78

الاُولى: التغيير في ترتيب مباحث الاُصول، وتبويبها، والتقديم والتأخير فيما بينها، وطريقة تقسيم الأبحاث، وهذا ما انعكس عملاً في كتبه الموسومة بــ (دروس في علم الاُصول)، وفيما كتبه تلميذه السيّد محمود الهاشميّ تقريراً لبحث الاُستاذ، وهو الكتاب المسمّى بــ (تعارض الأدلّة الشرعيّة)، وذلك إيماناً منه(رحمه الله) بأنّ الترتيب الذي تعارف لدى السابقين لمباحث علم الاُصول ليس ترتيباً فنّياً قائماً على أساس نكات طبيعيّة لتقديم وتأخير الأبحاث، فانتهج هو(رحمه الله)منهجاً جديداً في ترتيب علم الاُصول راعى فيه نكات فنيّةً للتقديم والتأخير.

والثانية: صياغة علم الاُصول فيما يسمّى بالسطح العالي في حلقات مترتّبة على وفق المراحل التي ينبغي أن يمرّ بها الطالب؛ إذ كان يعتقد (رضوان الله عليه) أنّ ما درجت عليه الحوزات العلميّة من دراسة عدّة من الكتب الاُصوليّة كتمهيد للوصول إلى ما يسمّى ببحث الخارج كان صحيحاً، ولكن ما تعارفوا عليه من انتخاب كتب متعدّدة تمثّل مراحل مختلفة من العصور الماضية لعلم الاُصول ليس على ما ينبغي، والطريقة الفضلى هي: أن يصاغ آخر التطوّرات العلميّة في ضمن مراحل متدرّجة؛ لتنمية الطالب وتعليمه، كما هو الاُسلوب المتعارف في المناهج الحديثة لسائر العلوم، وهذا ما جسّده (رضوان الله عليه) في كتبه المسمّاة بــ (دروس في علم الاُصول) الممنهجة على ثلاث مراحل تحت عنوان الحلقات.

وفي علم الفقهترى إبداعاته (رضوان الله عليه) لاتقلّ عن

79

إبداعاته في علم الاُصول، وقد طبع من أبحاثه الفقهيّة أربعة مجلّدات باسم (بحوث في شرح العروة الوثقى) فيها من التحقيقات الرشيقة ما لاتحصى ممّا لم يسبقه بها أحد، واُشير هنا كمثال إلى بحثين من أبحاثه التي ينبهر بها الفقيه الألمعيّ:

أحدهما: بحثه الرائع في تحقيق نكات قاعدة الطهارة الوارد في المجلّد الثاني من البحوث المشتمل على عمق وشمول لاتراهما في أبحاث اُخرى عن تلك القاعدة.

والثاني: بحثه القيّم في مسألة اعتصام ماء البئر عن كيفيّة التخلّص من الروايات الدالّة على الانفعال. وهو وارد ـ أيضاً ـ في المجلّد الثاني من البحوث، حيث ساق البحث باُسلوب فائق لم أره لدى باحثي المسألة قبله.

ولم يوفّق (رضوان الله عليه) لكتابة الكثير عن الفقه المستدلِّ ما عدا المجلّدات الأربعة في الطهارة، وما درّسه من الفقه المستدلِّ أكثر ممّا كتبه، كما قد درّس قسماً من أبحاث الخمس وغير ذلك.

والذي كان يصبو إليه(رحمه الله) هو تطوير بحث الفقه من عدّة جوانب، وفّق لبعضها بمقدار ما كتب أو درّس، ولم يوفّق للبعض الآخر. وتلك الجوانب هي ما يلي:

1 ـ تعميق دراسته بنحو لم يسبق له مثيل، وقد وفّق لذلك بمقدار ما كتب أو درّس.

2 ـ تبديل النزعة الفرديّة والنظرة الموضعيّة إلى النزعة الاجتماعيّة والنظرة العالميّة في البحوث التي تتطلّب ذلك. وهاتان

80

النظرتان أو النزعتان لهما الأثر البالغ في كيفيّة فهم القضايا الفقهيّة.

فمثلاً: أخبار التقيّة والجهاد تُفهم بإحدى النظرتين بشكل، وبالنظرة الاُخرى بشكل آخر، وأدلّة حرمة الربا قد تفهم بإحدى النظرتين بشكل يمكن معه تحليل نتيجة الربا ببعض الحيل، وتفهم بالنظرة الاُخرى بشكل آخر لايؤدّي إلى هذه النتيجة. وما إلى ذلك من الأمثلة الواسعة في الفقه.

