عن مسألة التقية، فحتّى لو ثبت في مورد مّا أنّ الإمام (عليه السلام) لم يكن يتّقي فيه، أو لم يكن بحاجة إلى التقيّة، تكون الموافقة والمخالفة للعامّة من المرجّحات؟

الصحيح هو الثاني. وتوضيح ذلك: أنّه وإن كان لا ينبغي الإشكال في أنّ أحد أسباب نقل الروايات المطابقة للعامّة هو التقيّة، كما يظهر ذلك من كثير من الأخبار من قبيل:

الف ـ ما مضى عن نصر الخثعمي بسند غير تامّ قال: «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من عرف أنّا لا نقول إلاّ حقّاً فليكتفِ بما يعلم منّا، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك دفاع منّا عنه».

الوسائل: ب 9 من صفات القاضي، ح 3.

ب ـ ما عن أبي جعفر الأحول بسند تامّ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لا يسع الناس حتّى يسألوا ويتفقّهوا، ويعرفوا إمامهم، ويسعهم أن يأخذوا بما يقول، وإن كان تقيّة».

نفس المصدر: ح 13.

ج ـ ما مضى من حديث أبي عمرو الكناني غير التامّ سنداً قال: «قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): يا با عمرو أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ماكنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدثهما، وأدع الآخر، فقال: قد أصبت يا با عمرو أبى الله إلاّ أنْ يعبد سرّاً. أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم، أبى الله عزّوجلّ لنا في دينه إلاّ التقيّة».

نفس المصدر: ح 17.

د ـ ما مضى من حديث المعلّى بن خنيس غير التامّ سنداً وفي آخره: «إنّا والله لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم».

نفس المصدر: ح 8.

هـ ـ ما عن عبيد بن زرارة بسند غير تامّ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه».

نفس المصدر: ح 46.

و ـ ما مضى من حديث أبي عبيدة بسند غير تامّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال لي: يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممّن يتولاّنا بشيء من التقيّة؟

735


قال: قلت له: أنت أعلم جعلت فداك، قال: إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجراً» قال: وفي رواية اُخرى: «إن أخذ به اُجر، وإن تركه والله أثم».

نفس المصدر: ح 2.فهذه جملة من الأخبار التي دلّت على أنّهم(عليهم السلام) كانوا كثيراً ما يعيشون في نصوصهم ظروف التقيّة.

ولكن أمارية الموافقة والمخالفة للعامّة على الترجيح لا تنحصر بمسألة التقيّة، بل هناك أمارية اُخرى لذلك، وهي أصل كونهم منحرفين ويحاولون التحريف، ومخالفة الحقّ، وتشهد لك ـ أيضاً ـ جملة من الروايات من قبيل:

1 ـ ما في مقبولة عمر بن حنظلة التامّة سنداً: (ما خالف العامّة ففيه الرشاد).

نفس المصدر: ح 23.

2 ـ ما عن عليّ بن أسباط بسند غير تامّ قال: «قلت للرضا (عليه السلام) يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: فقال: ائتِ فقيه البلد فاستفته من أمرك، فاذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإنّ الحقّ فيه».

نفس المصدر: ح 23.

3 ـ مرفوعة أبي إسحاق الأرجاني قال: «قال أبو عبدالله (عليه السلام): أتدري لم اُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة؟ فقلت: لا أدري. فقال: إنّ عليّاً (عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالف عليه الأُمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلتبسوا على الناس».

نفس المصدر: ح 24.

4 ـ ما عن أبي بصير بسند فيه عليّ بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية».

نفس المصدر: ح 32.

ولم يثبت أنّ روايات الترجيح بمخالفة العامّة كانت ناظرة إلى جانب التقيّة فحسب، بل واحدة منها وهي مقبولة عمر بن حنظلة ظاهرة في النظر إلى نفس أماريّة الموافقة والمخالفة؛ لما فيها من قوله (عليه السلام): (ما خالف العامّة ففيه الرشاد). أمّا سائر روايات الترجيح بها فهي إن لم تكن أقرب إلى هذه النكتة فهي ليست أقرب إلى نكتة التقيّة؛ لأنّها أمرت بالأخذ بما خالف العامّة وترك ما وافقهم، ولعلّ هذا ظاهر في أماريّة نفس المخالفة والموافقة باعتبارها مخالفة للمنحرفين وأهل الباطل، وموافقة لهم، من دون نظر إلى عنصر خارج عن حيطة مفاد هذه النصوص، وهو عنصر أنّ الإمام (عليه السلام) كان يعيش ظرف التقيّة. ولو لم نقبل بهذا الظهور فلا أقلّ من أنّها ليست ظاهرة في الاختصاص بالنظر إلى ظروف التقيّة، فنأخذ بإطلاقها لمثل فرض العلم بعدم التقيّة، ولو فرضنا الإجمال كفتنا المقبولة الظاهرة فيما قلناه.

وقد اتّضح بهذا العرض أنّه لو رأينا خبرين متعارضين أحدهما موافق للعامّة والآخر مخالف لهم، واتّفق صدفة العلم بعدم التقيّة لنكتة في نفس الرواية أو غيرها، أو لكونها مروية عن معصوم لم يكن يعيش ظروف التقية، فرغم ذلك نطبّق عليهما قاعدة الترجيح بمخالفة العامّة.

736

 

 

 

التخيير الفقهي والتخيير الاُصولي

 

الأمر الأوّل: في أنّنا لو بنينا على التخيير ـ ولم نبنِ عليه ـ فهل هو تخيير اُصولي أو تخيير فقهي؟

والفرق بينهما هو أنّ الأوّل تخيير في الحجّيّة التي هي حكم أصولي، والثاني تخيير في الحكم التكليفي العملي. والبحث في ذلك يقع في ثلاث جهات:

الأولى: في ا مكان تصوير التخيير الاُصولي والفقهي في المقام بنحو معقول ثبوتاً وعدمه.

الثانية: في أنّه بعد فرض معقوليتهما معاً ما هو المستظهر من الدليل؟

الثالثة: إذا استظهرنا التخيير الاُصولي، فاختار الفقيه أحدهما، فهل يفتي على طبق ما اختار، أو يفتي بالتخيير؟

أمّا الجهة الاُولى: فتارةً نتكلّم في تصوير التخيير الاُصولي، واُخرى في تصوير التخيير الفقهي.

أمّا التخيير الأصولي، فتصوير التخيير في باب الوجوب كان بأحد شكلين: أحدهما تعلّق الوجوب بالجامع بنحو صرف الوجود. والثاني فرض وجوبين مشروطين.

والكلام في أنّ أيّاً من الشكلين معقول في باب الحجيّة؟ فنقول:

أمّا التخيير في الحجيّة بالشكل الأوّل، بأن تتعلّق الحجيّة بالجامع فغير معقول وإن كان هذا التخيير معقولا في باب الوجوب. وتوضيح الفرق بينهما يكون بذكر أمرين:

الأوّل: إنّ الحكم إذا تعلّق بالجامع بنحو مطلق الوجود سرى إلى الأفراد كإكرم العالم، وإذا تعلّق به بنحو صرف الوجود استحال سريانه إلى الأفراد ببرهان أنّه لو سرى إلى الجميع للزم وجوب الإتيان بالجميع، وكونه بنحو مطلق الوجود، ولو سرى إلى بعض دون بعض كان ترجيحاً بلا مرجّح، ونسبة الجامع إليهما على حدّ سواء، فالحكم يبقى معلّقاً على نفس الجامع.

الثاني: إنّ الغرض المرغوب فيه لو كان لا يحصل بثبوت الحكم على الجامع ويتوقف على سريانه إلى الأفراد لم يعقل تعلّقه بالجامع بنحو صرف الوجود؛ لما عرفت من أنّ الحكم

737

المتعلّق بالجامع نحو صرف الوجود لا يسري إلى الأفراد.

إذا عرفت ذلك قلنا: إن الغرض المرغوب فيه في باب الوجوب التخييري يحصل بتعلّق الوجوب بالجامع على نحو صرف الوجود، فإنّه وإن كان لا يسري إلى الأفراد لكنّه مع ذلك يبعث المكلّف نحو الإتيان بفرد من الأفراد؛ لأنّ الجامع لا يتحقّق إلاّ بذلك.

