13

الاشتراكيّ) على كلّ مجتمع يرى أنّ الملكيّة الاشتراكيّة هي المبدأ، ولا يعترف بالملكيّة الخاصّة إلّا في حالات استثنائيّة.

وأمّا المجتمع الإسلاميّ فلا تنطبق عليه الصفة الأساسيّة لكلّ من المجتمعين؛ لأنّ المذهب الإسلاميّ لا يتّفق مع الرأسماليّة في القول بأنّ الملكيّة الخاصّة هي المبدأ، ولا مع الاشتراكيّة في اعتبارها للملكيّة الاشتراكيّة مبدأً عامّاً، بل إنّه يقرّر الأشكال المختلفة للملكيّة في وقت واحد، فيضع بذلك مبدأ الملكيّة المزدوجة (الملكيّة ذات الأشكال المتنوّعة) بدلاً عن مبدأ الشكل الواحد للملكيّة الذي أخذت به الرأسماليّة والاشتراكيّة، فهو يؤمن بالملكيّة الخاصّة، والملكيّة العامّة، وملكيّة الدولة، ويخصّص لكلّ واحدة من هذه الأشكال الثلاثة للملكيّة حقلاً خاصّاً تعمل فيه، ولايعتبر شيئاً منها شذوذاً واستثناءً أو علاجاً مؤقّتاً اقتضته الظروف.

14

ولهذا كان من الخطأ أن يسمّى المجتمع الإسلاميُّ مجتمعاً رأسماليّاً، وإن سمح بالملكيّة الخاصّة لعدّة من رؤوس الأموال ووسائل الانتاج؛ لأنّ الملكيّة الخاصّة عنده ليست هي القاعدة العامّة. كما أنّ من الخطأ أن نُطلق على المجتمع الإسلاميّ اسمَ المجتمع الاشتراكيّ، وإن أخذ بمبدأ الملكيّة العامّة وملكيّة الدولة في بعض الثروات ورؤوس الأموال؛ لأنّ الشكل الاشتراكيَّ للملكيّة ليس هو القاعدة العامّة في رأيه. وكذلك من الخطأ أيضاً أن يعتبر مزيجاً مركّباً من هذا وذاك؛ لأنّ تنوّع الأشكال الرئيسيّة للملكيّة في المجتمع الإسلاميّ لا يعني: أنّ الإسلام مزج بين المذهبين الرأسماليّ والاشتراكيّ وأخذ من كلّ منهما جانباً، وإنّما يُعبِّر ذلك التنوّع في أشكال الملكيّة عن تصميم مذهبيّ أصيل قائم على اُسس وقواعد فكريّة معيّنة وموضوع ضمن إطار خاصّ من القيم والمفاهيم تناقض الاُسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت

15

عليها الرأسماليّة الحرّة والاشتراكيّة الماركسيّة.

وليس هناك أدلُّ على صحّة الموقف الإسلاميّ من الملكيّة القائم على أساس مبدأ الملكيّة المزدوجة من واقع التجربتين الرأسماليّة والاشتراكيّة؛ فإنّ كلتا التجربتين اضطُرّتا إلى الاعتراف بالشكل الآخر للملكيّة الذي يتعارض مع القاعدة العامّة فيهما؛ لأنّ الواقع برهن على خطأ الفكرة القائلة بالشكل الواحد للملكيّة، فقد بدأ المجتمع الرأسماليّ منذ أمد طويل يأخذ بفكرة التأميم، وينزع عن بعض المرافق إطار الملكيّة الخاصّة. وليست حركة التأميم هذه إلّا اعترافاً ضمنيّاً من المجتمعات الرأسماليّة بعدم جدارة المبدأ الرأسماليّ في الملكيّة، ومحاولةً لمعالجة ما نجم عن ذلك المبدأ من مضاعفات وتناقضات.

كما أنّ المجتمع الاشتراكيّ من الناحية الاُخرى وجد نفسه ـ بالرغم من حداثته ـ مضطرّاً أيضاً إلى الاعتراف بالملكيّة الخاصّة قانونيّاً حيناً، وبشكل

16

غير قانونيّ أحياناً اُخرى.