3 ـ توسيع اُفق البحث الفقهيّ لشتّى أبواب الحياة بالشكل الملائم لمتطلّبات اليوم، وباُسلوب يتجلّى به أنّ الفقه يعالج كلّ مناحي الحياة، ويواكب الوضع البشريّ الفرديّ والاجتماعيّ حتّى النهاية، وبشكل يتّضح أنّ البحث الفقهيّ متحرّك يواكب حركة الحياة. وقد شرع(رحمه الله) في رسالته العمليّة المسمّاة بــ (الفتاوى الواضحة) لتجسيد هذا الجانب، إلاّ أنّ استشهاده قد حال بينه وبين إكمال الكتاب.

4 ـ تطوير منهجة عرض المسائل، وتبويبها بالشكل المنعكس في مقدّمة الفتاوى الواضحة.

5 ـ وكان (رحمه الله) عازماً على أن يبحث فقه المعاملات بشكل مقارن بين فقه الإسلام والفقه الوضعيّ؛ كي يتجلّى أنّ الفقه الإسلاميّ هو الجدير بإدارة الحياة، وإسعادها دون غيره، وقد حالت جريمة البعث الكبرى بينه وبين إتحافنا بهذا البحث القيّم.

وفي الفلسفةألّف الاُستاذ الشهيد(رحمه الله) كتاب (فلسفتنا) الذي قارع فيه الفلسفات المادّيّة والمدارس الفلسفيّة الحديثة الملحدة، بالأخصّ الديالكتيكيّة الماركسيّة، باُسلوب بديع، وببراهين قويمة،

81

ومناهج رائعة، وهذا الكتاب قد أصدره بجهود تظافرت مدّة عشرة أشهر فحسب.

والرأي الذي اعتنقه(رحمه الله) في (فلسفتنا) في نظريّة المعرفة قد عدل عنه إلى رأي آخر في كتابه المسمّى بــ (الاُسس المنطقيّة للاستقراء) يختلف عن رأيه الأوّل في عدد مهمٍّ من أقسام المعرفة البشريّة.

وقد بدأ أخيراً بتأليف كتاب فلسفيّ معمّق، ومقارن بين آراء الفلاسفة القدامى والفلاسفة الجدد، وبدأ ببحث تحليل الذهن البشريّ، ولم يوفّق لإتمامه، ولانعلم مصير ما كتبه في ذلك، ولعلّه صودر من قبل البعث العميل الكافر مع ما صودر من كتبه وممتلكاته.

وفي المنطققد تعرّض الاُستاذ الشهيد(قدس سره) في ضمن أبحاثه الاُصوليّة لدى مناقشته للأخباريِّين في مدى حجّيّة البراهين العقليّة لنمط التفكير المنطقيّ الأرسطيّ، ونقده بما لم يسبقه به أحد، وبعد ذلك طوّر تلك الأبحاث وأكملها، وأضاف إليها ما لم يكن يناسب ذكره في ضمن الأبحاث الاُصوليّة، فأخرجها بأروع صياغة باسم كتاب (الاُسس المنطقيّة للاستقراء). ومن جملة ما أوضحه في هذا الكتاب: عدم بداهة قسم من العلوم التي يقول المنطق الأرسطيّ ببداهتها، كالمحسوسات بالحسِّ الظاهريّ، والمتواترات، والتجريبيّات، والحدسيّات، وأنّ هذه العلوم إنّما تبتني على أساس حساب الاحتمالات، وليس على أساس البداهة والضرورة.

وفي الأخلاقتعرّض الاُستاذ الشهيد(رحمه الله) لأرقى بحث أخلاقيّ علمىّ في ضمن أبحاثه الاُصوليّة لدى البحث عن الحسن والقبح

82

العقليّين بمنهج لم يسبق له نظير.

وفي التفسيرتعرّض (رضوان الله عليه) في أواخر حياته لأبحاث تفسيريّة قيّمة تختلف في اُسلوبها عن نمط التفاسير التجزيئيّة المتعارفة، أعطاها عنوان (التفسير الموضوعيّ)، وتلك أبحاث ألقاها في محفل عام للبحث، ولم يكن الحضور فيه خاصّاً بفضلاء طلاّبه أو المحقّقين العلماء؛ ولذا لم يكن من المتوقّع أن يلقي هذه الأبحاث بما هو المأمول منه من مستوى العمق والدقّة؛ إذ ذلك يناسب الحضور الخاصّ، وليس الحضور العامّ، ومع ذلك ترى في تلك الأبحاث من العمق والتحليل الدقيق ما يبهر العقول، ويدلّ على مدى شموخ المستوى الفكريّ لهذا المفكّر العظيم.