وأمّا في باب التخيير في الحجّية فالغرض المرغوب فيه لا يتحقّق بتعلّق الحجّية بالجامع بين الخبرين. وتوضيح ذلك: أنّ الخبرين تارةً نفرض أنّهما بين النفي والاثبات، فأحدهما يوجب والآخر ينفي الوجوب. واُخرى نفرض أنّهما معاً يوجبان، فأحدهما مثلا يدلّ على وجوب صلاة الظهر، والآخر على وجوب صلاة الجمعة، ففي الأوّل غاية ما يستفاد من حجّية الجامع بين الخبرين العلم التعبّدي بالجامع، والعلم التعبدي بالجامع ليس بأحسن حالا من العلم الوجداني بالجامع، ومن الواضح أنّ العلم الوجداني بالجامع بين الإلزام وعدم الإلزام لا أثر له، فكيف بالعلم التعبدي. وفي الثاني غاية ما يستفاد من حجّية الجامع العلم التعبّدي بالجامع بين الوجوبين، فغاية ما هناك أن يفيد فائدة العلم الوجداني بذلك وهي لزوم الاحتياط، في حين أنّ الأثر المرغوب فيه للحجّية ليس هو الاحتياط، وإنّما هو أن يأخذ المكلّف بأحد الحكمين، ويكون هو الحكم الثابت عليه، ويعمل به بما هو حكم ثابت عليه، لا أنّه يعمل به من باب الاحتياط(1).

وأمّا التخيير في الحجّية بالشكل الثاني أعني التخييرين المشروطين بنحو لا يلزم من ذلك فعلية كلتا الحجّيتين في بعض الأحيان، فهذا أمر معقول، ويجب أن نفتّش عن ذاك الشرط الذي يجعل الحجّية تخييرية، وفي نفس الوقت لا يوجب الجمع بين كلتا الحجّيتين في بعض الأحيان، وقد جعلوا ذاك الشرط عبارة عن الالتزام بأحد الخبرين، فكل خبر التزم به كان هو الحجّة عليه، ويجب عليه الالتزام بأحدهما كي يخرج عن عهدة الواقع، وبما أنّ العاقل لا يعقل التزامه بكلا الخبرين المتعارضين فلا يتّفق الجمع بين الحجّيتين في حقّه.


(1) كأنّ المقصود: أن حجّية الجامع إمّا أن يقصد بها ثبوت الجامع بالمعنى الذي يسري أثره إلى تمام الأفراد كما يقال بذلك في العلم الإجمالي بالجامع، وهذا لازمه وجوب الاحتياط بالجمع بين الصلاتين مثلاً، وهو خلف المقصود.

وإمّا أن يقصد بها كون الحجّية، بمقدار الجامع فلا يتنجّز إلاّ مقدار الجامع. وهذا لازمه الاتيان بأحدهما، لا بالبناء على وجوبه بخصوصيته؛ لأنّه لم تتمّ الحجّة عليه بخصوصه، و إنّما تمّت الحجّة بمقدار الجامع، وهذا خلف مايريدونه من نتيجة الحجّية الاُصولية، وهي الانتهاء إلى ثبوت الفرد الذي يختاره بخصوصيّته، لا مجرّد الثبوت بمقدار الجامع.

738

وهذا الذي ذكروه أمر معقول ومتين وإن كان فيه شيء من الغرابة باعتبار أنّ الالتزام لم يكن واجباً في الأخبار غير المبتلاة بالمعارض، فكيف بالأخبار المعارضة مع أنّ الالتزام إنّما هو في طول الحجّية، فكيف صارت الحجّية في طول الالتزام، والالتزام قبل الحجّية نوع تشريع.

ويمكن تفادي هذه الاستغرابات، وذلك بتبديل الشرط، وذلك بأن يقال: إنّ المولى جعل أحد الخبرين حجّة وهو الخبر الذي سوف يختار المكلف(1) أن يكون حجّة له، كما يمكن فرض إعطاء الشارع أمر تشريع إحدى الحجّيتين بيد المكلّف، فهو الذي يشرعّ لنفسه أيّاً من الحجّيتين شاء، إلاّ أنّ هذا يستبطن غرابة تجويز التشريع.

وأمّا التخيير الفقهي، فتصويره واضح، وذلك عبارة عن ترخيص المولى للعبد في أيّ عمل لا يكون منافياً لكلا الخبرين دون ما يكون مخالفاً لهما معاً.

وأمّا الجهة الثانية: فيمكن إثبات التخيير الاُصولي الذي هو المحتاج إلى مؤونة زائدة على التخيير الفقهي بأحد تقريبات ثلاثة:

التقريب الأوّل: يختصّ ببعض ألسنة روايات التخيير، وهو اللسان المشتمل على الأخذ من قبيل قوله: (بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً)(2) وهو أن يقال: إنّ الأخذ يشمل بإطلاقه الأخذ العملي والأخذ المفادي، أي الأخذ بمفاد الخبر، والالتزام به، واختياره للحجّية، وما شابه ذلك من التعبيرات. والتوسعة في الأخذ المفادي مساوق للحجّية الاُصولية.

وهذا التقريب لا يأتي في لسان آخر من قبيل قوله: (موسّع عليك حتّى ترى القائم) ولا يقال: إنّ السعة بإطلاقها تشمل السعة في العمل والسعة في الأخذ بالمفاد، فإنّ السعة بحسب المفهوم العرفي تكون في مقابل الضيق، ولا ضيق عرفاً في عدم التخيير الاُصولي، وعدم صحّة الالتزام بمفاد معيّن، وإنّما الضيق يكون في الاحتياط العملي، فالسعة معناها رفع الضيق العملي وهو التخيير الفقهي.


(1) لا يخفى أن هذا وإن كان يرفع مشكلة التشريع؛ لأنّ اختيار المكلّف يكشف بنحو الشرط المتأخّر عن ثبوت الحجيّة سابقاً، ولكن الحجّية أصبحت على أيّ حال في طول الالتزام، وأصبح الالتزام الواجب أمراً ثابتاً في الرتبة السابقة على الحجّيّة، في حين أنّه لم يكن الالتزام في موارد خبر الثقة الخالي عن المعارض واجباً، وكان الالتزام هناك في طول الحجّية كما هو المترقّب عادةً لا العكس. وهذان أمران غريبان، لا يمكن تصوير رفعهما.

(2) وهذا هو الحديث الذي أتممناه سنداً ودلالة على التخيير.

739

التقريب الثاني: يشمل كلّ ألسنة أدلّة التخيير، وهو أنّ أدلّة التخيير ناظرة إلى رفع النقص الموجود في أدلّة حجيّة خبر الثقة، وكمتممّ جعل بالنسبة لتلك الأدلّة التي نقصها أنّها لا تشمل الخبرين المتعارضين.

اذن فالمستفاد منها عرفاً هو الحجّية التخييرية، لا مجرّد التخيير في العمل(1).

التقريب الثالث: أنّ أخبار التخيير حتّى إذا لم تدلّ على التخيير الاُصولي يمكن ضمّها إلى دليل حجّية خبر الثقة إذا كان لفظياً له إطلاق، فنثّبت بمجموعهما التخيير الاُصولي. وتوضيح ذلك: أنّ دليل حجّية خبر الثقة إنّما كان لا يشمل المتعارضين، لأنّ شموله لهما معاً غير ممكن، وشموله لأحدهما بالخصوص ترجيح بلا مرجّح. وأمّا التمسّك بإطلاقه لإثبات حجّية مشروطة بالالتزام في كلّ واحد من الطرفين فعيبه أنّه معارض لدلالة إطلاقه على الحجّيّة المطلقة في الطرف الآخر، ولكن أخبار التخيير قد أسقطت هذا الإطلاق؛ لأنّ التخيير سواء كان اُصولياً أو فقهياً لا يجتمع مع الحجّيّة المطلقة لأحد الطرفين، فنتمسّك بإطلاق دليل حجّيّة خبر الثقة لإثبات حجّيّتين مشروطتين.