فمن اعترافه القانونيّ بذلك ما تضمّنته المادّة السابعة في الدستور السوفياتي من النصّ على أنّ لكلّ عائلة من عوائل المزرعة التعاونيّة بالإضافة إلى دخلها الأساسيّ الذي يأتيها من اقتصاد المزرعة التعاونيّة المشتركة قطعةً من الأرض خاصّة بها وملحقة بمحلّ السكن، ولها في الأرض اقتصادٌ إضافيّ، ومنزل للسكنى، وماشية منتجة، وطيور، وأدوات زراعيّة بسيطة، كملكيّة خاصّة.

وكذلك سمحت المادّة التاسعة بتملّك الفلاّحين الفرديّين والحرفيّين لمشاريع اقتصاديّة صغيرة، وقيامِ هذه الملكيّات الصغيرة إلى جانب النظام الاشتراكيّ السائد»(1).

قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) هذا الكلام وهو لم يشهد


(1) راجع كتاب اقتصادنا بحث الهيكل العامّ للاقتصاد الإسلاميّ أوائل البحث تحت عنوان مبدأ الملكيّة المزدوجة.

17

عصر انهيار المعسكر السوفياتي بالكامل، كما لم يشهد عصر الخوف والهلع اللذين غمرا المعسكر الرأسماليّ الغربيّ حينما بدأ يحسّ أخيراً بأمارات الانهيار الكامل، فرأى العلاج بجعل العالم على فوهة الحرب بأمل أن يطيل ذلك شيئاً ما من عمر هيمنته على العالم، وبأمل أن يقوّي سيطرته على العالم الإسلاميّ، وينهب بركاته أكثر من ذي قبل ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.

ونحن نهدف هنا إلى الحديث عن الأموال العامّة، وهي على ثلاثة أقسام:

فمنها: مايكون من الأموال العامّة، بمعنى: أنّها مملوكة لجهة عامّة، وليست لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة، ومثاله: الزكاة التي هي ملك للأصناف الثمانية التي سيأتي ـ إن شاء الله ـ تفصيل أحكامها، قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ

18

عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(1).

ومنها: مايكون ملكاً للدولة، ومثاله: الفيء والأنفال، قال الله تعالى:

﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(2).


(1) سورة التوبة، الآية: 60.

(2) سورة الحشر، الآية: 6 ـ 7.

19

وقال الله تعالى:

﴿يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ...﴾(1).

ومنها: مايكون ملكاً للمسلمين، ومثاله: الأراضي الخراجيّة، وهي: التي فتحت بالقتال من قِبَل المسلمين في حرب مشروعة، وكانت عامرة حين الفتح. وخراجها للمسلمين.

 


(1) سورة الأنفال، الآية: 1.

21

 

 

 

 الزكاة.

 الخمس.

 الفيء والأنفال.

     اللقطة ومجهولة المالك.

 أرض الخراج.

 

23

 

 

الـزكـاة

 

 الشروط العامّة لوجوب الزكاة.

 ما تجب فيه الزكاة.

 ما تستحبّ تزكيته.

 مستحقّو الزكاة.

 بقيّة من أحكام الزكاة.

 زكاة الفطرة.

 

25

 

 

 

 

الزكاة مثال للقسم الأوّل، أعني: ما يكون مملوكاً لجهة عامّة لا لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة كما مضت الإشارة إلى ذلك. وإليك تفاصيل الأحكام:

 

الشروط العامّة لوجوب الزكاة

 

1 ـ لوجوب الزكاة شروط عامّة سارية في تمام الأعيان الزكويّة، وشروط خاصّة تختصّ ببعضها.

والشروط العامّة خمسة:

أ ـ البلوغ.

ب ـ العقل.

ج ـ الحرّيّة.

26

د ـ الملك.

هـ ـ التمكّن من التصرّف.

2 ـ ولا نستثني من شرط البلوغ الغلاّتِ الأربعَ، على خلاف ماورد عن اُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله) في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائه للغلاّت الأربع من هذا الشرط.

3 ـ ولا يُشترط في الأعيان الزكويّة التي لابدّ من مرور الحول عليها البلوغُ في تمام الحول، بل يكفي البلوغ في ساعة تعلّق الزكاة.

وكذلك العقل لا يكون شرطاً في ثبوت وجوب الزكاة إلّا في حال التعلّق، فما يكون تعلّق الزكاة به مشروطاً بمضيّ الحول عليه لا يشترط فيه العقل في تمام الحول.