وفي الاقتصادألّف اُستاذنا الشهيد(قدس سره) كتاب (اقتصادنا)؛ لنقد المذاهب الاقتصاديّة الماركسيّة والرأسماليّة، وتوضيح خطوط تفصيليّة عن الاقتصاد الإسلاميّ. ولاأقول: إنّه لم يوجد قبله كتاب في الاقتصاد الإسلاميّ بهذا المستوى فحسب، بل أقول: لم يوجد حتّى يومنا هذا الذي مضى على تأليف كتاب (اقتصادنا) نحو ربع قرن مَنْ كتب بمستواه.

وفي التأريخكتب(رحمه الله) تأريخاً تحليليّاً عن قِصّة (فدك)، وكان عمره ـ وقتئذ ـ نحو سبع عشرة سنة، وترى في هذا الكتاب ـ الذي يمثّل السنين الاُولى من بلوغه سنّ التكليف ـ ما يعجبك من روعة التأليف، وعمق التحقيق والتدقيق، وممّا يزيدك إعجاباً بهذا الكتاب أنّه جاء فيه بالمناسبة بعض المناقشات الفقهيّة الدقيقة لما ورد في

83

كلمات أكابر الفقهاء، وهذا ما لا يصدر عادة إلاّ عن العلماء المحقّقين الكبار في سنين متأخّرة من أعمارهم الشريفة.

فلقد ناقش(رحمه الله) في كتاب (فدك) ما وقع من بعض أكابر العلماء كصاحب الجواهر (رضوان الله عليه) من الاستدلال على نفوذ علم القاضي بكون العلم أقوى من البيّنة المعلوم إرادة الكشف منها، ناقش ذلك بقوله:

«واُلاحظ أنّ في هذا الدليل ضعفاً ماديّاً؛ لأنّ المقارنة لم تقم فيه بين البيّنة وعلم الحاكم بالإضافة إلى صلب الواقع، وإنّما لوحظ مدى تأثير كلٍّ منهما في نفس الحاكم، وكانت النتيجة ـ حينئذ ـ أنّ العلم أقوى من البيّنة؛ لأنّ اليقين أشدّ من الظنّ، وكان من حقّ المقارنة أن يلاحظ الأقرب منهما إلى الحقيقة المطلوب مبدئيّاً الأخذ بها في كلّ مخاصمة، ولايفضّل علم الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البينة؛ لأنّ الحاكم قد يخطأ كما أنّ البيّنة قد تخطأ، فهما في شرع الواقع سواء، كلاهما مظنّة للزلل والاشتباه».

وأيضاً ذكر المرحوم الشيخ آقا ضياء العراقيّ ـ الذي يعتبر من أكابر المحقّقين في العصر المتأخر ـ ذكر في كتابه ردّاً على من استدلّ لنفوذ علم القاضي بأدلّة القضاء بالحقّ والعدل: «أنّه قد يكون المراد بالحقّ والعدل هو الحقّ والعدل وفق مقاييس القضاء، لاالحقّ والعدل وفق الواقع، وكون علم القاضي من مقاييس القضاء أوّل الكلام» واستشهد(رحمه الله) على ذلك بالرواية الدالّة على عقاب رجل قضى بالحقّ وهو لايعلم، ببيان: أنّه لو كان موضوع القضاء هو الحقّ

84

الواقعيّ لاالحقّ وفق مقاييس القضاء، لكان قضاء من قضى بالحقّ ـ وهو لايعلم ـ صحيحاً وضعاً وتكليفاً، ولاعقاب عليه إلاّ بملاك التجرّي.

وأورد عليه اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في كتاب (فدك) أنّ هذه الرواية لاتدلّ على عدم موضوعيّة الواقع للحكم، غاية ما هناك أن نقيّد الأدلّة التي ظاهرها كون موضوع الحكم هو الحقّ والعدل الواقعيين بالعلم، بمقتضى دلالة هذه الرواية على عقاب من قضى من دون علم، فيصبح الواقع جزءَ موضوع، والعلم به جزءاً آخر للموضوع، ولابأس بذلك.

وعلى أيّة حال، فهذا كتاب تاريخيّ تحليليّ بديع عن قِصّة واحدة من التأريخ، وهي قِصّة (فدك).

هذا، وبعد رَدح من الزمن جاءت لاُستاذنا الشهيد أبحاث في منتهى الروعة في تحليل تأريخ حياة أئمّتنا الأطهار(عليهم السلام) من زاوية عملهم لإعلاء كلمة الله على وجه الأرض، كان يلقيها على طلاّبه في أيّام وفيات الأئمّة(عليهم السلام) كاُطروحة شاملة متناسقة لكلِّ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) في المنهج الذي نهجوه لخدمة الإسلام الحنيف.

وجميع أبحاثه (رضوان الله عليه) ترى فيها إضافةً إلى الدقّة والعمق مع السعة والشمول منهجيّةً فنيّةً رائعةً في طريقة العرض.