فإن قلت: إنّ دليل حجّيّة خبر الثقة مبتلى بالإجمال؛ للتعارض الداخلي بين الحجّيّة المشروطة لطرف والحجّيّة المطلقة للطرف الآخر، وأدلّة التخيير قرينة منفصلة، والقرينة المنفصلة لا ترفع الإجمال.

قلت: إنّ دليل حجّيّة خبر الثقة له ظهور في قضية شرطية، وهي الحجّيّة المشروطة في كلّ طرف على تقدير عدم الحجّيّة المطلقة في الطرف الآخر، والشرط قد ثبت بأخبار التخيير(2).

 


(1) فهذه الحجّية تصحّح الالتزام والاسناد إلى الله كما هو الحال في حجّية الخبر غير المبتلى بالمعارض بناءً على قيامها مقام القطع الموضوعي.

(2) لا يخفى أن التخيير الاُصولي لا يجد مضمونه لو لم تترتّب عليه ثمرة زائداً على أصل التخيير العملي الذي هو التخيير الفقهي، وتلك الثمرة عبارة عن جواز إسناد ما يختاره إلى الله، وهذه الثمرة تتوقّف على الإيمان بقيام الحجّة التعبّديّة مقام القطع الموضوعيّ المحض، ونحن لا نؤمن بذلك؛ لأنّ الوجه في قيامها مقام القطع الموضوعي المحض أحد أمرين: إمّا الإيمان بالعلم الاعتباريّ الذي يقول به المحقق النائيني(رحمه الله)، وهذا مالم نؤمن به، وإمّا الاستظهار من مثل: (ليس لأحد التشكيك فيما يروي عنّاثقاتنا) بناءً على أنّ هذا يعني ترتيب تمام آثار القطع وعدم الشكّ. إلاّ أن هذا ـ أيضاً ـ منصرف إلى آثار المرويّ، فلا يدلّ على أكثر من ترتيب آثار القطع الطريقي، وآثار القطع الموضوعيّ الطريقي دون الموضوعيّ المحض.

740

وأمّا الجهة الثالثة: فلو قلنا بالتخيير الفقهي فلا إشكال في أنّ الفقيه إنّما يفتي بالتخيير، فإنّ الحكم التكليفي العملي إنّما هو التخيير، فيفتي به.

أمّا لو قلنا بالتخيير الأصولي فاختار الفقيه أحد الخبرين، فهل يفتي هو بالتخيير الاُصولي أو يفتي بمفاد الخبر الذي اختاره؟

التحقيق: أنّ إفتاءه بالتخيير الاُصولي لا عيب فيه، عدا ما يقال من أنّ الأحكام الاُصولية مختصّة بالفقية، ولا تثبت للعامي؛ لأنّها تحتاج إلى خبرة وبصيرة غير موجودتين في العامي، ولكنّنا قد أبطلنا هذه الشبهة في أوّل المباحث العقلية، إذن فيجوز الإفتاء بالتخيير الاُصولي.

وأمّا إفتاؤه بمفاد الخبر الذي اختاره فبما هو إخبار بحكم الله لا إشكال في جوازه، حيث إنّ الخبر الذي اختاره صار حجّة له، فقد ثبت بالحجّة ذلك الحكم، فيخبر به(1)، ولكنّ صحة افتائه بمعنى كونه حجّة على المقلّد محل إشكال عندي؛ وذلك لأنّ التقليد ليس أمراً تعبّدياً صرفاً، وإنّما هو بملاك رجوع الجاهل إلى العالم، ورجوع غير أهل الخبرة إلى أهل الخبرة، وافتاؤه بمفاد هذا الخبر ليس على أساس علم وخبرة، وإنّما على أساس اشتهاء شخصي، فلا معنىً للرجوع إليه، فيكون حال العامي حال الفقيه في أنّه يختار أيّ الخبرين شاء، فقد يختار غير ما اختاره الفقيه.

 

 

 

 


على أنّ ما مضى من غرابة وجوب الالتزام وغرابة كون الحجّيّة في طول الالتزام دون العكس لعلّه يكفي في صرف ظهور دليل التخيير إلى التخيير الفقهي الذي لا غرابة فيه.

ثمّ إنّ التخيير الفقهي يكون من ثمراته وضوح إجزاء الخبر الأوّل في الأعمال السابقة ولو عدل منه إلى الخبر الثاني بناءً على استمرارية التخيير؛ وذلك لأنّه معنى التخيير الفقهي، لأنّ المنجّز عليه إنّما هو قدر الجامع بين الخبرين، وقد أتى بالجامع ضمن العمل بالخبر الأوّل، فلا معنىً لعدم الإجزاء، في حين أنّه قد يقال في التخيير الاُصولي: إنّه لو عدل إلى الخبر الثاني فقد أصبح الخبر الثاني حجّة له بكلّ خصوصيّاته، ومن خصوصيّاته أنّه يرى مضمون الخبر الأوّل باطلا، ومعه لا يثبت الإجزاء إلاّ بدليل خاصّ.

(1) بناءً على قيام ذلك مقام العلم الموضوعيّ البحت.

741

 

 

 

هل يستفاد التخيير الابتدائي أو الاستمراري؟

 

الأمر الثاني: في أنّ التخيير ابتدائي أو استمراري؟

تارةً يقع الكلام في أنّه هل يمكن استفادة استمرارية التخيير من الدليل الاجتهادي، أو لا؟ واُخرى في أنّه هل يمكن استفادة ذلك على أساس الاُصول العملية، أو لا؟ فهنا مقامان من الكلام:

 

المقام الأول: في إمكان استفادة استمرارية التخيير من الدليل الاجتهادي وعدمه

وما ينبغي أن يقال في تشخيص الضابط في ذلك هو: إنّ الأخذ إن كان مورداً للحكم بنحو الإطلاق الشمولي، كما لو كان موضوعاً في الحكم بنحو القضية الخبرية، كما لو قال: المأخوذ من الخبرين المتعارضين حجّة، فهذا تستفاد منه استمرارية التخيير، ففي هذا اليوم يكون هذا الخبر هو المأخوذ، فيكون حجّة، وفي اليوم الثاني يكون ذاك الخبر هو المأخوذ فيكون حجّة، وهكذا، عيناً من قبيل ما لو قال المولى؛ من رأيته من العلماء وجب إكرامه، ففي هذا اليوم رأى زيداً فوجب إكرامه، وفي اليوم الثاني رأى عمراً فوجب إكرامه.

وأمّا إن كان مورداً للحكم بنحو الإطلاق البدلي، كما لو أنشأ الأمر به بأن قال: خذ بأحد المتعارضين، فعندئذ إن كان لسانه بنحو يستفاد منه الانحلالية بلحاظ الوقائع الطولية زماناً، فأيضاً تستفاد منه استمرارية التخيير. وأمّا إن كان بنحو كأنّما لو حظت الوقائع فيه واقعة واحدة، وقد أمرنا فيها بأخذ أحد الخبرين، فهذا المطلق البدلي قد امتثل بالأخذ الأوّل،ولا يبقى للدليل الاجتهادي دليل على استمرارية التخيير.

 

المقام الثاني: في إمكان استفادة استمرارية التخيير بالأصل العملي

وهذا الأصل عبارة عن استصحاب التخيير، وقد اُورد عليه بأنّ الموضوع قد تبدّل؛ لأن الموضوع كان هو الإنسان المتحيّر، وقد زال التحيّر بعد الأخذ بأحد الخبرين.

واُجيب عن ذلك بأنّ الموضوع ليس هو المتحيّر، ولم يؤخذ التحيّر في أدلّة التخيير، وإنّما

742

الموضوع هو من تعارض عنده الخبران.