4 ـ وأيضاً لا نستثني من شرط العقل الغلاّتِ ولا الأنعامَ، على خلاف ماورد عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائهما.

27

5 ـ وشرط الملك في الأعيان التي يشترط مرور الحول عليها كالنقدين والأنعام يقصد به: الملكُ في تمام الحول.

6 ـ وشرط التمكّن من التصرّف في الأعيان التي يشترط مرور الحول عليها يقصد به أيضاً: التمكّنُ من التصرّف في تمام الحول.

وأمّا ما لا يشترط فيه مرور الحول وهي الغلاّت، ففي رأينا لا يشترط فيه التمكّن من التصرّف، فلو خرجت الغلاّت قبل بدوّ صلاحها وتعلّقِ الزكاة بها من التمكّن من التصرّف، ثُمّ رجعت بعد ذلك، وجبت تزكيتها. نعم، لو لم ترجع لم تجب على المالك خسارة الزكاة من نفسه.

7 ـ وعدم التمكّن من التصرّف له درجات ومراتب:

الاُولى: أن يكون له عجز حقيقيّ عن التصرّف في المال، كالغائب عن ماله، والمسروق ماله، والمحجور على ماله من قِبَل السلطة الشرعيّة بمثل استغراق ديونه

28

لما يملك، والمدفون ماله في مكان منسيّ، ولا إشكال في كون ذلك مسقطاً للزكاة.

والثانية: أن يكون ماله متعلّقاً لحقّ غيره المانع شرعاً من تصرّفه فيه بالرغم من أنّه لم يعجّزه تعجيزاً حقيقيّاً عن التصرّف، ومثاله: ما لو كان الحجز الشرعيّ على ماله صدر عن حاكم شرعيّ غير مبسوط اليد، فلا يوجد لديه عجز واقعيٌّ وخارجيّ عن التصرّف؛ لعدم امتلاك حاكم الشرع سلطةً تحجزه عن ذلك، ولكن قد مُنع على أيّ حال من التصرّف شرعاً.

ومثاله الآخر: مالو كانت العين تحت الرهن المعجِّز شرعاً عن التصرّف فيها على الرغم من أنّ الراهن أو حاكم الشرع لم تكن له سلطة تعجّزه عجزاً حقيقيّاً عن التصرّف، ولكن العجز كان شرعيّاً بحتاً.

وهذا القسم ملحق في الحكم بالقسم الأوّل.

والثالثة: أن يكون قد تعلّق بماله مجرّد حرمة تكليفيّة للتصرّف، وهذا على قسمين:

29

الأوّل: أن تكون الحرمة الشرعيّة قد تعلّقت بالتصرّف، ومثاله: مالو نهى الوالد عن تصرّف الولد في ماله، وافترضنا وجوب طاعة الوالد، أو افترضنا أن تصرّفه كان يؤذي الوالد إيذاءً يجب اجتنابُه.

وهذا أيضاً ملحق بما سبق في الحكم إذا كانت الحرمة متعلّقة بعمدة التصرّفات لا ببعض التصرّفات.

والثاني: أن يجب عليه صرف المال في مصرف معيّن بمثل سبب النذر، أو وجوب إشباع المشرفين على الهلاك بالجوع، ونحو ذلك، فحرمت عليه باقي التصرّفات لا بمعنى الحرمة الأوّليّة، بل باعتبار مزاحمتها للتصرّف الذي وجب عليه.

وهذا القسم لا يمنع من تعلّق الزكاة بالمال.

8 ـ العين الموقوفة إن كانت قد اُوقفت لصرف نتاجها على الموقوف عليهم دون أن يمتلكه الموقوف عليهم ـ كما لو اُوقف بستان لصرف ثماره على الفقراء لا لامتلاك الفقراء لها ـ فلا زكاة في نتاجها.

30

وإن كانت قد اُوقفت لامتلاك الموقوف عليهم فللوقف صورتان:

الصورة الاُولى: ما لو كان الوقف وقفاً خاصّاً كالوقف على الأولاد ممّا يعني ملكيّة نفس الموقوف عليهم للعين الموقوفة، فكلّ واحد منهم لو بلغت حصّته النصاب كانت عليه الزكاة.