 

 

85

 

 

مؤلّفاته (قدس سره)

 

 

 

 

 

 

87

 

 

 

 

يحضرني الآن من مؤلّفاته (رضوان الله عليه) ما يلي:

1 ـ فدك في التأريخ، طبع في سنة (1374 هـ ).

2 ـ غاية الفكر في علم الاُصول، طبع منها جزء واحد في سنة ( 1374 هـ ).

وقد ذكر السيّد الشهيد(رحمه الله) في أوّل هذا الجزء أنّه شرع في تأليف هذا الكتاب قبل ثلاث سنين تقريباً.

3 ـ فلسفتنا، طبع في سنة (1379 هـ ).

4 ـ اقتصادنا، طبع في سنة (1381 هـ ) في مجلّدين.

5 ـ المعالم الجديدة للاُصول، طبعت في (سنة 1385 هـ ) لكلّية اُصول الدين.

6 ـ الاُسس المنطقيّة للاستقراء، طبعت بتأريخ (1391 هـ ).

7 ـ البنك اللاربوي في الإسلام، طبع قبل الاُسس المنطقيّة للاستقراء.

8 ـ المدرسة الإسلاميّة، ألّف منها جزءين:

أ ـ الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعيّة.

ب ـ ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلاميّ؟

9 ـ بحوث في شرح العروة الوثقى، ألّف منها أربعة أجزاء، وكان

88

تأريخ الطبعة الاُولى لأوّل جزء منها سنة (1391 هـ ).

10 ـ دروس في علم الاُصول، في ثلاث حلقات، والحلقة الثالثة منها في مجلّدين، طبعت في سنة (1397 هـ ).

11 ـ بحث حول المهدي(عليه السلام).

12 ـ بحث حول الولاية.

13 ـ الإسلام يقود الحياة، ألّف منه ستّ حلقات في سنة ( 1399 هـ ) بمناسبة نجاح الثورة الإسلاميّة في إيران:

أ ـ لمحة فقهيّة تمهيديّة عن مشروع دستور الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

ب ـ صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلاميّ.

ج ـ خطوط تفصيليّة عن اقتصاد المجتمع الإسلاميّ.

د ـ خلافة الإنسان، وشهادة الأنبياء.

ه ـ منابع القدرة في الدولة الإسلاميّة.

وـ الاُسس العامّة للبنك في المجتمع الإسلاميّ.

14 ـ بحث في المرجعيّة الصالحة والمرجعيّة الموضوعيّة، وسيأتي نصّ ذلك ـ إن شاء الله ـ في ضمن هذه الترجمة.

15 ـ الفتاوى الواضحة: رسالة عمليّة ألّف منها جزءاً واحداً، ثُمَّ أضاف إليها في الطبعة الثانية مقدّمة بعنوان (موجز في اُصول الدين) بحث فيها بحثاً مختصراً رائعاً عن المرسل، والرسول، والرسالة، كما يوجد في آخر الكتاب بحث بديع وممتع بعنوان (نظرة عامّة في العبادات).

89

16 ـ تعليقة على رسالة عمليّة للمرحوم آية الله العظمى السيّد محسن الحكيم(رحمه الله)، وهي الرسالة المسمّاة بــ (منهاج الصالحين).

ومن طرائف الاُمور: أنّ الاُستاذ الشهيد(رحمه الله) مضت عليه برهة من الزمان كان له مقلِّدون كثيرون في شتّى المدن العراقيّة، ولعلّه في خارج العراق أيضاً، وكان يمتنع عن طبع رسالة عمليّة؛ لأنّه كان شابّاً آنذاك، ولعلّ قسماً من المجتمع لم يكن يستسيغ طبع رسالة عمليّة لعالم شابّ مع وجود مراجع كبار متقدّمين في السنّ، فكان بعض مقلّديه يضطرون إلى استنساخ تعليقته على الجزء الأوّل من منهاج الصالحين بخط اليد، وما زلت أنا محتفظاً في مكتبتي بنسخة منها استنسختها بيدي.

وبعد فترة من الزمن اقتنع (رضوان الله عليه) بأنّه حان وقت الطبع، فطبع تعليقته على الجزء الأوّل من منهاج الصالحين، وأكملها في الطبعة الثالثة بإضافة التعليق على الجزء الثاني من المنهاج.

17 ـ تعليقة على صلاة الجمعة من الشرائع، ما زالت غير مطبوعة، ولدىّ نسخة استنسختها بيدي.

18 ـ تعليقة على الرسالة العمليّة للمرحوم آية الله العظمى الشيخ محمّدرضا آل ياسين(رحمه الله) المسمّاة بــ (بلغة الراغبين) علّق(رحمه الله) عليها في وقت كان عمره الشريف نحو سبع عشرة سنة، وما زالت التعليقة غير مطبوعة.