وتحقيق الكلام في هذا الاستصحاب هو: أنّه تارةً نبني على التخيير الاُصولي ونقصد استصحابه، واُخرى نبني على التخيير الفقهي ونقصد استصحابه:

أمّا إذا بنينا على التخيير الاُصولي، فالتخيير الاُصولي يجعلونه منحلاّ إلى حكمين: الحكم بحجّيّة ما اُخذ، والأمر بأخذ أحدهما. فنقول: هل يكون مصّبّ الاستصحاب هو الأمر بالأخذ بأحدهما، أو مصّب الاستصحاب هو حجّيّة المأخوذ؟

فإن كان مصبّ الاستصحاب هو الأمر بالأخذ، قلنا: إنّ الأمر بالأخذ إن فرضناه إرشاداً وإخباراً عن حجّيّة المأخوذ(1)، فلا معنىً لاستصحاب الإخبار، وليس هو حكماً شرعياً يجري فيه الاستصحاب. وإن فرضناه حكماً شرعياً طريقياً سدّاً لفرار العبد عن التكليف رأساً بترك الأخذ، قلنا: إنّ استصحابه لا يثبت حجّيّة المأخوذ في الزمان الثاني، فإنّ حجّيّة المأخوذ حكم شرعي في عرض الأمر بالأخذ ووجوبه، وليس أثراً شرعياً لوجوب الأخذ حتّى يثبت باستصحاب وجوبه.

وإن كان مصبّ الاستصحاب هو حجّيّة المأخوذ فمرجع هذا الاستصحاب إلى الاستصحاب التعليقي، فيقال: إنّ هذا الخبر الثاني لو كان قد أخذه في الزمان الأوّل لكان حجّة، والآن كما كان، أي: لو أخذه لأصبح حجّة، فبناءً على مبنى عدم حجّيّة الاستصحاب التعليقي لا يجري هذا الاستصحاب، بل صاحب الكفاية(رحمه الله) الذي بنى في المقام على استصحاب التخيير لم يكن من حقّه ذلك بالرغم من أنّه قال بحجّيّة الاستصحاب التعليقي في محلّه؛ وذلك لأنّ في الاستصحاب التعليقي إشكالين، أجاب عنهما صاحب الكفاية:

أحدهما: عدم اليقين السابق. وأجاب عنه بأنّ اليقين في كلّ شيء بحسبه، فقد يكون اليقين بحكم فعليّ، وقد يكون اليقين بحكم تعليقيّ. والحكم الذي لم نتيقّن به في المقام إنّما هو الحكم الفعليّ؛ لعدم الغليان بالفعل، ولا بأس باستصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان، فإنّ الحرمة التعليقية قد تعلّق بها اليقين.

وثانيهما: أنّ استصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان مثلا معارض باستصحاب الحلّيّة التنجيزيّة الثابتة للزبيب قبل الغليان. وجواب صاحب الكفاية(رحمه الله) عن ذلك هو أنّ هذه


(1) فليس الالتزام واجباً وجوباً شرعياً طريقيّاً، بل هو ـ لو كان ـ شرط لتحقّق الحجّيّة الاُصوليّة الموجبة لجواز الإسناد إلى الشريعة مثلا.

743

الحلّيّة التنجيزيّة، وتلك الحرمة التعليقيّة كانتا مجتمعتين بوجوديهما الوجداني في حالة العنبيّة، ولم يكن أيّ تعارض أو تناف بينهما، باعتبار أنّ الحلّيّة كانت مغيّاة بما تكون الحرمة معلّقة عليه، وهو الغليان، وحينما نستصحب ـ أيضاً ـ نستصحب الحرمة المعلّقة بما هي معلّقة، والحرمة المغيّاة بما هي مغيّاة، فإذا لم يتعارضا بوجودهما الوجداني فكيف يتعارضان بوجودهما الاستصحابي؟! واستصحاب الحلية المغيّاة ينفي الحلّيّة الفعلية بعد حصول الغاية، ولا يُبقي مجالا لاستصحاب الحلّيّة الفعلية بعد حصول الغاية.

وهذا الجواب لو تمّ في مثل مثال العنب والزبيب لا يتّم في ما نحن فيه، فإنّ استصحاب حجّيّة الخبر الثاني المعلّقة على الأخذ به معارض باستصحاب الحجّيّة الفعلية للخبر الأوّل الذي أخذنا به في ما سبق، ولم يثبت كون تلك الحجّيّة مغيّاة بالأخذ بالخبر الثاني حتّى يقال: إنّ استصحاب تلك الحجّيّة المغيّاة بما هي مغيّاة لا يُبقي مجالا لاستصحاب الحجّيّة الفعلية بعد حصول الغاية؛ إذ لو ثبت كونها مغيّاة بالأخذ بالخبر الثاني لكان معناه العلم بكون التخيير استمرارياً لا ابتدائياً.

وقد تحصّل: أنّه بناءً على المباني المتعارفة عند الأصحاب لا مجال لاستصحاب التخيير بناءً على كونه اُصولياً.

وأمّا إذا بنينا على التخيير الفقهي فلا يوجد إشكال في استصحابه(1) هذا تمام الكلام في الأمر الثاني، وقد كان هذان الأمران راجعين إلى التخيير.

 

 


(1) ويكون الأشكال المهم في استمراريّة التخيير عند ذلك هو أنّه تلزم منها في بعض الأحيان المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي، كما لو دلّ في مورد مّا خبر على القصر وخبر آخر على التمام، فاخترنا في بعض الأيام حديث القصر وفي بعضها حديث التمام، فلو قلنا: إنّ مخدور المخالفة القطعية في أحد الموردين التوأم مع الموافقة القطعية في الآخر أشدّ من محذور المخالفة الاحتمالية في الموردين التوأم مع الموافقة الاحتماليّة في الموردين إمّا لأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة، وإمّا لأنّ الفهم العرفي يتقبّل الثاني ولا يتقبّل الأوّل، أشكلت استمرارية التخيير في أمثال هذه الموارد.

744

 

 

 

هل تشمل الأخبار العلاجية موارد إمكان الجمع العرفي؟

 

الامر الثالث: في أنّ الرجوع إلى الأخبار العلاجيّة هل يكون بعد عدم وجود جمع عرفي، أو يجب الرجوع إليها حتّى مع الجمع العرفي؟

لا إشكال في أنّ إعمال ما هو مقتضى القواعد في التعارض لو خُلّينا نحن ومقتضى القواعد إنّما يكون بعد عدم وجود الجمع العرفي كما مضى مفصّلا فيما سبق، ولكن قد يقال في الأخبار العلاجية: إنّها لا تختصّ بمورد عدم الجمع العرفي؛ وذلك لأنّ الميزان في الرجوع إلى تلك الأخبار لو كان هو التعارض في الحجّيّة لما وصلت النوبة اليها مع الجمع العرفي، اذ لا تعارض في الحجّيّة عندئذ، لكنّ المستفاد من الأخبار العلاجية هو أنّ الموضوع لأحكامها هو الخبران المتعارضان في الدلالة والمضمون، والتعارض الدلالي والمضموني ثابت حتّى مع فرض وجود الجمع العرفي، فمقتضى إطلاق تلك الأخبار هو العمل بما فيها من أحكام بغضّ النظر عن الجموع العرفية. نعم، تلك الأخبار لا تشمل موارد الورود؛ إذ مع الورود لا يبقى تعارض دلالي حقيقةً.

فالمتحصّل: أنّ مقتضى إطلاق الأخبار العلاجية هو إسقاط الجموع العرفية والرجوع دائماً إلى تلك الأخبار. وهذا خلاف ما عليه الفقهاء خارجاً، فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟

يمكن الإجابة عن ذلك بوجوه، نقتصر منها على أربعة:

الوجه الأوّل: أنّ ظاهر حال السائل هو أنّه وقع في الحيرة من ناحية الخبرين المتعارضين، فأخذ يسأل عن الموقف تجاههما، ومع وجود الجمع العرفي لا يحتار حتّى يسأل، فهذه قرينة على اختصاص تلك الأخبار بغير موارد الجمع العرفي.