الصورة الثانية: ما لو كان وقفاً عامّاً كالوقف على الفقراء، فكلّ واحد منهم لو قبض قسماً من النتاج وامتلكه حتّى حان وقت تعلّق الزكاة في ملكه، تعلّقت الزكاة به، أمّا لو ملكه بعد ذلك فلازكاة عليه.

9 ـ إذا كانت العين الزكويّة بما لها من النصاب موجبةً لاستطاعة المالك للحجّ، في حين أنّه لو اُخرجت منها الزكاة لم يعدّ صاحبها مستطيعاً: فإن كان تعلّقُ الزكاة بها قبل تماميّة الاستطاعة، فوجوب الزكاة هنا مانع من وجوب الحجّ، ولا يعتبر صاحب هذه العين مستطيعاً.

31

وإن كانت الاستطاعة قد تحقّقت قبل تعلّق الزكاة، فتعلّق الزكاة لا يمنع من وجوب الحجّ؛ لأنّ الحجّ حينما وجب لم تكن الزكاة متعلّقة بالعين.

ولو كان حجّه متوقّفاً على صرف تمام العين للحجّ، كان يجب عليه تبديل العين قبل تعلّق الزكاة بها بمال آخر غير زكويّ حتّى لا تتعلّق به الزكاة.

 

ما تجب فيه الزكاة

 

10 ـ تجب الزكاة في تسعة أشياء: الأنعام الثلاثة، وهي: الإبل، والبقر، والغنم. والنقدان، وهما: الذهب، والفضّة. والغلاّت الأربع، وهي: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.

 

أوّلاً: زكاة الأنعام

11 ـ تشترط في تعلّق الزكاة بالأنعام زائداً على ما مضت من الشروط العامّة شروط اُخرى:

32

الشرط الأوّل: النصاب

12 ـ لا تجب الزكاة على أيّ واحدة من الأنعام إلّا إذا بلغت مبلغاً معيّناً اصطُلِح عليه في الفقه الإسلاميّ باسم النصاب.

وعلى الرغم من أنّ النصاب يكون شرطاً عامّاً لتمام الأعيان الزكويّة أجّلنا ذكره إلى حين الحديث عن الشروط الخاصّة بنكتة: أنّ لكلّ قسم من تلك الأعيان نصاباً يخصّه.

فللأنعام نُصُبها الخاصّة بها التي نشرحها ـ إن شاء الله ـ فيما يلي:

13 ـ فالنصاب في الإبل عبارة عن اثني عشَر نصاباً:

الأوّل: الخمس، وفيها شاة.

والثاني: العَشْر، وفيها شاتان.

فالزائد فيما بين النصابين معفوّ عنه، أي: أنّه لو كان يمتلك تسعاً من الإبل لم تجب عليه إلّا شاة واحدة.

والثالث: خمس عشرة، وفيها ثلاث شياه.

33

والرابع: العشرون، وفيها أربع شياه.

والخامس: خمس وعشرون، وفيها خمس شياه.

ولك أن تعدّ هذه النُصُب الخمسة نصاباً واحداً بأن تقول: في كلّ خمس شاةٌ إلى الخمس والعشرين.

والسادس: ستّ وعشرون، وفيها بنت مخاض، وهي: الاُنثى من الإبل الداخلة في السنة الثانية، سُمّيت في العرف الفقهيّ ببنت مخاض لأنّ اُمّها تحمل.

وإذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون، وهو: الذكر من الإبل الداخل في السنة الثالثة، وسُمّي في المصطلح الفقهيّ بابن لبون لأنّ اُمّه قد تضع وتصبح ذات لبن.

وإذا لم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون، تخيّر في شراء أ يّهما شاء، ولو اشتراهما معاً كان عليه أن يدفع بنت مخاض.

والسابع: ستّ وثلاثون، وفيها بنت لبون، وهي: الاُنثى من الإبل الداخلة في السنة الثالثة، وسُمّيت

34

بذلك لأنّ اُمّها قد تضع وتصبح ذات لبن كما مضى.

والثامن: ستّ وأربعون، وفيها حِقّة، وهي: الداخلة في السنة الرابعة، سُمّيت بذلك لأنّها استحقّت أن يحمل عليها.