19 ـ تعليقة على مناسك الحجّ لاُستاذه آية الله العظمى السيّد الخوئيّ، وهي غير مطبوعة، وما زلت محتفظاً بنسخة خطيّة منها. وقد

90

كتب(رحمه الله) هذه التعليقة عند ما أراد التشرّف بالذهاب إلى الحجّ.

20 ـ موجز أحكام الحجّ: وهو رسالة عمليّة في الحجّ.

وهناك كتاب باسم (المدرسة القرآنيّة) ليس بقلمه الشريف، ولكنّه استنساخ لمحاضراته الممتعة التي أفادها في التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم، وهي عبارة عن أربع عشرة محاضرة، والمحاضرة الأخيرة ليست في التفسير، وإنّما هي في الوعظ والإرشاد، وقد ألقى هذه المحاضرات في أواخر عمره المبارك، وأنا ـ وقتئذ ـ كنت في قم المقدّسة، فلم أحظ بشرف درك هذه المحاضرات القيّمة، لكنّني ما زلت محتفظاً بنسخة صوتيّة منها، وقد ضجّ الناس في المحاضرة الأخيرة منها بالبكاء.

وهناك محاضرات اُخرى له(رحمه الله) في حياة الأئمّة(عليهم السلام) كُتِبَ قسم منها استنساخاً من الشريط الصوتيّ لأبحاثه.

وهناك كتب اُخرى لتلامذته بعنوان تقرير أبحاثه الشريفة.

وهناك كتابات متفرّقة له (رضوان الله عليه) من قبيل بعض افتتاحيّات مجلّة (الأضواء) التي طبعت بعد ذلك باسم (رسالتنا) وغيرها.

وقبل أن أنتقل إلى موضوع آخر أودّ أن أقول: إنّ مطالعة تأليفاته القيّمة كافية في معرفة مدى مواكبة هذا الرجل العظيم لأحوال الوقت ومشاكله ووضعه للحلول الشافية لها، فحقّاً إنّ اُستاذنا الشهيد لم يكن من اُولئك المفكّرين التقليديّين الذين لايفكّرون إلاّ فيما تعارف بحثه في الأزمنة السالفة، بل كان عالماً بزمانه، طبيباً روحيّاً

91

يعالج في كتبه أمراض المجتمع الحاضر، مواكباً لمشاكل الاُمّة الإسلاميّة وآلامها وآمالها، يقارع الفلسفات المادّية الحديثة بكتاب (فلسفتنا)، ويثبّت التلازم بين الإيمان بالعلم الحديث والتجربة وبين الإيمان بالله تعالى، بما له من منطق رصين في كتاب (الاُسس المنطقيّة للاستقراء)، ويعارض الاُصول الاقتصاديّة الكافرة الحديثة مع إعطاء البديل الإسلاميّ في كتاب (اقتصادنا) وفي كتيّبات اقتصاديّة، وحينما يُستفتى من قبل بعض المؤمنين في الكويت عن طريقة تأسيس البنك بلا ربا يؤلّف في الجواب كتاباً في البنك اللاربوي، وحينما يتحقّق انتصار الإسلام في إيران يكتب ستّ حلقات لتغطية الحاجات الفكريّة الإسلاميّة المستجدّة في إيران على أساس الانتصار، وما إلى ذلك ممّا يدلّ على مواكبته (رضوان الله عليه) للحياة ولحاجات المسلمين بحكمة وحنكة فائقتين.

 

 

93

 

 

رعايته(قدس سره)لمشاريع إسلاميّة

 

 

1 ـ مدرسة العلوم الإسلاميّة.

2 ـ جماعة العلماء في النجف الأشرف.

3 ـ كلّيّة اُصول الدين.

 

 

 

 

95

 

 

 

 

لم تكن رعاية اُستاذنا الشهيد (رضوان الله عليه) تختصّ بالمشاريع الإسلاميّة التي تكون من تأسيسه أو تنسب إليه في عرف المجتمع، بل كان لايبخل عن بذل الرعاية لكلِّ مشروع إسلامىّ حتّى غير المنتسب إليه ما لم يأبَ أصحابه عن ذلك، ومن أمثلة ذلك مايلي:

 

1 ـ مدرسة العلوم الإسلاميّة:

كانت هذه مدرسة علميّة مؤسّسة من قبل المرجع المرحوم آية الله العظمى السيّد محسن الحكيم تغمّده الله برحمته، وهي مدرسة ذات صفوف منظّمة لطلاّب العلوم الدينيّة، وكانت لاُستاذنا الشهيد(رحمه الله)رعاية أبويّة خاصّة لهذه المدرسة عن طريق عدد من طلاّبه الأفاضل الذين كانوا يشرفون على هذه المدرسة أو يدرّسون فيها.