ويرد عليه: أنّ الحيرة قد تكون في فهم مدلول مجموع الخبرين، وهذه الحيرة تختصّ بغير موارد الجمع العرفي، وقد تكون في أنّ الشارع هل هو أمضى فهم المدلول من مجموع خبرين بنحو الكسر والانكسار والجمع العرفي، كما أمضى حتماً فهم المدلول من اللفظ الظاهر ابتداءً من دون كسر وانكسار، أو لا؟ وهذه الحيرة يمكن أن تعرض حتّى عند موارد الجمع العرفي،

745

فإنّ كون الإنسان عرفياً يستنبط بعرفيته المراد من مجموع خبرين بنحو الجمع العرفي لا يمنع عن الشك في إمضاء الشارع لهذه الجموع العرفية وعدمه، وظاهر حال السائل لا يدلّ على افتراض خصوص القسم الأوّل من الحيرة، فإنّه يكفي في السؤال القسم الثاني من الحيرة، وتوجيه السؤال إلى الإمام عند القسم الثاني من الحيرة منسجم مع شأن الإمام، فإنّ القسم الثاني من الحيرة عبارة عن الحيرة في أن الشريعة هل أمضت الجموع العرفية في فهم الأحكام من الأخبار، أولا؟ وطبعاً عندما تقع حيرة من هذا القبيل ينبغي توجيه السؤال إلى الإمام الذى هو ممّثل الشريعة.

وبكلمة اُخرى: أنّ ظاهر حال الراوي لا يدلّ على أزيد من الحيرة في الوظيفة العمليّة التي يعقل افتراضها عند الجمع العرفي أيضاً.

هذا مضافاً إلى أنّه ليس كلّ الأخبار العلاجية واردة كجواب عن سؤال، فترى رواية الراوندي التي هي عمدة الروايات العلاجية وردت كعلاج ابتدائي من قبل الإمام لموارد التعارض، من دون سؤال مسبق.

الوجه الثاني: أنّ السيرة العقلائية تقتضي البناء على الجمع العرفي، والأخبار العلاجية تدلّ بالإطلاق لا بالنصوصية على ترك العمل بالجمع العرفي، فيدور الأمر بين فرض السيرة مخصّصاً منفصلاً لأطلاق الاخبار، وفرض اطلاق الاخبار رادعاً عن السيرة، سنخ ما يقال في الآيات الناهية عن العمل بالظنّ من أنّه دار الأمر بين كون السيرة القائمة على حجّيّة خبر الثقة مخصّصة للآيات وكون الآيات رادعة عنها، فيقال مثلا: أنّ التخصيص موقوف على عدم الردع، والردع موقوف على عدم التخصيص، إذن فيتكافأن، فلا يثبت التخصيص ولا الردع، وبعد التساقط نرجع إلى استصحاب حجّيّة الجموع العرفية، وحجّيّة الخاصّ المعارض للعامّ، وعدم حجّيّة العامّ المعارض للخاصّ، ونحو ذلك، فإنّ هذا كان ثابتاً في أول الشريعة بالإمضاء.

والكلام عن دوران من هذا القبيل بين مخصّصية السيرة ورادعيّة الإطلاق قد مضى مفصّلا في بحث خبر الواحد، وهنا نقتصر على ذكر نكتة واحدة وهي: أنّه لو فرض دوران الأمر بينهما قدّم الردع على التخصيص، لا أنّهما يتساقطان؛ وذلك لأنّ احتمال الردع يفني اقتضاء السيرة للتخصيص؛ إذ اقتضاؤها متقوّم بثبوت الإمضاء، ولكنّ التخصيص المنفصل لا يفني اقتضاء المطلق للردع، فإنّ مقتضي الردع عبارة عن الظهور الثابت في المقام، وغاية ما هناك أن يوجد التخصيص مانعاً عن تأثير المقتضي، ومتى ما كان أحد الأمرين

746

المتعارضين يفني الاقتضاء في الآخر في حين أنّ الآخر يحقّق المانع عن الأوّل قدّم ـ لا محالة ـ ما يفني الاقتضاء على ما يوجد المانع؛ إذ إيجاده للمانع فرع تمامية اقتضائه، فالمطلق يكون اقتضاء الردع فيه ثابتاً والمانع قد خنق في مهده ولو بمجرد احتمال الردع، فيكون المقتضي في المطلق موجوداً والمانع مفقوداً، فيقدّم لا محالة. فهذا الوجه الثاني ايضاً غير تام.

الوجه الثالث: أنّ السيرة العقلائية القائمة على الجمع العرفي(1) مستحكمة في الأذهان إلى درجة لا يصلح مجرّد وجود بعض الإطلاقات للردع عنها، بل إنّ تلك السيرة والارتكاز الواضحين عند العقلاء تشكّل قرينة متّصلة مانعة عن انعقاد الإطلاق من رأسه. وهذا الوجه صحيح.

الوجه الرابع: أنّنا نستفيد من نفس الأخبار العلاجية حجّيّة الجمع العرفي، فرواية الراوندي التي هي عمدة الأخبار العلاجية قد فرضت خبرين متعارضين، وأصبحت بصدد الترجيح بينهما، وهذا ظاهره أنّ كلّ واحد من الخبرين لولا معارضه لكان حجّة، ثمّ رجّحت أحد الخبرين على الآخر بأنّه موافق للكتاب والآخر مخالف له، فهذا معناه أنّ الخبر المخالف للكتاب لولا معارضه لكان حجّة، في حين أنّه مخالف للكتاب، ولا أقلّ من المخالفة بمثل العموم والخصوص القابل للجمع العرفي، وهذا معناه حجّيّة الخبر الخاصّ في مقابل العامّ الكتابي، فكيف بالخبر الخاصّ في مقابل عامّ ثبت بخبر واحد مثله لا بالكتاب؟

فلا يحتمل عرفاً صحّة الجمع العرفي بتخصيص الكتاب بخبر الواحد دون صحّته بتخصيص خبر الواحد بخبر الواحد.

وهذا الوجه بلحاظ نكتته ألطف الوجوه، إلاّ أنّه لا يدلّ على تمام المدّعى، فإنّه مضى فيما سبق أنّنا قلنا: إنّ هذه الرواية تدلّ في الجملة على حجّيّة بعض الأخبار المخالفة للكتاب، والقدر المتيقّن منها ما تكون مخالفته بمثل الإطلاق والتقييد، فهنا ـ أيضاً ـ حينما نتعدّى من الكتاب إلى غير الكتاب نتعدّى بهذا المقدار، أي بمقدار ما يكون من أوضح موارد الجمع العرفي وأخفّها عناية(2)

 


(1) أفاد (رضوان الله عليه): أن السيرة العقلائية قائمة على كبرى الجمع العرفي، ومثل العامّ والخاصّ إذا صدرا من الإنسان المتعارف وإن لم يكن صغرىً لهذه الكبرى؛ لأنّه ليس من المتعارف ذكر المخصّص منفصلا، لكن حينما صدر من قبل إنسان قام ديدنه على تفريق المتصلات كالشارع الأقدس، يصبح الجمع بينهما عرفياً وداخلا في تلك الكبرى المرتكزة.

(2) ذكر اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في خارج الدرس وجهاً خامساً للجواب على الإشكال، إلاّ أنه (رحمه الله)قال: إنّ

747

 

 

 

هل تشمل الأخبار العلاجية المتعارضين بالعموم من وجه؟

 

الأمر الرابع: في أنّه هل نرجع إلى الأخبار العلاجية والترجيحات في المتعارضين بالعموم من وجه أو لا؟

نقل السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1) عن اُستاذه المحقّق النائيني(رحمه الله)التفصيل بين


حديثنا عن هذا الوجه حديث المجلس، وليس ضمان صحّته بقدر ضمان حديث الدرس.

وذاك الوجه هو: أنْ يتمسّك بسيرة المتشرّعة في زمن الأئمّة(عليهم السلام)، ويخصّص بها إطلاق الأخبار العلاجية.

وقال (رحمه الله): هذا ـ أيضاً ـ أخصّ من المدّعى؛ لإن هذا بحاجة إلى شواهد تأريخية تشهد لهذه السيرة، ولم نظفر بشواهد من هذا القبيل تدلّ على أنّهم كانو يقدّمون الأظهر على الظاهر. نعم، توجد بعض الشواهد على تقديم الخاصّ على العامّ، وحمل الأمر على الاستحباب عند ورود الرخصة. وهذا ثابت حتّى مع فرض أظهريّة العامّ أو الأمر، وذلك بالقاعدة الميرزائية القائلة بأنّ ما هو قرينة عند الاتّصال فهو قرينة عند الانفصال.