والتاسع: إحدى وستّون، وفيها جذَعة: وهي التي دخلت في السنة الخامسة، سُمّيت بذلك لأنّها يشتدّ عادة جذعها في هذه السنة.

يبقى الكلام في طريقة التقسيم، فهل تُقسَّم الآبال على الخمسين، فتكون في كلّ خمسين حِقّة، أو على الأربعين، فتكون في كلّ أربعين بنت لبون، أو بالتلفيق، فيكون على بعضها حِقّة وعلى بعضها بنت لبون؟ وعلى تقدير التلفيق قد تُتصوَّر عدّة أشكال للتلفيق، فأيّ منها يتّبع؟

والجواب: يجب أن يُتّبَع أوسع طريق شامل لأعداد الآبال؛ حتّى لا يبقى إلّا أقلّ زيادة ممكنة، فتصبح تلك الزيادة معفوّة عن الزكاة. ولو اتّحد طريقان في نتيجة السعة فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.

35

مثاله: لو كانت له مئتان جاز له أن يعدّها أربعة خمسينات، فيدفع أربع حِقق، أو يعدّها خمسة أربعينات، فيدفع خمس بنات لبون.

وبناءً على ما ذكرناه لن يتّفق أن تكون الزيادة المعفوّة عن الزكاة أكثر من تسعة أعداد من الإبل؛ لأنّ الفاصل بين الأربعين والخمسين عَشْرة، والنصابُ الأخير يبدأ ممّا زاد على المئة والعشرين، فلو بلغت الزيادة عشْرة أو أكثر فلا أقلّ من ثلاثة أربعينات مستوعبة للمئة والعشرين، وستضاف العشْرة الاُولى على أحد الأربعينات؛ لكي يكون خمسين، والثانية على الثاني، والثالثة على الثالث، ولو وصلت الزيادة إلى أربع عشرات، شكّلت هي بنفسها أربعين، وهكذا الأمر إلى الأخير، فلن تبقى زيادة خارجة من حكم الزكاة أكثر من تسعة.

14 ـ والنصاب في البقر نصابان:

الأوّل: ثلاثون، يعطى فيها تبيع أو تبيعة. وهذا

36

مصطلح فقهيّ روائيّ يقصد به: ما دخل من البقر في السنة الثانية.

والثاني: أربعون تعطى فيها مسنّة، وهي في المصطلح الفقهي والروائيّ: البقرة التي دخلت في السنة الثالثة.

وفيما زاد يعدّها على ثلاثين أو أربعين أو بالتلفيق، ويراعي دائماً الصورة التي تستوعب أكثر عدد ممكن للتزكية، فإن زاد مع ذلك شيء كان داخلاً تحت عموم العفو عن الزكاة، ولا يكون ذلك إلّا بأقلّ من ثلاثين.

15 ـ والنصاب في الغنم خمسة نُصب:

الأوّل: الأربعون، وفيها شاة.

والثاني: مئة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.

والثالث: مئتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

والرابع: ثلاث مئة وواحدة، وفيها أربع شياه.

والخامس: أربع مئة فما زاد، ففي كلّ مئة شاة.

وما بين النصابين في الجميع يعفى عن الزكاة،

37

فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

16 ـ ولا يجوز لدافع زكاة الأنعام أن يختار الفرد الأدنى من المتوسّط بالقياس إلى ما يملك، فلا يجزي إلّا ما كان وسطاً بالقياس إليها، أو كان أعلى وأجود. واختيار الأجود ليس واجباً، ولكن فيه زيادة خير.

ولا يجب أيضاً على دافع الزكاة الدفعُ من العين التي تعلّق بها الزكاة حينما تتّحد الزكاة والعين في الجنس كالشاة من الشياه، أو بنت لبون من آبال فيها بنت لبون، بل يجوز شراء فرد آخر، بل يجوز له دفع القيمة النقديّة.

ولا يجوز له دفع مقدار القيمة من جنس آخر من تلقاء نفسه. نعم، يجوز بإذن حاكم الشرع.

17 ـ لو كانت الأنعام الزكويّة كلُّها صحيحة أو سليمة أو شابّة، أو كانت مختلطة من الصحيحة والمريضة، أو من السليمة والمعيبة، أو من الشابّة والهرمة، لم يجز