 

2 ـ جماعة العلماء في النجف الأشرف:

كان هذا مشروعاً إسلاميّاً قام به ثلّة من العلماء الأكابر في النجف الأشرف في عهد عبد الكريم قاسم، وكان اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)آنذاك في عنفوان شبابه، ولم يكن عضواً في جماعة العلماء، وعلى رغم

96

ذلك كان يرعى باُبوّته هذا المشروع المبارك، وكان يرتبط بشكل وآخر بعقليّته المتميّزة الجبّارة، وهنا أترك الحديث لسماحة السيّد محمّدباقر الحكيم حفظه الله؛ لكي يحدّثنا بعض الكلام عن جماعة العلماء، فإليك بعض المقاطع من مقاله الذي نشر في مجلّة الجهاد العدد الرابع عشر الصادر بتأريخ جمادى الآخرة من سنة ( 1401 هـ )، قال حفظه الله:

«لابدّ من أجل أن نفهم عمق الأحداث التي سوف أتناولها، والمواجهة التي وقعت بين الإمام الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) وحزب البعث في العراق من أن نرجع إلى بدايات سنة (1378)، أي: بعد التغيير في الحكم الذي حصل في العراق بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام (1958 م).

فقد ظهرت على سطح المسرح السياسيّ في العراق مجموعة من التيّارات السياسيّة والفكريّة بعد أن حصل الشعب العراقيّ نتيجة الانقلاب على بعض المكاسب السياسيّة والاجتماعيّة.

وقد احتدم الصراع في المرحلة الاُولى بين التيّار الماركسيّ ـ الذي كان يقوده الحزب الشيوعيّ العراقيّ، والذي كان يحصل على الدعم المعنوىّ من قائد الانقلاب عبد الكريم قاسم ـ من جانب، ومجموعة التيّارات السياسيّة الاُخرى من جانب آخر، كالتيّار القوميّ الذي كان يجمع بين الناصريّين والبعثيّين وغيرهم، والذي كان له وجود سياسيّ في الحكم وفي الشارع بسبب الدعم الذي كان يحصل عليه من الجمهوريّة العربيّة المتحدة حينذاك بقيادة

97

جمال عبد الناصر، وكالتيار الإسلاميّ الذي كانت تتعاطف معه جماهير واسعة من الشعب العراقيّ المسلم دون أن يكون له وجود سياسيّ قويّ عدا بعض الأحزاب السياسيّة الإسلاميّة الصغيرة.

وقد وجد علماء النجف الأشرف أنّ من الضروريّ أن يُطرح الإسلام كقوّة فكريّة وسياسيّة أصيلة تنتمي إلى السماء، وتمتدّ جذورها في الشعب المسلم.

وولدت من أجل ذاك اُطروحة (جماعة العلماء) التي يمكن أن نقول بحقٍّ: إنّ وجودها يرتبط بشكل رئيسيّ بعقليّة السيّد الشهيد الصدر، واهتمامات المرجعيّة الدينيّة وطموحاتها الكبيرة التي كانت تتمثّل بالمرحوم الإمام السيّد محسن الحكيم(قدس سره) إضافة إلى الشعور بالحاجة الملحّة إلى مثل هذه الأطروحة لدى قطّاع واسع من الاُمّة. وعلى الرغم من أنّ السيّد الشهيد (رضوان الله عليه) لم يكن أحد أعضاء جماعة العلماء؛ لصغر عمره، إلاّ أنّه كان له دور رئيسيّ في تحريكها وتوجيهها كما ذكرت ذلك في مذكّراتي عن جماعة العلماء في النجف الأشرف.

ومن خلال ذلك تمكّن علماء النجف الأشرف أن يطرحوا الخطّ الإسلاميّ الصحيح، ويعملوا على إيجاد القوّة السياسيّة الإسلاميّة المتميّزة.

وقد باشرت جماعة العلماء ـ بالرغم من قوّة الأحداث، وعدم توفّر الخبرة السياسيّة الكافية، وتخلّف الوعي الإسلاميّ السياسىّ في الاُمّة ـ عملها من أجل إرساء قواعد هذا الخطّ الأصيل، وذلك