والشواهد التي قلناها هي من قبيل أنّنا حينما نراجع أقدم الآثار الاُصولية شيعةً وسنّةً نرى أنّها متّجهة نحو الجمع بين العامّ والخاصّ بالتخصيص، ونرى في الروايات أنّه كثر ذكر العامّ والخاصّ، والناسخ والمنسوخ، فيقال مثلا: إنّ الحديث كالقرآن يشتمل على العامّ والخاصّ، والناسخ والمنسوخ، ونرى أنّ ورود الأمر للاستحباب من دون قرينة متّصلة كثير وشائع جدّاً، بحيث لا يبقى شكّ في أنّ الأمر عند ورود الترخيص كان يحمل على الاستحباب، فيمكن أن يقال: إنّه بعد ارتكازيّة هذا الجمع على أساس شيوع اتّكال المتكلّم في إرادة الاستحباب على القرينة المنفصلة يتّجه القول بأنّه لو كان يُعمل بالترجيح لدى وجود المرجّحات خلافاً لهذا الارتكاز العقلائي لكان يصلنا ذلك حتماً.

والخلاصة: أنّه توجد قرائن من هذا القبيل على المقصود، لكنّها تختصّ بالعامّ والخاصّ، والناسخ والمنسوخ، والأمر والرخصة.

قد نقّحنا في محلّه أنّ النكتة العرفية لكلّ هذه الوجوه من الجمع هي الظاهرية والأظهرية، لا القاعدة الميرزائية، ولا كون الهيئة الناتجة من مجموع القرينة وذي القرينة لو كانتا متّصلتين دالّة على ذلك، ولا أيّ شيء آخر من هذا القبيل. إذن فيصحّ التعدّي من هذه الجموع الثابت باليقين تأريخياً وجودها لدى المتشرعة في زمان المعصوم إلى كلّ ما يساويها في الفرق في درجتي ظهور القرينة وذي القرينة، أو يزيد عليها. أمّا التعدّي إلى غير ذلك فلا.

(1) راجع الدراسات ج 4، ص 412 ـ 413 بحسب طبعة مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، وراجع أيضاً فوائد الاصول ج 4، ص 793 ـ 794 بحسب طبعة جماعة المدرسين بقم.

748

المرجّحات السندية والمرجّحات الدلالية، فالمرجّح السندي لا يأتي في العامّين من وجه؛ لأنّنا لو أردنا إسقاط أحد العامّين بتمامه كان اسقاطه في مادّة الافتراق بلا موجب، ولو أردنا اسقاطه في مادّة الاجتماع فحسب كان هذا معناه التبعيض في السند الواحد، وهذا لا معنى له، وهذا بخلاف المرجّحات الدلالية، فبالإمكان إعمالها في بعض الدلالات دون بعض.

وأورد على ذلك السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بأنّه يوجد في كلّ نقل لشيء دالّ ودلالة، وقد يكون الدالّ واحداً والدلالة متعدّدة، كما لو قال: (كلّ من كان في البلد فقد خرج) فالدالّ هنا وإن كان واحداً إلاّ أنّه توجد دلالات بعدد من في البلد، والأحكام المترتّبة على النقل والأخبار بعضها مترتّب على الدالّ، من قبيل حرمة الكذب، فلو أخبر كذباً بخروج كلّ من في البلد لم تزدد الحرمة وتنقص بزيادة عدد سكان البلد ونقصانه، وبعضها مترتّب على الدلالة فيتعدّد بتعدّد الدلالة كما في حرمة الغيبة، فإنّ الغيبة تتعدّد بتعدد من أخبر عنه ولو كانت الإخبارات مجموعة في لفظ واحد، والحجّيّة حكم مترتّب على الدلالة لا على الدالّ، والعامّ من وجه وإن كان الدالّ فيه واحداً لكنّ الدلالة متعدّدة، فتسقط حجّيّته بلحاظ مادّة الاجتماع بترجيح معارضه عليه، وتبقى الحجّيّة لمادّة الافتراق باعتبارها دلالة تضمّنية لا تسقط بسقوط الدلالة التضمنية الاخرى عن الحجّيّة، لا دلالةً التزاميّة حتى تسقط بسقوط الدلالة المطابقيّة(1).

أقول: في كلا الكلامين نظر:

أمّا كلام السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ فيرد عليه: أنّه خلط بين دالّين ودلالتين، فنقل الراوي دالّ وله دلالة واحدة، وهي دلالته على كلام الإمام، ثمّ كلام الإمام دالّ آخر وله دلالات عديدة باعتباره يبيّن حكماً كلّياً تحته مصاديق كثيرة، وليس المفروض هو ترجيح أحد كلامي الإمام على كلامه الآخر بمرجّح حتّى يقال: إنّ هذه الأحكام تكون بلحاظ الدلالة، والدلالة متعدّدة، وإنّما المفروض ترجيح نقل أحد الراويين على نقل الآخر، وكلّ من النقلين له دلالة واحدة. فالى هنا استفحل إشكال المحقّق النائيني (رحمه الله).

وأمّا كلام المحقّق النائيني (رحمه الله) فيرد عليه:

أنّ منهجة البحث غير صحيحة، فليس من الصحيح أن يقال: بما أنّ إسقاط العامّ في مادّة الافتراق بلا موجب، والتفكيك بين مادة الافتراق ومادة الاجتماع غير ممكن. إذن فلا يمكن


(1) راجع مصباح الاصول ج 3 ص 427 ـ 429.

749

اسقاط هذا العامّ بترجيح العامّ الآخر عليه المعارض له بالعموم من وجه، بل لا بدّ من النظر ابتداءً إلى الأخبار العلاجية، لنرى هل تشمل العامّين من وجه، أو لا؟ فلو فرض شمولها للعامّين من وجه، وفرض عدم إمكان التفكيك بين مادّة الاجتماع ومادّة الافتراق، سقط ـ لا محالة ـ العامّ حتّى في مادّة افتراقه، ولم يكن ذلك سقوطاً بلا موجب، بل هو سقوط بموجب الأخبار العلاجية.

هذا. وتحقيق الكلام في المقام يستدعي ذكر اُمور.

الأوّل: أنّه إذا وقع التعارض بالعموم من وجه بين خبرين، كما لو قال أحدهما: (يجب إكرام العلماء) وقال الآخر: (يحرم إكرام الفسّاق) فالتفكيك بين مادّة الاجتماع ومادّة الافتراق ثبوتاً ممكن؛ وذلك لأنّه في الحقيقة كلّ من الراويين له شهادتان: شهادة إيجابية بالنطق، وشهادة سلبية بالسكوت، فالراوي الأول يشهد بأنّ الإمام قال: (يجب إكرام العلماء) ويشهد في نفس الوقت بسكوته بأنّ الإمام لم يعقّب هذا العامّ باستثناء العلماء الفسّاق منه، والراوي الثاني يشهد بأنّ الإمام قال: (يحرم إكرام الفسّاق) ويشهد في نفس الوقت بسكوته بأنّ الإمام لم يعقّب هذا العام باستثناء العلماء منه. والتعارض إنّما يكون بلحاظ هاتين الشهادتين الأخيرتين، وإذا سقطت إحداهما أمكن فرض عدم سقوط إحدى الشهادتين الأوليين لارتفاع التعارض، فنثبت مادّة الافتراق بأصل العامّ وأمّا مادّة الاجتماع فلم تثبت لسقوط الشهادة بعدم استثنائها.

الثاني: قد عرفت أنّ المحقّق النائيني (رحمه الله) فصّل بين المرجّح السندي والمرجّح الدلالي، فما هو المرجح السندي، وما هو المرجح الدلالي؟

الذي ينبغي أن يقال في المقام هو: إنّ الترجيح الثابت بالأخبار العلاجية تارةً ينصبّ بحسب لسان الدليل على النقل، واُخرى ينصبّ على المنقول، فإن انصبّ على النقل فهذا ظاهره الترجيح بحسب الصدق والكذب في النقل، وهو الترجيح السندي. وإن انصبّ على المنقول فظاهره الترجيح الفعلي لأحد المنقولين الملتئم؛ لكونه ناظراً إلى قوّة أحد المضمونين في مقابل الآخر ولو من غير جهة الصدق والكذب، ولهذا يمكن أن يكون لدليل الترجيح بذلك إطلاق للخبرين القطعيي الصدور، وهذا بخلاف الترجيح بلحاظ النقل، فإنّه لا يشمل الخبرين القطعيّين.