98

من خلال بعض المنشورات، والاحتفالات الجماهيريّة، والاتّصالات ببعض قطّاعات الشباب، وإصدارها لمجلّة الأضواء الإسلاميّة التي كانت تشرف عليها لجنة توجيهيّة مكوّنة من شباب العلماء كان لها اتّصال وثيق بالسيّد الشهيد الصدر ... بعد مضيِّ أقلّ من عامّ تمكّنت جماعة العلماء من بناء قاعدة إسلاميّة شابّة؛ ولذا قرّرت هذه الجماعة إصدار نشرة الأضواء الإسلاميّة كأداة للتعبير عن وجودها من ناحية، ولمواصلة السير في الطريق الذي رسمته من ناحية اُخرى ... وقد بعثت مجلّة الأضواء من خلال خطّها الفكرىّ والسياسىّ، ومن خلال ما رسمته من معالم الطريق الإسلاميّ وخطوطه العريضة وبالأخصِّ الخطوط التي كانت ترسم في ضمن موضوع (رسالتنا) الذي كان يكتبه السيّد الشهيد الصدر باسم جماعة العلماء وبإذنها طبعاً، بعثت الروح الإسلاميّة في قطّاعات واسعة من الجماهير... وسافرت إلى لبنان في سنة ( 1380 هـ ) إذ كانت طموحاتنا أن ننقل أفكارنا إلى ذلك البلد، وودّعت السيّد الاُستاذ الشهيد حيث كان في الكاظميّة حينذاك بعد أن عشت معه أيّاماً، وكنت اُراسله باستمرار في رسائل طويلة، وكان يجيبني باُخرى يتحدّث فيها عن عواطفه الفيّاضة، وهمومه الإسلاميّة. هذه الرسائل التي أرى فيها أنّها أعزّ ما أحتفظ به من ذكريات تلك الأيّام.

وفي هذه الرسائل بدأ السيّد الاُستاذ الشهيد يحدّثني عن هجمة قاسية شرسة قام بها حزب البعث، تستّرت ببعض أهل العلم من

99

أعضاء جماعة العلماء وغيرهم الذين انكشف لهم حقيقة هذا الحزب، كما تكشّفت لنا حقيقته نتيجة الوعي الإسلاميّ الذي بعثه السيّد الشهيد فينا... فلقد كانت الواجهة في هذه الهجمة بعض مَنْ ينتسب إلى أهل العلم، ولكن كانت يد حزب البعث وراءها؛ إذ يطرح السيّد الاُستاذ في بعض رسائله أنّ المحامي (حسين الصافي) الذي كان معمّماً من قبل، ومن عائلة علميّة، وله صلات شخصيّة وطيدة ببعض أهل العلم، ومسؤول حزب البعث العربي في النجف الأشرف كان وراء هذه الحملة، وتحدّث إلى بعض الأشخاص لإثارتهم.

فقد كتب السيّد الشهيد في صفر من سنة (1380 هـ ) يقول:

«... لقد كان بعدك أنباء وهنبثة، وكلام وضجيج، وحملات متعدّدة جنّدت كلّها ضد صاحبك بغية تحطيمه... ابتدأت تلك الحملات في أوساط الجماعة التوجيهيّة المشرفة على الأضواء، أو بالأحرى لدى بعضهم، ومن يدور في فلكهم، فأخذوا يتكلّمون، وينتقدون، ثُمَّ تضاعفت الحملة وإذا بجماعة تنبري من أمثال حسين الصافي ـ ولاأدري ما إذا كانت هناك علاقة سببيّة وارتباط بين الحملتين أو لا ـ تنبري هذه الجماعة... فتذكر عنّي وعن جماعة ممّن تعرفهم شيئاً كثيراً من التهم من الاُمور العجيبة...».

ومن الملاحظ أنّه استعمل البعثيّون في هذه الحملة اُسلوبين رئيسيين:

الأوّل: اُسلوب الاتّهام بأنّ هذه المجلّة لاتعبّر عن رأي جماعة العلماء، وإنّما هي تعبّر عن رأي تنظيم سياسىّ دينيّ سرىّ، ويستغل

100

اسم جماعة العلماء. وقد كان الاتّهام بالتنظيم السياسيّ في تلك الفترة الزمنيّة يعتبر تهمة شنيعة بسبب التخلّف السياسيّ الدينيّ في أوساط المتديّنين، وبالأخصّ أهل العلم منهم.

الثاني: موضوع (رسالتنا) الذي يكتب باسم جماعة العلماء، وكان يكتبه السيّد الشهيد الصدر دون أن يعرضه على أحد منهم؛ فقد كتب السيّد الشهيد في نفس الفترة يقول:

«كما أنّ هناك زحمة من الإشكالات والاعتراضات لدى جملة من الناس، أو الآخونديّة في النجف على النشرة، وخاصّة (رسالتنا) باعتبار أنّها كيف تنسب إلى جماعة العلماء مع أنّها لم توضع من قبلهم، ولم يطّلعوا عليها سلفاً؟! وأنّ في ذلك هدراً لكرامة العلماء، هذا في الوقت الذي يقول الأخ...: إنّ الكلمة في بغداد متّفقة على أنّ (رسالتنا) كتابة تجديد وابتكار تمتاز بمستواها الخاصّ من بقيّة الأضواء».