إذا عرفت هذا قلنا: إنّ الترجيح بالصفات ترجيح سندي على ما يظهر من المقبولة والمرفوعة، ففي المرفوعة يقول: (خذ بما يقول أعدلهما) فنرى أنّه أضاف الترجيح الى القول،

750

وفي المقبولة يقول: (الحكم ما حكم به أعدلهما) بناءً على تفسير ذلك بأنّ الخبر ما نقله أعدلهما.

على أنّ مناسبات الحكم والموضوع ـ أيضاً ـ تقتضي كون الترجيح بالصفات ترجيحاً سنديّاً، فحتّى لو لم يكن الترجيح بحسب ظاهر اللفظ مضافاً الى النقل كنّا نحمله على ذلك، وأمّا الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة فالذي يظهر من رواية الراوندي أنّه ترجيح دلالي، حيث قال: (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه...الخ) فإنّ الحديث عبارة عن المنقول لا عن النقل، فهذا يشمل بإطلاقه الخبرين القطعيي الصدور.

الثالث: هل تشمل المرجحات بحسب مقام الإثبات العامّين من وجه أولا؟(1)

فنقول: إن رواية الراوندي قد ذكرت مرجّحين: موافقة الكتاب، ومخالفة العامة. فإن فرضناهما مرجّحين سنديين فهما لا يجريان في العامّين من وجه، فإنّنا وإن تصورنا ثبوتاً جريانهما في العامّين من وجه بنحو يثبت التفكيك بين مادّة الإجتماع ومادّة الافتراق، وذلك ببيان: أنّ كلاًّ من الراويين له شهادة إثباتية وشهادة سلبية، أي الشهادة بسكوت الإمام عن المخصّص، فيدّعى أنّ الشهادة بالسكوت هي التي تسقط، لكنّ هذا ليس إثباتاً مستفاداً من ظاهر رواية الراوندي، حيث عبّرت بتعبير (الحديث)، ومن الواضح أنّ الحديث ليس معناه السكوت، وإنّما معناه الكلام، فمعنى الرواية هو أنّه حينما ورد عن الإمام كلامان متعارضان قدّم ما وافق الكتاب أو خالف العامّة على الآخر، فإن كان التعارض بينهما بنحو العموم من وجه، فإن فرض سقوط الخبر الآخر بتمامه كان هذا خلاف ظاهر الأخبار العلاجية، فإنّ ظاهرها هو العلاج والإسقاط بمقدار التعارض، ولعلّ هذا هو الذي دعا المحقّق النائيني (رحمه الله)إلى أن يقول: إنّ إسقاط أحد العامّين حتّى بمادّة افتراقه بلا موجب، فإنّ هذا الكلام روحه يرجع إلى أنّ الأخبار العلاجية لا توجب سقوط مادّة الافتراق. وهذا صحيح وإن كان لدينا إشكال في منهجته لطرح الإشكال كما عرفت. وإن فرض سقوط الخبر الآخر في مادّة اجتماعه فقط قلنا: إنّ النقل واحد: إمّا يسقط أو لا يسقط، وليس عندنا نقلان يسقط أحدهما ويثبت الآخر.


(1) تكلّم (رحمه الله) بلحاظ رواية الراوندي فحسب، إلاّ أنّ تطبيق النكات على الروايات الاُخرى بعد معرفتها سهل.

751

وإن فرضناهما مرجّحين دلاليين فأيضاً لا يجريان في المتعارضين بالعموم من وجه بنفس البيان، فلو كان المقصود إسقاط أحد العامّين حتّى في مادّة الافتراق، فهذا خلاف ظاهر الدليل الذي يستفاد منه علاج المعارض وإسقاطه فقط. ولو كان المقصود إسقاط مادّة الاجتماع فأيضاً هذا خلاف ظاهر الدليل المعبِّر بالحديث الظاهر في اسقاط الحديث، والحديث واحد، وليس متعدّداً.

نعم، يمكن أن يدّعى بناءً على الترجيح الدلالي أنّ العرف يتعدّى إلى العامّين من وجهّ؛ إذ كما أن موافقة الكتاب أو مخالفة العامّة تقوّي مضمون ما وافقه المبتلى بالمعارض المباين كذلك تقوّي مضمون ما وافقه في مادّة الاجتماع عند التعارض بالعموم من وجه، إلاّ أنّ الجزم بتعدّي العرف لا يمكننا.

الرابع: هل يحتاج العمل بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة في العامّين من وجه إلى شمول الأخبار العلاجية لذلك، أو لا؟

الصحيح: عدم الحاجة الى الاخبار العلاجيّة.

أمّا في موافقة الكتاب فلأنّ نفس أدلّة طرح ما خالف الكتاب تدلّ على طرح المخالف، والموصول فيه مطلق يشمل كلّ ما خالف الكتاب حديثاً كان، أو مذهباً، أو إطلاقاً، أو عموماً، أو غير ذلك، والمفروض في المقام أنّ عموم أو إطلاق أحد الخبرين خالف الكتاب، فسقط عن الحجّيّة، فيبقى الموافق بلا معارض، فإنّه لم يدلّ دليل على تخصيص تلك الأدلّة، إلاّ نفس رواية الراوندي التي لا نخصّصها إلاّ بمقدار الخبر المخالف للكتاب، بمثل التقييد غير المبتلى بالمعارض على تقريب مضى في محلّه، والمفروض أنّه فيما نحن فيه مبتلى بالمعارض(1).

وأمّا في مخالفة العامّة فلأنّ نفس التقريب الذي مضى منّا لتقديم مخالف العامّة على القاعدة يأتي في المقام.

وقد كان ذاك التقريب عبارة عن أن العرف بعد أن يعجز عن الجمع الدلالي في مرتبة المداليل الاستعمالية ينتقل إلى الجمع الدلالي في مرتبة المداليل الجدّية لدى التمكن من الجمع في مرتبة الجدّ، فمثلا إذا أخذنا بطائفتين من الأخبار دلّت إحداهما بالصراحة على طهارة


(1) قد يقال: إنّ ما دلّ على جواز تخصيص وتقييد الكتاب بخبر الواحد صار قرينة عرفية على أنّ روايات طرح ما خالف الكتاب تقصدبها المخالفة التي هي أشدّ من مثل المخالفة بالتخصيص والتقييد، وهي المخالفة التباينيّة، ولا يختلف في ذلك إذن بين أن يكون المخالف مبتلى بالمعارض أو لا، ولا بين فرض إمكانيّة الجمع العرفي بينه وبين الكتاب، كما في الأخصّ مطلقاً منه، وعدم إمكانيّة ذلك، كما في فرض نسبة العموم من وجه بينه وبين الكتاب.

752

الكتابي، والاُخرى بالظهور على نجاسته، فمقتضى الجمع في مرتبة المدلول الاستعمالي حمل دليل النجاسة على التنزيه، ومقتضى الجمع في مرتبة المدلول الجدّي حمل أخبار الطهارة على التقيّة، حيث إنّ أخبار الطهارة إنّما هي ظاهرة في الجدّ، لكنّ أخبار النجاسة صريحة في الجدّ باعتبار عدم احتمال عرفي للتقيّة فيها، فإنّ العامّة متّفقون على طهارة الكتابي. نعم، احتمل صاحب الحدائق (رحمه الله) ورود بعض الأخبار المخالفة للعامّة للتقيّة بأن يكون الهدف منها إيجاد الاختلاف في الشيعة لأجل التقيّة(1)، إلاّ أنّ هذا احتمال عقلي في مقابله قرائن تفيد الاطمئنان بالخلاف؛ إذن فإدلّة النجاسة صريحة عرفاً في الجدّ، فمقتضى الجمع في مرتبة الدلالة الجدّية هو حمل أخبار الطهارة على التقية، إلاّ أنّه مع إمكانية الجمع بينهما بحمل أخبار النجاسة على التنزيه لا تصل النوبة إلى حمل أخبار الطهارة على التقية.