وقد كتب في ( 6 / ربيع الأوّل / 1380 ): «لا أستطيع أن أذكر تفصيلات الأسماء في مسألة جماعة العلماء وحملتها على الأضواء... ولكن أكتفي بالقول إنّ بعض الجماعة كان نشيطاً في زيارة أعضاء جماعة العلماء؛ لإثارتهم على الأضواء وعلى (رسالتنا)، حتّى لقد قيل: إنّ الشيخ الهمدانيّ الطيِّب القول قد شوّهت فكرته عن الموضوع... وهذا الذي حصل بالنسبة إلى الشيخ الهمدانيّ حصل بالنسبة إلى جملة من الطلبة مع الاختلاف في بعض الجهات...».

101

وقد كتب أيضاً: «فإنّني اُجيبك عن سؤالك فيما يخصّ من موقف الخال، فإنّ الشيخ الخال كان في الكاظميّة بعيداً عن الأحداث نسبيّاً، ولم يطّلع إلاّ على سطحها الظاهرىّ، وهو ماض في تأييده للأضواء ومساندته لها، وقد طلب... أن يكتب إلى بعض جماعة العلماء؛ لتطييب خاطرهم، وجلب رضاهم عن الأضواء... فكتب إلى... وأخبره بأنّ الأضواء لم تكن تصدر إلاّ بعد مراقبته وإشرافه، وأنّها تُناط الآن... وأخبره بأنّ كاتب (رسالتنا) سوف ينقطع عن الكتابة...»(1).

وأيضاً كتب السيّد الشهيد: «فقد حدّثني شخص في الكاظميّة أنّه اجتمع به في النجف الأشرف، فأخذ يذكر عنّي له سنخ التّهم التي كالها حسين الصافي من دون مناسبة مسوِّغة. وعلى كلّ حال عسى أن يكون له وجه صحّة في عمله إن شاء الله».

وقد كانت لهذه الإثارة دور كبير في تحريك جماعة العلماء بالخصوص ضدّ السيّد الشهيد والمجلّة، بخلاف الاُسلوب الأوّل؛ فإنّ دوره الأساسىّ كان في أوساط المتشدّدين من أهل العلم البعيدين عن التيّار الإسلاميّ وهمومه ومشاكل الاُمّة وانحرافاتها الفكريّة والسياسيّة؛ ولذا كان تأثيره في جماعة العلماء محدوداً... وقد أحسن السيّد الاُستاذ الشهيد الصدر في معالجة الموقف بهدوء؛ إذ تمكّن أن يثبت ـ حينذاك ـ أنّه لاينتمي إلى تنظيم سياسيّ معيّن،


(1) وبالفعل انقطع الاُستاذ الشهيد عن كتابة رسالتنا؛ ولهذا ليس جميع الأعداد لرسالتنا صادراً عن الاُستاذ الشهيد.

102

وأنّه مُنحِت اللجنةُ التوجيهيّةُ لجماعة العلماء الإشرافَ الفعليَّ على المجلّة، وعلى موضوع (رسالتنا)، وتمسّك بالصبر والسكوت؛ فقد كتب يقول: «وأمّا واقع الأضواء هنا، فهو واقع المجلّة المجاهدة في سبيل الله، وقد هدأت ـ والحمد لله ـ حملة جماعة العلماء عليها بعد أن تمّ إشعارهم بأنّهم المشرفون عليها، غير أنّ حملة هائلة ـ على ما أسمع ـ يشنّها جملة من الطلبة، ومن يسمّى بأهل العلم، أو يحسب عليهم، وهي حملة مخيفة، وقد أدّت ـ على ما قيل ـ إلى تشويه سمعة الأضواء في نظر بعض أكابر الحوزة، حتّى كان جملة ممّن يسمّيهم المجتمع الآخونديّ مقدّسين أو وجهاء لايتورّعون عن إلصاق التّهم بالأضواء، وكلّ من يكتب فيها...».

ومن الجدير بالذكر: أنّه كان الإخوان في اللجنة التوجيهيّة يتسامحون في تقديم ما يكتبونه إلى الجماعة للإشراف المباشر عليه خوفاً من ملاحظات تبديها الجماعة تمسّ الصيغ الجديدة التي كانوا يقدّمونها للأفكار الإسلاميّة التي كانت تمدّ التيّار الإسلاميّ الواعي بالوقود والعطاء.

ولكنّ التجربة التي مارسوها بعد الضجّة دلّت على أنّ جماعة العلماء كانت على درجة من الوعي تجعلها لاتعارض مثل هذه الأفكار، بل تمنحها التأييد والقبول؛ لأنّه يشهد (رضوان الله عليه) بعد ذلك في تاريخ (18 ربيع الأوّل) بأنّ: «اُسرة الأضواء التي لاغبار عليها بوجه من الوجوه مورد للاطمئنان الكامل، وهم