وفي المتعارضين بالعموم من وجه ـ أيضاً ـ نقول نفس الكلام، أي: إنّه بعد عدم إمكان الجمع الدلالي بينهما في مرتبة المدلول الاستعمالي يحمل العرف الموافق منهما للعامّة على التقية، ويحمل الخبر الآخر المخالف للعامّة على الجدّ.

وقد مضى منّا أنّهم ذكروا في الجمع بالحمل على التقية إشكالا، ولكنّه لو تمّ فإنّما هو في المتخالفين بالتباين، ولا يأتي في العامّين من وجه.

وهو: أنّنا في سائر موارد الجمع الدلالي نقول: إنّ دليل الحجّيّة العامّ إنّما دلّ على الأخذ بكلّ خبر بعد لحاظه جميع قرائنه المتّصلة والمنفصلة، فإذا كان بين الخبرين المتعارضين جمع دلالي كما في العامّ والخاصّ لم يقع أيّ تعارض بين الحجّيّتين؛ لأن إطلاق دليل الحجّيّة إنّما دلّ على حجّيّة العامّ بعد تحكيم كلّ ماله من قرائن متّصلة ومنفصلة، والمفروض أنّ الخاصّ قرينة منفصلة، فدليل الحجّيّة إنّما دلّ على حجّيّة العامّ فيما عدا مقدار الخاصّ، وفي طرف الخاصّ ـ أيضاً ـ إنّما دلّ إطلاق دليل الحجّيّة على حجّيّة الخاصّ بعد تحكيم القرائن فيه، إلاّ أنّه لم ترد قرينة على خلافه، فصار الخاصّ بمدلوله الأوّلي حجّة، ولا تعارض بين حجّيّة العامّ فيما عدا مورد الخاصّ وحجّيّة الخاصّ، كما هو واضح، ولهذا لم تسرِ المعارضة من الدلالة إلى السند. وأمّا في مورد الحمل على التقيّة فإذا حمل أحد الخبرين على التقيّة وعدم الجدّ كان معنى ذلك سقوطه عن الحجّيّة راسأ؛ إذ لا معنى لحجّيّة ما لا يكون إلاّ كلقلقة اللسان. إذن فهو مع معارضه لا يجتمعان في الحجّيّة، أي: إنّه استحكم التعارض في السند.


(1) راجع الحدائق: ج 1، ص 5 ـ 8 بحسب طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي لجماعة المدرّسين بقم.

753

وهذا الإشكال كما ترى لا يأتي في العامّين من وجه؛ لأنّ ما حمل على التقيّة بقيت له مادّة الافتراق.

وعلى أيّ حال، فهذا الإشكال غير صحيح حتّى في المتعارضين بالتباين على ما مضى بيانه فيما سبق.

ثمّ أنّ العاميّن من وجه قسّمه السيد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ على ثلاثة أقسام، فقد يكون كلاهما بالوضع، واُخرى كلاهما بمقدّمات الحكمة، وثالثة: أحدهما بالوضع والأخر بمقدمات الحكمة.

فإن كانا بالوضع فهو القدر المتيقّن من تطبيق المرجّحات عليه بناءً على ثبوتها في العامّين من وجه.

وإن كان أحدهما بالوضع والآخر بالإطلاق فقد يجمع بينهما بتقديم الظهور الوضعي على الظهور الإطلاقي، وقد تقدّم الكلام في ذلك.

أمّا لو لم يقدّم الظهور الوضعي على الإطلاق في مورد أو مطلقاً، التحق بالإطلاقين اللذين نبيّن الآن حكمهما.

وإن كان كلاهما بالإطلاق فقد استشكل السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ في تطبيق المرجّحات عليه، والوجه في ذلك: أن المرجّحات إنّما ثبتت في الحديثين المتعارضين، والإطلاق ليس حديثاً، وإنّما هو قرينة عقلية تثبت بلحاظ سكوت المتكلّم(1).

إلاّ أنّ الصحيح: أنّ هذا الإشكال غير وارد.

وهذا الإشكال يمكن أن يقرّب بتقريبين مختلفين وكلاهما غير صحيح:

التقريب الاول: أن يكون المقصود: أنّ الإطلاق إنّما يستفاد بالسكوت، والحديث عبارة عن الكلام لا عن السكوت.

ويرد عليه:

أوّلا: أنّ المقصود بالحديث هنا ما يعمّ نقل كلّ ما هو حجّة عن الإمام، سواء كان كلاماً أو لا، ولذا نعمل الترجيحات بين الخبرين الناقلين لفعل الإمام، أو تقريره، أو بين خبرين: أحدهما ينقل الكلام والآخر ينقل الفعل مثلا(2).


(1) راجع مصباح الاصول ج 3 ص 430.

(2) على أنّ السكوت يعتبر عرفاً حيثية تعليلية لدلالة الكلام على الإطلاق.

754

نعم مضى منّا أنّ التفكيك بين أصل الكلام والسكوت بإيقاع التعارض والترجيحات بين السكوتين دون أصل الكلامين غير عرفي، فإنّ الحديث عبارة عن الكلام، وكان مقصودنا من ذلك أنّ السكوت الذي ليس هو الحديث بنفسه، وإنّما هو مندكّ في ضمن الكلام الذي هو الحديث الأصلي ليس التفكيك بينه وبين الكلام عرفياً، وهذا غير مرتبط بما نحن فيه فلا يتوهم التهافت بين ما نقوله هنا وما قلناه هناك.

وثانياً: أنّه لعلّه يمكن إسراء الإشكال ببعض مراتبه إلى العامّين بالوضع؛ وذلك لأن التعارض والترجيح في الحقيقة إنّما هو بلحاظ الدلالة التصديقيّة، لا التصورية، والدلالة التصديقيّة بإرادة العموم إنّما تقوم على أساس سكوته عن التخصيص المتصل، لا على أساس وضع أداة العموم فحسب، فرجع التعارض مرّةً اُخرى إلى ما بين السكوتين، فلعلّ الإشكال يسري إلى العامّين بالوضع، بل إلى غير ذلك أيضاً.

وثالثاً: أنّه لو لم تشمل رواية الراوندي العامّين من وجه حينما يكون العموم بالإطلاق كفانا مقتضى القاعدة، فإنّنا قد وضحّنا أنّ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة يثبت بمقتضى القاعدة من أدلّة إسقاط مخالف الكتاب، ومن الجمع العرفي، بالحمل على التقيّة. وهذا الوجهان يأتيان في المطلقين.

التقريب الثاني: أن يكون المقصود: أنّ الإطلاق ليس ظهوراً مستفاداً من كلام الإمام أو سكوته، وإنّما هو دلالة عقليّة، فهي أجنبية بتمام المعنى عن الحديث المنقول من الإمام، والترجيحات إنّما هي للإحاديث، لا للبراهين العقلية.

وهذا التقريب أوضح بطلاناً من التقريب الأوّل؛ إذ لا إشكال في أنّ الأطلاق ومقدّمات الحكمة ـ في الحقيقة ـ عبارة عن تحليل حال المتكلم، وتوضيح ظهور حاله في أنّه يبيّن تمام مرامه بنفس خطابه، ولهذا يفهم الإطلاق من كلام المتكلّم كلّ إنسان عرفي وإن لم يكن يعرف تلك التحليلات العقلية، على أنّه لو لم يتمّ هذا جاء الترجيح بموافقة الكتاب بمقتضى القاعدة؛ لأنّ ما دلّ على إسقاط ما خالف الكتاب عامّ يشمل كلّ ما خالف الكتاب، سواء كان حديثاً، أو كان قرينة عقليّة.

ثمّ إنّ هذا الإشكال وإن كان ذكره السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ في العامّين من وجه، لكنّه يأتي بنفس التقريب مع الأجوبة التي عرفتها في المتباينين أيضاً.

هذا، وقد وقع ـ أيضاً ـ سنخ هذا الإشكال في المخالفة لإطلاق الكتاب، فيقال: إنّ المخالفة لإطلاق الكتاب ليست مخالفة للكتاب، وبناءً على ذلك يشكل الترجيح بموافقة الكتاب إذا

755

كانت الموافقة والمخالفة بالنظر إلى الإطلاق، وقد مضى منّا فيما سبق التحدّث عن هذا الإشكال وجوابه.